تخيل حديثًا لك مع جارك في فِناء بيتك الخلفي تخبره فيه أنك وزوجتك تخططان لشراء سيارة جديدة، وتحضران لإعادة جدولة قرض المنزل، وأن ابن حميك خسر وظيفته مؤخّرًا. يرد جارُك: حصلتُ على ترقية في الوظيفة، وزوجتي تَشرَعُ بعملٍ جديد، وابنتي تبحث عن حاسوب جديد. ما نوع التحليلات التي يمكن لعالم الاقتصاد بناؤها حول ازدهار الاقتصاد في البلد اعتمادًا على حديثك مع جارك؟ حسنٌ، هذا يعتمد على ما يبوح به هذا الحديث حول «ثقة المستهلك».
ذِكر المشتريات -سواء ما تمّ منها أخيرًا أو ما هو مستقبليّ- يُظهر قوة الطلب الاستهلاكي. وكذلك إعادة جدولة القرض هي إشارة إيجابية للمستقبل توحي بالثقة في القدرة على سداد دفعات الرهن القادمة، وأن هناك احتمالية بكون هذه الدفعات منخفضة، ما قد يعني زيادةً في فائض الدخل. أيضًا تأتي ترقية جارك وشروع زوجته بعمل جديد بوصفها إشارات جيدة للاقتصاد. الإشارة السلبية الوحيدة في حديثكما كانت خسارة أحدهم لوظيفته.
يمكن لعالم الاقتصاد أن يستنتج من باقي الحديث بينكما أن ثقة المستهلك مرتفعة، وهو أمر جيد اقتصاديًا إذ يشكل المستهلكون وسطيًا ما يصل إلى ثلثيّ نشاط البلد الاقتصادي أو الناتج المحلي الإجمالي.
قياس ثقة المستهلك
تُعرَّف ثقة المستهلك، التي تقاس عبر «مؤشر ثقة المستهلك»، بأنها درجة تفاؤل المستهلكين العاديين بحالة الاقتصاد التي يُعبِّرون عنها عبر نشاطات الادخار أو الإنفاق.
تتولى مؤسسة the Conference Board الأمريكية إعداد مؤشر ثقة المستهلك، إذ احتُسِب لأول مرة واعتُمِد قيمةً مرجعية في العام 1985. وتَخضع قيمة المؤشر للتعديل شهريًا بناءً على نتيجة استبيان يُجرى على العائلات حول آراء المستهلكين في الأحوال الاقتصادية السائدة وتوقعاتهم المستقبلية.
تشكل الآراء عن الوضع الحالي 40% والتوقعات المستقبلية 60% من قيمة المؤشر.
تُعرِّف the Conference Board مؤشر ثقة المستهلك على موقعها على الإنترنت كما يلي: «تقرير شهري يحوي تفصيلًا لآراء المستهلكين ونواياهم الشرائية، مصنَّفة حسب العمر، والدخل، والمنطقة».
باختصار، يُنفِق المستهلكون أموالًا أكثر حين تتزايد ثقتهم ما يُشير إلى استمرارية الأداء الجيد للاقتصاد، وعندما تتناقص هذه الثقة فإنهم يميلون للادخار أكثر، وهذه علامة على تعثر الاقتصاد أو على أنه في طريقه إلى الانكماش. وبصورة أساسية، كلما اطمأن الناس إلى استقرار دخلهم بشكل أكبر، زادت احتمالية إبقاء أنماطهم الاستهلاكية أو حتى زيادتها.
استبيان مؤشر ثقة المستهلك
تستطلع the Conference Board آراء خمسة آلاف عائلة أمريكية كل شهر. يتكون الاستبيان من خمسة أسئلة حول المواضيع التالية:
مؤشر الأحوال السائدة:
- تقييم المشاركين لظروف الأعمال الحالية.
- تقييم المشاركين لمعدلات التوظيف الحالية.
مؤشر التوقعات:
- توقعات المشاركين حول ظروف الأعمال في الأشهر الستة القادمة.
- توقعات المشاركين عن معدلات التوظيف في الأشهر الستة القادمة.
- توقعات المشاركين عن إجمالي دخل العائلة في الستة أشهر القادمة.
يُطلب من المشاركين في الاستبيان أن يجيبوا بكلمة إيجابي أو سلبي أو محايد. تُنشر نتائج الاستبيان في الثلاثاء الأخير من كل شهر.
طريقة حساب مؤشر ثقة المستهلك
بعد جمع البيانات، تُحتسب حصة كل سؤال أو ما يُعرف «بالقيمة النسبية» إذ يُقسَّم مجموع الإجابات الإيجابية لكل سؤال على المجموع الكُلّي للإجابات السلبية والإيجابية. ثم تُقارن القيمة النسبية المحسوبة لكل سؤال مع نظيرتها في العام 1985 التي تُعدّ القيمة المرجعية للمؤشر، وينتج عن هذه المقارنة للقيم النسبية «قيمة المؤشر» لكل سؤال. لاحقًا، يُحسب متوسط قيم المؤشر للأسئلة ما يُنتِج «مؤشر ثقة المستهلك».
