تكتل الشركات هو مؤسسة تتألف من مجموعة من المنشآت التجارية التي عادةً ما تكون مختلفة النشاط التجاري، في مفهوم التكتل تملك شركة ما حصصًا كبيرةً وكافيةً للتحكم في عدد من الشركات الأصغر، جميعهم يديرون أعمالهم بطريقة مستقلة ومختلفة.
ومع اختيار بعض التكتلات مثل شركات التعدين المشاركة في قطاع صناعي واحد، فإنه عادةً ما يقوم مفهوم التكتل على تنويع المخاطر التجارية من طريق المشاركة في مجموعة من الأسواق المختلفة، لكن يحذر علماء الاقتصاد من فكرة عدم استمرارية كفاءة الشركات الكبيرة المتباعدة وزيادة تكاليفها، ما يصعب مهمة المحافظة عليها، إضافةً إلى مساهمتها في تآكل قيمة حصص أصحابها.
مفهوم تكتل الشركات
التكتلات هي شركات أم كبيرة تتألف من منشآت عديدة مستقلة أصغر حجمًا مختلفة النشاط التجاري والصناعي وقد تكون متعددة الجنسيات، لذلك تختلف أنشطة كل شركة فرعية تابعة لهذا التكتل عن الأخرى، لكن عند تقديم التقارير المتعلقة بهذه الشركات الفرعية يلجأ المديرون إلى رفعها للإدارة العليا المسؤولة عن الشركة الأم.
يساعد مفهوم المشاركة في عدد من الأنشطة التجارية المختلفة هذه التكتلات على تنويع المخاطر التي قد تتعرض لها الشركات عند المشاركة في قطاع واحد، ويساعد هذا النشاط الشركة الأم على تقليل النفقات التشغيلية ومخصصات الموارد، لكن أحيانًا تصبح الشركات أقل كفاءةً عندما تصبح كبيرة جدًا، لذلك، لتتمكن من مواجهة هذه التحديات، تلجأ لتصفية بعض أنشطتها، يعرف هذا المفهوم بمصطلح «لعنة تضخم التكتلات».
توجد حاليًا العديد من التكتلات المختلفة العالمية المتخصصة التي تتراوح أنشطتها بين قطاعات الصناعات التحويلية والإعلام والأغذية، إذ يمكن التكتلات الإعلامية البدء بامتلاك العديد من الصحف ثم شراء محطات تلفزيونية وإذاعية وأخيرًا شراء شركات دور النشر، أما تكتلات شركات الأغذية قد تبدأ ببيع رقائق البطاطا بعدها قد تقرر تنويع أنشطتها بشراء شركة مشروبات غازية ثم التوسع لأكبر من ذلك وشراء شركات أغذية أخرى.
«التكتل» هو المصطلح الذي يصف عملية البدء بإنشاء تكتل شركات عندما تقرر الشركة الأم البدء بالاستحواذ على شركات فرعية وتابعة.
فوائد تكتلات الشركات
تُعد المجموعات الكبيرة من الشركات مختلفة النشاطات هبة كبيرة لمجلس إدارة تكتل الشركات، إذ تمكن إزاحة الشركات ضعيفة الأداء بواسطة قطاعات أخرى وتمكن موازنة أداء الشركات الدورية بواسطة الشركات المعاكسة للدورات الاقتصادية أو غير الدورية، إذ تُتاح الفرصة للشركة الأم لتقليل نفقاتها عند المشاركة في مجموعة أنشطة تجارية غير مترابطة، إضافةً إلى تخصيص موارد أقل قد تتشارك بها الشركات الفرعية بتنويع أسهم ومصالح الشؤون التجارية، نتيجةً لذلك ستخف آثار المخاطر المتضمنة ضمن سوق أو صناعة واحدة.
تملك الشركات التابعة لتكتل ما حق النفاذ لأسواق رأس المال الداخلية الذي بدوره يمنحهم الفرصة للنمو شركةً مستقلة، لذلك يمكن التكتل أن يخصص رأس مال معين لواحدة من الشركات التابعة حال تعذر توفيره من الأسواق الخارجية لرأس المال بالشروط المطلوبة، الفائدة الإضافية المكتسبة من مفهوم التكتل امتلاك الشركات التابعة الحصانة ضد احتمال الاستيلاء عليها من قبل الشركة الأم كلما أصبحت أكبر حجمًا.
مساوئ تكتلات الشركات
كشف علماء الاقتصاد حقيقة أن الأحجام الكبيرة للتكتلات قد تؤثر سلبًا في قيمة أسهم الشركات التابعة لها، تعرف هذه الظاهرة باسم «خصم التكتلات»، في الحقيقة يُعد مجموع قيم الشركات الفردية المكونة لتكتل ما أعلى من قيمة سهم التكتل بفارق 13-15%.
أوضحت البيانات التاريخية أن التكتلات قد تصبح متنوعة ومعقدة على نحو واسع ما يجعلها صعبة الإدارة بفعالية، إذ إن تعدد مستويات الإدارة يشكل عبئًا إضافيًا على النفقات العامة، إضافةً إلى ذلك سيقل اهتمام المديرين التنفيذيين بإدارة مصالح الشركات الفرعية كلما توسعت مصالح الشركة الأم واهتماماتها.
