ما هو عدد الخلايا البكتيرية في جسم الانسان ؟ أنظر بكتيريا حينما يعطس أحد بالقرب منا نهرول لغسل أيدينا ورش مائدة الطعام بالمطهر بل والتكشير أيضا!, إننا في الواقع نفعل كل ما نستطيع لنتفادي المواجهة مع عالم الجراثيم. لكن الحقيقة هي أننا عمليا لسنا سوى مزارع بكتيرية متحركة تسير على قدمين, نعج عن آخرنا بالمستعمرات البكتيرية بدءا من جلودنا حتى أعمق أعماق أحشائنا.
يعيش في داخلك كمية من البكتيريا تكفي لملء نصف جالون, ويكتض جسم الانسان بعدد من الخلايا البكتيرية يساوي عشرة أضعاف عدد خلايا جسمه نفسها, إلا انه ولصغر حجم تلك البكتيريا, فإنها لا تحتاج إلا لحيز صغير من الفراغ. ورغم فظاعة هذا الأمر على ما يبدو, إلا أنه في الحقيقة شئ جيد جدا ومفيد بالنسبة للانسان. بل واكثر من ذلك، فطبقا لكارولين بوتش عالم الميكروبيولوجي في جامعة ايداهو, فإن مجموع الجينات التي حصلنا عليها من البكتريا اكبر بمئة وخمسين مرة من الجينات التي ورثناها عن امنا وابونا. بمعنى اخر، ومن الناحية الجينية نحن بشر بنسبة اقل من واحد بالمئة. ومع ذلك فنحن الان فقط بدأنا ننتبه الى دور البكتريا في نشوئنا والتأثير علينا.
الغزوة الأولى التي تقوم بها البكتيريا على جسمنا عند الولادة: حيث يلتهم الاطفال جرعات متتالية من البكتريا أثناء تنفسهم فور الولادة وعند التقام صدر الأم ولبنها خلال فترة الرضاعة الطبيعية, حيث أن الغدد الثدية اللبنية تصبح موطنا لمستعمرات البكتريا خلال الرضاعة. “إن تفاعلنا مع امهاتنا هو أكبر صدمة بكتيرية نقابلها مدى الحياة” هكذا يقول غاري أوفناغل أخصائي الميكروبيولوجي بجامعة ميتشجان. ويضيف: “هذا فقط بالنسبة للبداية, فخلال حياتنا ونحن نتناول جرعات متتالية من البكتريا في طعامنا وشرابنا”.
وعلى الرغم من أن الدراسات تشير إلى أن امعائنا تحتضن أكثر من 500 نوع من البكتريا, إلا أن أغلبها ينتمي إلى أحد هاتين العائلتين: “متينات الجدار” (والتي تشمل العنقودية والمكورة والعقدية) وتكون موجبة الجرام أو “العصوية” وتكون سالبة الجرام.
ولفترة طويلة اعتقد العلماء أن هذه البكتيريا رغم أعدادها الهائلة لا تضر الانسان أوتفيده كثيرا, إلا أن موقفهم تغير بعد ذلك حينما أشارت الدراسات إلا ان البكتريا تنتج المواد الكيميائية التي تساعدنا على استخلاص الطاقة والعناصر الغذائية من طعامنا. وفي تجربة على الفئران اكتشف العلماء أن القوارض الخالية من البكتريا تضطر لتناول سعرات حرارية أكثر من الطبيعي بمرة ونصف ليبقى وزنها مثل الثوارض العادية ولا ينقص. وعندما يتم اعطاء تلك القوارض جرعة من البكتريا, نجد مستويات الدهون ترتفع في أجسامها, حتى لو لم يأكلوا أكثر من ذي قبل.
تحافظ البكتريا أيضا على جهازنا المناعي بصحة جيدة.وتشير العديد من الدراسات إلى دور الميكروبات في تنظيم انتشار وكثافة الخلايا المناعية المعوية عن طريق المساعدة في تطوير الانسجة الليمفاوية المعوية التي تقوم بالعديد من الوظائف المناعية والوقائية.
علاوة على ذلك كله, فإن ما يسمى بالبروبايوتك (مكملات غذائية تحتوي على ميكروبات ذات فوائد صحية) قد ثبتت فائدتها للمناعة. كما ان بكتريا الأمعاء تساعد على حمايتك من بقية أنواع البكتريا الضارة المسببة للأمراض الموجودة في طعامك وشرابك, بما يجعلها بحق احد أذرع جهازك المناعي.
إلا انه ولسوء الحظ فإن بكتريا الامعاء الصديقة تلك لا تتمكن دائما من صد هجمة البكتريا الضارة, بما يجعلنا نلجأ بين الحين والآخر لاستخدام المضادات الحيوية. إلا ان تلك المضادات لا تقتل فقط البكريا الضارة, لكنها تبيد في طريقها البكتريا الصديقة التي تنظم عملية الهضم أيضا. هذا هو السبب في أن المذادات الحيوية تسبب الاسهال واضطرابات المعدة.
ولم تكتف البكتريا الصديقة بكل ذلك, بل قدمت البكتريا اسهامات كبيرة في الجين البشري, حيث اكتشف مجموعة من العلماء ان حوالي 40 جين بشري في الاصل جينات بكتيرية.
ويبقى السؤال رغم ذلك, كيف اكتسبنا تلك الجينات بالضبط؟ يفسر بعض العلماء ذلك بأفتراض انتقال تلك الجينات للانسان مؤخرا لحد ما في التاريخ التطوري, لأنه لم يتم العثور على تلك الجينات في أسلافنا من الحيوانات. ويرى آخرون انها تمثل الاثار القديمة من الأحداث التطورية التي وقت في تاريخ جنسنا البشري. ويبقى السؤال تحت دائرة البحث.
شئ واحد مؤكد: حياتنا وميولنا مرتبطة بعالم الجراثيم أكثر بكثير مما كنا نتصور. فالبكتريا صديقتنا تفعل الكثير من اجل صحتنا, وتوا بدأ العلماء محاولين اكتشاف اسرارها القيمة. وكما قال أحد العلماء: “لازلنا لم نفهم بعد التأثير الكامل للبكتريا الصديقة على صحتنا ووظائفنا العضوية.”
المصدر: مجلة العلوم الأمريكية (Scientific American)