تُعد أغلفة دايسون (أو كرات دايسون) هياكل افتراضية ضخمة الحجم تُبنى حول نجم لجمع كل طاقته المشعة. ونظريًا، قد يكون اكتشاف غلاف دايسون وسيلةً للعثور على حضارة فضائية متقدمة تكنولوجيًا لا ترغب في التواصل. لكننا قد نواجه تحديات كثيرة تُعرف أيضًا بأسراب دايسون.
الفكرة وراء غلاف دايسون هي جمع أكبر قدر ممكن من الطاقة من نجم ما. فعلى الأرض، تبلغ كمية الطاقة التي نتلقاها من الشمس (الإشعاع الشمسي الكلي) 1361 واط لكل متر مربع، وفق إحدى التجارب التابعة لناسا.
لكن هذه الكمية تمثل جزءًا صغيرًا من إجمالي الطاقة التي تُوَجه في جميع الاتجاهات، وبحسب مركز التنبؤ بالطقس الفضائي الأسترالي، تبلغ 380 مليار كوادريليون (3.86×10^26) واط كل ثانية. ونظرًا لأن الأرض صغيرة جدًا بالمقارنة، فإننا نتلقى فقط جزءًا صغيرًا من هذه الطاقة.
لكن لنفترض أن حضارة تكنولوجية متقدمة أرادت استخدام كل طاقة نجمها التي تتحرك إلى الفضاء بسرعة الضوء، إذا كان لديهم تقنية متقدمة بما فيه الكفاية، فقد يبنون غلاف دايسون: سرب كروي من مجمعات الطاقة الشمسية التي ستغلف النجم بكامله وتجمع كل طاقته.
يصنف العلماء الذين يدرسون البحث عن الذكاء الخارجي (SETI) الحضارة التي تمتلك غلاف دايسون من نوع كارداشيف الثاني على مقياس كارداشيف، ما يشير لقدرتها على استخدام كل الطاقة من النجم، التي تصل تقريبًا إلى 10^26 واط في الثانية، وتختلف هذه القيمة من نجم إلى آخر، فبعض النجوم أكثر لمعانًا من الشمس أو أقل.
الحضارة من النوع الأول تستخدم كل الطاقة المتاحة لكوكب واحد -مثل الوقود الأحفوري، ومصادر الطاقة المتجددة، والطاقة النووية- التي تحسب بنحو 10^16 واط في الثانية. والحضارة من النوع الثالث تستخدم كل الطاقة في المجرة كاملة، ببناء أغلفة دايسون حول كل نجم وأخذ الطاقة من الثقب الأسود الفائق الكتلة في المركز، وتصل إلى 10^36 واط في الثانية.
إذا كنت تتساءل عن موقعنا على هذا المقياس، فنحن حاليًا حضارة من النوع كارداشيف 0.7449، فنحن حتى لا نستخدم كامل الطاقة المتاحة لنا على الأرض.
غلاف دايسون:
في عام 1960، اقترح الفيزيائي فريمان دايسون أن الحضارات التكنولوجية خارج الأرض قد تبني سحابة من مُجمِّعات الطاقة الشمسية التي ستغلف نجمها بالكامل، وبالوسع اكتشافها من حرارة مخرجاتها.
هل غلاف دايسون ممكن؟
نعم، فمن الممكن نظريًا بناء غلاف دايسون. لكن الموارد المطلوبة، والمهارات الهندسية، والوقت اللازم لبنائها قد تجعلها طموحًا غير قابل للتحقيق.
كم سيكلّف غلاف دايسون؟
يجب علينا تفكيك كوكب كامل للحصول على المواد الخام، ولا يمكن تحديد تكلفة ذلك، ولكن نظريًا، يجب أن يكون غلاف دايسون قادرًا على استعادة تكاليفه وتحقيق أرباح هائلة من كمية الطاقة التي سيولدها.
يُنسب مفهوم غلاف دايسون إلى الفيزيائي والمفكر العظيم فريمان دايسون، لكن فكرته التي نُشرت في مجلة ساينس عام 1960 مستَلهَمة من مصادر أخرى، ومنها رواية الخيال العلمي (صانع النجوم) للكاتب أولاف ستابلدون عام 1937، ووفقًا لمقابلته مع طلاب في جامعة إدنبرة قبل وفاته في فبراير 2020، وصف دايسون كيف نشأت فكرة غلاف دايسون من طرح السؤال: «كيف نستطيع اكتشاف حضارة متقدمة تكنولوجيًا لا ترغب في التواصل؟».
استنتج دايسون أن البحث عن علامات الهياكل الضخمة الاصطناعية الهائلة كان السبيل لتحقيق ذلك.
أوضح دايسون في ورقته الأصلية أن سربًا من المجمعات الشمسية الصغيرة حول النجم سيكون أكثر قابلية للتطبيق من كرة ضخمة صلبة، فحتى لو تعرض جزء من السرب للتلف، سيظل الباقي سليمًا، وقد تحتوي الأقسام الفردية على دافعات للحفاظ على مواقعها، ما يجعل غلاف دايسون -بشكل أكثر دقة- سرب دايسون.
