يُستخدم مصطلح عدم الإحساس الخلقي بالألم طبيًا لوصف انعدام قدرة المرء على الإحساس بالألم الجسدي، ما قد ينتج من عدد من الاضطرابات الجينية النادرة.

لا يستطيع مرضى عدم الإحساس الخلقي بالألم الشعور بأي آلام جسدية منذ الولادة، ويعانون غالبًا مشكلات حسية أخرى مثل انعدام قدرتهم على الشم، أو الإحساس بدرجات الحرارة الباردة أو الساخنة للغاية. يُعد عدم الإحساس الخلقي بالألم اضطرابًا جسديًا متنحيًا، أي يجب أن ينقل الوالدان نسختين من الجين الطافر المتغير إلى طفلهم حتى يُصاب بالاضطراب.

الأسباب:

عدم الإحساس الخلقي بالألم أحد أشكال اعتلال الأعصاب المحيطية، تحديدًا اعتلال الأعصاب الجذري الحسي الوراثي.

الإحساس بالألم أحد الوظائف المتعددة للجهاز العصبي. يستعين الجهاز العصبي بمستقبلات الألم، وهي خلايا عصبية متخصصة تتحرى الأذيات والإصابات المختلفة.

لا تعمل مستقبلات الألم بشكل صحيح لدى مرضى عدم الإحساس الخلقي بالألم، إما أن تكون غير كاملة التطور، أو لا تستجيب لتنبيهات الألم بالصورة الطبيعية. لا يستطيع الجهاز العصبي إرسال إشارات الألم والأذية إلى الدماغ دون وجود مستقبلات ألم سليمة، فلا يشعر مرضى عدم الإحساس الخلقي بالألم بالأذية الجسدية مثل الأصحاء.

عدم الإحساس الخلقي بالألم حالة نادرة، إذ سُجل بعض أنماطها الظاهرية، التي تعني حالات الاضطرابات الجينية المسببة لها، في عائلة واحدة فقط في العالم. أُبلغ عن بضع مئات من الحالات فقط من أكثر أنماطها الظاهرية شيوعًا في جميع أنحاء العالم.

ما الجين المسبب لعدم الإحساس الخلقي بالألم؟

تنتج أشيع حالات الإصابة بعدم الإحساس الخلقي بالألم من وجود طفرات في جين (SCN9A) أو (NTRK1)، إذ تؤدي وجود طفرات فيهما إلى أنماط ظاهرية مختلفة من اعتلال الأعصاب الجذري الحسي الوراثي، التي تتضمن:

  •  عدم الإحساس الخلقي بالألم مع انقطاع التعرق: يُصنف بأنه النمط الرابع من اعتلال الأعصاب الجذري الحسي الوراثي. يتمثل بانعدام القدرة على الشعور بالألم الجسدي أو التعرق منذ الولادة. يعاني المصابون حمى متكررة، وعدم القدرة على تحسس درجات الحرارة القصوى، وتأخر النمو، واضطرابات سلوكية، وارتخاء العضلات. يشكل فرط حرارة الجسم مشكلة خطيرة لمرضى عدم الإحساس الخلقي بالألم مع انقطاع التعرق، لعدم قدرة أجسادهم على تعديل حرارتها بالتعرق. يواجه المرضى عادةً عدوى متكررة أيضًا، خصوصًا العدوى ببكتيريا المكورات العنقودية الذهبية، المقاومة للمضادات الحيوية غالبًا.
  •  خلل الوظائف المستقلة العائلي: يُصنف بأنه النمط الثالث من اعتلال الأعصاب الجذري الحسي الوراثي. يواجه المصابون حساسية منخفضة للألم، وارتخاء للعضلات، ونقص إنتاج الدمع، وتأخر النمو، وصعوبة في الحفاظ على استقرار درجة حرارة الجسم وضغط الدم. يمثل بكاء الطفل دون دموع أولى علامات خلل الوظائف المستقلة العائلي، وهو أمر غالبًا ما يلاحظه الطبيب أو الأهل. يلاحَظ أيضًا وجود جنف لدى 95% من المرضى خلال سنوات مراهقتهم. قد يعاني المرضى في بعض الحالات الضعف والتشنج والأرق. تشيع اضطرابات الكلى بين البالغين المصابين بالاضطراب السابق.
  •  الخدر الخلقي المرتبط باعتلال القنوات الناقلة: النمط الثاني من اعتلال الأعصاب الجذري الحسي الوراثي. ينتج الاضطراب عن طفرات في جين (SCN9A)، أو (PMRD12) نادرًا. لا يشعر المرضى بالألم جزئيًا، إذ تنتج أجسادهم كميات كبيرة من الأفيونات الذاتية، وهي مسكنات الألم الطبيعية التي يصنعها الدماغ. يعاني مرضى الخدر الخلقي المرتبط باعتلال القنوات الناقلة غالبًا الخشام، أي انعدام حاسة الشم كليًا أو جزئيًا.

هل عدم الإحساس الخلقي بالألم أمر جيد؟

مع أن خوض الحياة دون الإحساس بأي آلام جسدية فكرة رائعة للغاية، فإن عدم الإحساس الخلقي بالألم اضطراب خطير للغاية، إذ يقصر من متوسط العمر المتوقع لمرضاه.