ويكوِّن وسطيّ قيم المؤشر للأسئلة عن الوضع الحالي «مؤشر الوضع الراهن» بينما يكون متوسط قيم المؤشر للأسئلة عن المستقبل «مؤشر التوقعات» وأيضًا، تُحسب الأرقام على مستوى الولايات المتحدة ككُل إضافةً إلى حسابها على مستوى تسع مناطق إحصائية.
تأويل مؤشر ثقة المستهلك
يُراقب كل من المصنِّعين وتجار التجزئة والبنوك والحكومة التغيرات التي تطرأ على المؤشر ويأخذونها في الحسبان خلال مراحل بناء القرار.
وبينما تهمل تغيّرات المؤشر في الغالب عندما تَقِّل عن 5%، تَدُلّ التحركات التي تُسجل أرقامًا أكبر من ذلك على تغيّراتٍ محتملة في اتجاه الاقتصاد.
يُظهِر اتجاه المؤشر المنخفض شهرًا بعد شهر أن للمستهلكين نظرة سلبية تجاه قدرتهم على تأمين وظائف جيدة أو حتى الحفاظ عليها. نتيجةً لذلك، قد يتوقع الصناعيون تجنب المستهلكين للمشتريات، خاصًة مرتفعة الأسعار منها، التي تتطلب تمويلًا كبيرًا. وربما يلجؤون إلى خفض المخزون إلى الحد الأدنى بقصد تقليل المصاريف الثابتة، بالإضافة إلى احتمال تأجيلهم للاستثمار في مشاريع ومنشآت جديدة. بالمثل، تترقب البنوك انخفاض نشاط الإقراض والطلب على الرهن العقاري واستخدام البطاقات الائتمانية.
عندما تواجه الحكومة انخفاض مؤشر ثقة المستهلك فإنها تلجأ إلى خيارات عديدة مثل تخفيض الضرائب وغيرها من الإجراءات النقدية والمالية بهدف تحفيز الاقتصاد. وبالعكس، فإن ارتفاع ثقة المستهلك تدل على تحسن أنماط الشراء لدى المستهلكين. وعندها يمكن للمصنّعين زيادة الإنتاج والتوظيف، وتتوقع البنوك ارتفاع الطلب على الائتمان، ويتحضّر المقاولون لازدياد حركة بناء المنازل، وتتوقع الحكومة تحسن إيرادات الضرائب بناء على ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي.
يَنظر بعض علماء الاقتصاد إلى مؤشر ثقة المستهلك على أنه أحد المؤشرات اللاحقة للأحداث-Lagging Indicators التي تُبدي تغيرًا فقط في مرحلة لاحقة للتغيّر الذي يطرأ على الاقتصاد ككل. ويُفسر هذا التأخير في استجابة المؤشر بأن عودة المستهلكين إلى وضعهم الطبيعي واستجابتهم للأحداث الاقتصادية تستغرق بعض الوقت.
وتكمن أهمية المؤشر اللاحق للحدث في أنه يؤكد أن نمطًا ما في طور التشكل. وبذلك، فإن ارتفاع الإنفاق اليوم يعكس التعافي الاقتصادي الحاصل منذ أشهر، وبالمقابل، يُثبِت انخفاض الإنفاق الحالي أن الاقتصاد يمُرّ فعلًا في حالة من الركود.
ويعدّ علماء آخرون هذا المؤشر من المؤشرات السابقة للحدث-Leading Indicators إذ إن الهبوط أو الارتفاع في ثقة المستهلك مؤشر قوي على المستويات المستقبلية للإنفاق الاستهلاكي المسؤول عمّا يقارب 70% من النشاط الاقتصادي.
خلاصة
بما أن الإنفاق الاستهلاكي مهم جدًا للصحة المالية للبلاد، فإن مؤشر ثقة المستهلك واحد من أكثر المؤشرات الدقيقة والمُنتظرة. يُبنى المؤشر على استبيان مكوَّن من خمسة أسئلة تُطرح على خمسة آلاف عائلة لقياس مدى تفاؤلهم بعافية الاقتصاد. ولكنه يُعدّ -على نطاقٍ واسع- مؤشرًا لاحقًا للحدث.
ولذا، مهما كانت نتائج الاستبيان، تذكر أنه لا يشير إلى ما سيحدث مستقبلًا وإنما إلى ما حدث سابقًا بالفعل.
اقرأ أيضًا:
ما هي القيمة الاقتصادية المضافة؟
صناديق الاستثمار: معلومات وحقائق
ترجمة: مالك عوكان
تدقيق: علي البيش