كيف يُبنى سرب دايسون؟
في ورقته الأصلية عام 1960، استخدم دايسون تقديرًا عدّ فيه أن الحضارة ستحتاج إلى تفكيك كوكب بحجم المشتري للحصول على ما يكفي من المواد الخام لبناء سرب دايسون. ولكن إذا أردنا بناء سرب دايسون في نظامنا الشمسي، فإن المشتري سيكون بعيدًا جدًا عن الشمس.
وبدلاً من ذلك، في محاضرة في جامعة أكسفورد، اقترح الفلكي ستيوارت أرمسترونغ أن تفكيك عطارد -الكوكب الأقرب- قد يكون مناسبًا، إذ يحتوي على مواد مفيدة كافية لإنتاج سرب كروي من مجمعات الطاقة الشمسية في مدار عطارد، وكل مجمع يحتوي على 245 جرامًا لكل متر مربع.
قد تبدأ عملية بناء سرب دايسون تدريجيًا، إذ تولد مصفوفة شمسية صغيرة طاقة لتعدين الكويكبات وبناء مصفوفات أكبر. وبوسع هذه العملية التوسع تدريجيًا حتى إكمال تعدين كوكب عطارد وتفكيكه ما يجعل البناء ينمو أسيًا.
كيف نكتشف أسراب دايسون؟
تذكر الهدف الأصلي لدايسون: إيجاد طريقة لاكتشاف مجتمعات متقدمة تقنيًا لا تحاول بالفعل التواصل معنا. ولكن كيف يمكننا اكتشاف سرب دايسون عندما يكون قد حجب وامتص كل الضوء من نجمه؟
يوضح القانون الثاني للديناميكا الحرارية أن المجمعات الشمسية في سرب دايسون ستبعث حرارة إلى الفضاء البارد حولها، ما يمنعها من الانصهار. لذلك، سيشع سرب دايسون في الأشعة تحت الحمراء. ولاكتشافه، يجب على الفلكيين البحث عن جسم في الفضاء يشع كميات غير طبيعية من الأشعة تحت الحمراء، مع استبعاد التفسيرات الطبيعية مثل النجوم الحمراء والسدم والمجرات الغبارية.
هل وجدنا أي هياكل ضخمة غريبة؟
أجريت أولى عمليات البحث عن أسراب دايسون في الثمانينيات باستخدام بيانات من القمر الصناعي الفلكي بالأشعة تحت الحمراء (IRAS).
في عام 2009 أُعطيت مهمة مراجعة بيانات IRAS وإعادة تحليلها للفلكي ريتشارد كاريجان من مختبر فيرمي الوطني لتسريع الجسيمات. وحدد كاريجان 16 مصدرًا للأشعة تحت الحمراء التي يعدها تستحق التحقيق الإضافي، مع إضافة أنه من المحتمل أن تكون ظواهر طبيعية.
استخدم مشروع هيغاستوس – برنامج للبحث عن أسراب دايسون- التعلم الآلي لفرز 5 ملايين جسم في قواعد بيانات مستكشف مسح الأشعة تحت الحمراء واسع المجال (WISE) التابع لناسا، ومهمة القياس الفلكي غايا التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، ومسح السماء الكامل بالأشعة تحت الحمراء. فكشف البرنامج عن سبعة أسراب دايسون محتملة أظهرت انبعاثات زائدة من الأشعة تحت الحمراء، وهذه الأسراب -إذا كانت حقيقية- ستكون أسرابًا جزئية تحيط بجزء فقط من نجومها.
دُحضت سبعة أهداف مفترضة لسرب دايسون بسبب قربها من مجرات غبارية. وبينما وجد مسح آخر 53 هدفًا مشبوهًا، من المحتمل أن تكون تفسيراتها طبيعية ويجب استبعادها قبل الإعلان عن أي اكتشاف. ومثال ذلك نجم بويجيان (KIC 8462852) الذي أظهر عبورًا غير عادي يحجب 22% من ضوء النجم، ما أثار جدلًا حول إمكانية وجود هيكل ضخم. ودارت مناقشات كثيرة حول احتمال أن يكون العبور الغريب ناتجًا عن هيكل ضخم غريب مثل سرب دايسون الجزئي. ولكن في النهاية، فُسِّرت الانخفاضات في ضوء النجوم بأنها نتجت عن سحب من الغبار، ربما من قمر يتبخر أو مذنب يتبخر.
بالتأكيد مجرتنا ليست الكون بأكمله. وحتى لو لم توجد أي حضارات تكنولوجية أخرى في درب التبانة، ففي الكون 2 تريليون مجرة أخرى، لذا ربما توجد حضارة تكنولوجية في مكان ما تبني أسراب دايسون.
ومع إن أسراب دايسون الفردية لا يمكن كشفها بين المجرات، فإن حضارة من نوع كارداشيف III، التي تستخدم أسراب دايسون حول كل نجم في المجرة، ستكون قابلة للكشف. مسح WISE لم يجد أي منها، لكنه لم يستبعد وجود مجرات تحتوي على أسراب دايسون جزئية. بالطبع، قد لا يبني الفضائيون أسراب دايسون لأسباب تتعلق بالوقت، والموارد، أو أهدافهم التي قد تكون مختلفة عن نمو لا محدود.
اقرأ أيضًا:
كرات دايسون حول الثقوب السوداء قد تكشف عن حضارات غريبة
ترجمة: زين العابدين بدور
تدقيق: محمد حسان عجك