يعمل الألم أداةً لتحذير الجسم، إذ ينبهه إلى وجود أمراض أو إصابات في أحد أنسجته. تساعد غريزة البقاء وتجنب الألم أيضًا على حماية الإنسان من ممارسة أي نشاطات محفوفة بالمخاطر. قد لا يلاحظ المرء تأذيه بشدة حال عدم إحساسه بأي آلام، وقد يؤذي نفسه دون أن ينتبه، مثلًا قد يضع المريض يده على الموقد ويؤذيها دون أن يلاحظ. لا يملك المرء دون الإحساس بالألم غريزة حماية جروحه من أن تصطدم بأشياء أو تكشط بها، ما قد يزيد الأذيات والالتهابات سوءًا.

قد لا يلاحظ مريض عدم الإحساس الخلقي بالألم بعض الحالات المرضية الطارئة التي يدفع الألم الناتج عنها بالمريض إلى المشفى، مثل النوبة القلبية والتهاب الزائدة الدودية. قد ينطبق ذلك أيضًا على الكسور، والخلوع التي تخرج فيها العظام عن موضعها الطبيعي، وأذيات المفاصل. قد تسبب الحالات السابقة غير المعالجة تدريجيًا تشوهات وإعاقات على المدى البعيد.

ينبغي فحص مرضى عدم الإحساس الخلقي بالألم روتينيًا للكشف عن أي أذيات لم يلاحظوها، إذ قد يقصر الاحتمال الكبير للإصابات غير المقصودة أو الالتئام السيئ للجروح من متوسط العمر المتوقع للمريض.

الأعراض:

يعاني معظم مرضى عدم الإحساس الخلقي بالألم الأعراض التالية:

  •  انعدام الإحساس بالألم، الذي يتمثل بعدم إظهار المريض لأي ردة فعل لأحاسيس الألم الناتجة من الجروح، أو الحروق، أو الحقن.
  •  أذيات شديدة ومتكررة، إضافةً إلى إيذاء المريض نفسه بالخطأ، مثل الجروح الناتجة من العضات على اللسان، والفم، والأصابع.
  •  انعدام التعرق أو نقصه.
  •  فقدان حاسة الشم.
  •  عدم إظهار المريض أي ردة فعل لدرجات الحرارة القصوى.
  •  الحمى الشديدة والمتكررة، التي تترافق أحيانًا مع نوبات حمى.
  •  ضعف منعكس القرنية، الذي يتمثل بإغلاق الأجفان لا إراديًا بعد لمس شيء ما لقرنية العين.
  •  الإعاقة الذهنية.

قد تتنوع أعراض عدم الإحساس الخلقي بالألم كثيرًا، قد يلاحظ الطبيب مثلًا لدى مريض بعض الأعراض، ولدى غيره الكثير منها. عدم الإحساس الخلقي بالألم اضطراب نادر، يُنصح الأهل بمراجعة الطبيب المختص إذا لم يستجب طفلهم للألم أو كان يؤذي نفسه بشكل متكرر.

التشخيص:

يُشخص عدم الإحساس الخلقي بالألم في سنوات الطفولة المبكرة إذ يلاحظ الطبيب اضطراب الاستجابة الطبيعية للألم، المتمثلة عادةً بالبكاء أو النفور، عند اتخاذ بعض الإجراءات الطبية مثل حقن اللقاحات، والأساليب العلاجية لبعض أذيات الطفولة الشائعة مثل السقوط. تشيع الأذيات الذاتية غير المقصودة بين مرضى عدم الإحساس الخلقي بالألم الأطفال مثل عضهم لأفواههم، وألسنتهم، وأصابعهم بشدة.

يشخص الطبيب عادةً الإصابة بعدم الإحساس الخلقي بالألم بواسطة اختبار استجابة الطفل للألم والأذية، بوخزه بشيء مثل إبرة تسبب له الألم، دون أن يسبب التضرر أو التندب الدائم. قد ينصح الطبيب بإجراء اختبار جيني لتأكيد نتائج الفحص السابق.

قد يُظن بالخطأ أن الطفل المصاب بعدم الإحساس الخلقي ضحية لإيذاء الأطفال وإساءة معاملتهم، نظرًا إلى أن الحالة نادرة للغاية وتسبب إصابات شديدة غير مقصودة.

العلاج:

لا يوجد حتى الآن علاج لعدم الإحساس الخلقي بالألم، يتمثل العلاج بتثقيف المريض، الذي يتضمن تعليمه كيفية تفادي الإصابات، والكشف عن نفسه دوريًا بحثًا عن أي أضرار، وعلاج الأذيات سريعًا.

قد يُنصح بإجراء بعض التدابير الطبية الاحترازية مثل إزالة الأسنان الأولية لحماية المرضى الصغار من أذية أنفسهم، قبل أن يتعلموا كيفية حماية أنفسهم.

أظهر المعاكس الأفيوني نالوكسون فعاليته خيارًا لعلاج الخدر الخلقي المرتبط باعتلال القنوات الناقلة جزئيًا في بعض الحالات.

اقرأ أيضًا:

لا تشعر هذه العائلة الإيطالية بالألم

الرجال والنساء يشعرون بالألم بطريقة مختلفة تمامًا، وعرفنا الآن السبب

ترجمة: رهف وقاف

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر