ما هو دور الحمية الغذائية الغنية بالدهون في دعم انتشار الخلايا السرطانية؟
عانى الباحثون طويلًا _في دراساتهم التي أُجريت على الفئران_ كي يفهموا آلية عمل الخلايا السرطانية وأسبابها.
إنها مهمة صعبة ومجازفة خطيرة أن تستأصل هذه الخلايا نفسها وتسافر في مجرى الدم لتستقر في قسم مغاير تمامًا من الجسم.
فالخلية الطبيعية _الغير سرطانية_ مبرجمة على التدمير الذاتي في حال غادرت النسيج الذي تعيش فيه.
في السابق، اتُّهِم السكر بأنه مصدر التغذية الرئيسي للسرطان، إلّا أن دراسة في أوائل هذا العام، اقترحت أننا كنا ننظر للنقائل بشكل خاطئ كليًّا.
ماذا لو كانت الدّهون هي المسئولة عن انتشار السرطان؟
الدراسة _التي نُشرَت في السابع من كانون الثاني في مجلة (الطبيعة)_ تُضيف ثقلًا أكبر لهذه الفرضية؛ حددَّ فريقُ الباحثين هويةَ الخلايا المسئولة عن انتشار السّرطان الفموي عند الفئران، وأظهروا أنها تعتمد الأحماض الدسمة للانتشار في الجسم، مُتضمّنةً حمض البالمتيك (حمض النخل) وهو مكون رئيسي لمضاف غذائي شائع هو زيت النخل.
اعتقد العلماء أن الخلايا السرطانية تعتمد نوعًا معينًا من الدهون يدعمها ويساعد على انتشارها.
إثبات هذا هو نقطة ضعف قاتلة للخلايا المسئولة عن انتشار السّرطان لدى الفئران، آملين أن يساعدهم هذا في تحقيق ذات النتائج للإنسان؛ فالنقائل هي المسبب الرئيسي للوفيات المرتبطة بالسرطان في العالم.
يقول (زيانغ زانغ): _باحث في علم الأورام من جامعة (بايلور) للطب في (هيوستن، تكساس)، وهو لم يكن من المشاركين في الدراسة_: «إن تحديد الكيفية التي تتم بها عملية الابتثاث (انتشار وهجرة الخلايا السرطانية من موقعها الأساسي عبر النقائل) هو خطوة كبيرة للأمام. نملك الآن مشتبهًا به يمكن تتبعه».
ومن أجل العثور على المشتبه به، بحث (سالفادور ازنار بينيتا) _من مؤسسة البحث الطبي الحيوي في مؤسسة برشلونة للعلوم و التكنولوجيا، في اسبانيا_ بين خلايا الأورام الفموية عن خلايا قادرة على الابتثاث.
يقول (ايرنست لينغيل) _عالم أورام نسائية في جامعة (شيكاغو، ايلينوي) ولم يكن مشاركًا في البحث_: «إن عملية الانبثاث (هجرة الخلايا السرطانية عبر النقائل) تستهلك الكثير من الطاقة في تأقلم الخلايا مع البيئات المتغيّرة، وفي فرض السّيطرة والتكاثر فور ما أمكن».
العديد من خلايا النقائل كشفت عن مستويات عالية لمستقبِل بروتيني يُدعى (CD36)، الذي يساعد الخلايا على امتصاص الدهون.
ارتبط ارتفاع المستقبل (CD36) أيضًا، مع نتائج صحية سيئة في المثانة، الرئة، الثدي والسرطانات الأخرى لدى المرضى.
لذا قرّر الفريق رؤية ما سيحدث لو حُجِب هذا المستقبل.
بشكل لا يُصدَّق، اكتشف الباحثون أن باستطاعتهم منع انتشار السرطان لدى الفئران عند حجب المستقبل البروتيني (CD36) لكن دون أن يمنع ذلك الأورام الأولية من التشكل.
يقول (سالفادور ازنار بينيتا): «على أية حال، لا زلنا لا نعلم الآلية الدقيقة للتأثير القوي الذي يسببه حجب (CD36) على النقائل.
نفترض بأنّ خلايا النقائل تعتمد بشكل كبير على توفر أحماض دسمة محددة، ليس بالإمكان الانتشار بدونها، وبما أننا استطعنا تحديد هوية الخلايا المسؤولة عن النقائل، فبإمكاننا دراسة سلوكها بتفصيل أكثر».
بينما لايزال لدى الفريق الكثير لفعله، أظهرت نتائجهم _حتى الآن_ أن العلاج من الممكن أن يكون فعالًا حتى بعد تشكيل السرطان لنقائله وبدء انتشار الورم.
توصلوا أيضًا إلى أن حجب المستقبلات (CD36) بالأجسام المضادة، استأصل الأورام النقائلية في 15% من المرات، وتقلصت الأورام المنتشرة حوالي 80% على الأقل.
أظهرت الدراسة أيضًا أن الفئران التي أُلزمت حمية غذائية عالية الدهون، امتلكت أورامًا أكبر وأكثر في عقدها اللمفاوية و رئتيها _ما يُعتبر مؤشرًا على انتشارها_ بالمقارنة مع الفئران ذات الحمية الغذائية الاعتيادية.
للتوضيح، أُجري هذا البحث على الخلايا السرطانية البشرية في الفئران فقط، لذلك لا يوجد ضمان كافٍ بأنها ستعمل لدى البشر.
يُجري فريق (بينيتا) الآن دراسة على ألف شخص من مصابي السرطان، لتنميط الدسم الموجود في دمائهم في محاولة للتوصل إلى إثبات أية صلة بينه و بين انتشار الخلايا السرطانية.
بينما يعمل الفريق أيضًا على تطوير مضادات للمستقبل (CD36) يمكن استعمالها في التجارب السريرية. يقدر (بينيتا) أن الهدف المطلوب سيستغرق على الأقل أربع سنوات.
في هذه المرحلة، لا يوصى باقتطاع الدهون من الحمية الغذائية لمرضى السرطان؛ نظرًا لحاجتهم إلى حمية ذات طاقة عالية تبقيهم أصحاء. إنها رسالة خطيرة من المبكر العمل بها.
إنّ إمكانية منع انتشار السرطان بالتوصّل لعلاجات ثورية جديدة ستكون أمرًا لا يُصدَّق، لذا فنحن نسعى لاكتشاف ما سينتج من هذا البحث.
إعداد: رنيم يحيى جنيدي، عماد دهان
تدقيق: آلاء أبو شحّوت
المصدر