من الصعب أن يتبين المستثمرون والمحللون والمشرعون الصحة المالية لتكتل ما، بسبب كتابة التقارير المالية للشركات الفرعية مجتمعةً في مجموعة واحدة غير منفصلة، ما يجعل مهمة تبين أداء شركة منفصلة صعبًا، ما يجعل المستثمرين يعدلون عن فكرة الاستثمار بسبب فقدان الشفافية.
قلّصت العديد من التكتلات العديد من المنشآت التجارية التي تديرها إلى عدد قليل من الشركات التابعة، من طريق التصفية أو التجزئة مع ازدياد شهرة التكتلات فترة الستينيات حتى الثمانينيات.
أمثلة على تكتلات شركات معروفة
تُعد شركة «وارن بوفيتس بيركشاير هاذاوي» من التكتلات المعروفة جدًا، الذي تمكن من إدارة مجموعة كبيرة من الشركات بنجاح، مثل شركات تصنيع الطائرات إلى قطاع التأمين والعقارات، تُعد هذه الشركة أيضًا واحدة من التكتلات الأكثر احترامًا، حتى أنها أصبحت من أكبر الشركات في العالم وأكثرها تأثيرًا ونفوذًا، يرتكز منهج هذا التكتل على إدارة مخصصات رأس المال وإعطاء الشركات حرية التصرف فيما يخص العمليات الخاصة بكل شركة على حدة، يملك تكتل بيركشاير حصص الأغلبية في أكثر من 50 شركة، إضافةً إلى ممتلكات وأرصدة ثانوية في عشرات الشركات الأخرى، ويمتلك هذا التكتل عددًا صغيرًا من الشركات الفرعية التي يعمل بها عدد صغير نسبيًا من الموظفين.
المثال الشهير الآخر هو شركة «جنرال إلكتريك»، التي أسسها المخترع الشهير توماس أديسون بوصفها شركة إلكترونيات ومختبر اختراعات، توسعت الشركة بعد ذلك لتمتلك شركات عاملة في مجال الطاقة والعقارات والمال والإعلام والصحة، إذ تتألف الشركة من مجموعة من السلطات المتميزة التي تعمل باستقلالية لكن جميعها مترابط، إذ يضفي هذا الارتباط وصاية جنرال إلكتريك على الأبحاث والتطورات التوسعية التي تخص التقنيات التي يمكن تطبيقها على مجال واسع من المنتجات.
تكتلات الشركات في الستينيات
حدث ازدهار التكتلات الأول الرئيسي في ستينيات القرن الماضي، قُدرت قيم هذه التكتلات الأولية بطريقة مبالغ فيها في الأسواق، إذ ساعدت معدلات الفائدة المنخفضة مديري الشركات الكبرى على الحصول على معدلات استحواذ مرتفعة مبررين ذلك بسهولة الحصول على الأموال آنذاك، لذلك ضمنت التكتلات عوائد عالية للاستثمار، كلما كانت الأرباح العائدة أكبر من نسب الفائدة المدفوعة لقاء الاقتراض.
عملت البنوك وأسواق رؤوس الأموال آنذاك على إقراض الشركات لتسهيل الاستحواذات ظنًا بأنها استثمارات آمنة، أدى هذا التفاؤل بدوره إلى المحافظة على أسعار أسهم عالية وضمان الشركات الحصول على القروض، بعد ذلك بدأ ازدهار هذه التكتلات بالهبوط عند البدء بتعديل أسعار الفائدة تماشيًا مع الازدياد المطرد لمعدلات التضخم التي بلغت ذروتها سنة 1980.
بعد هذا اتضح أنه ليس بالضرورة أن يتحسن أداء الشركات المستحوذ عليها مقارنةً بمرحلة ما قبل الاستحواذ، كل هذا أدى إلى دحض الفكرة السائدة حول ازدياد كفاءة الشركات بعد الاستحواذ عليها ضمن تكتلات، وتماشيًا مع هبوط الأرباح بدأت العديد من التكتلات بتصفية العديد من الشركات واستمر البعض الآخر على شكل شركات وهمية أو صورية.
تكتلات الشركات الأجنبية
تأخذ الشركات المبنية على مبدأ التكتل أشكالًا مختلفة في باقي دول العالم، مثلًا النموذج الياباني من تكتل الشركات يُسمى «كايريتسو»، إذ تملك الشركات حصصًا صغيرةً في باقي الشركات المرتكزة على بنكها الأساسي، يعد هذا النوع من هيكليات المنشآت التجارية نوعًا دفاعيًا يحمي الشركات من الارتفاعات والانخفاضات المفاجئة لأسعار الأسهم في الأسواق إضافةً إلى الاستيلاءات القاسية عليها، تُعد شركة ميتسوبيشي مثالًا جيدًا على هذا النوع من التكتلات.
أما كوريا فتتبع المنهج النسبي فيما يتعلق بمبدأ التكتل، ويُعرف هذا المنهج باسم «تشايبول»، إذ يُعد هذا النوع من الشركات مملوكًا عائليًا وينتقل منصب المدير وراثيًا بين ملاك الشركة الأصليين، إذ يملك المدير سلطة أقوى من أصحاب الحصص أو أعضاء مجلس الإدارة، من الأمثلة الرائدة لهذا النوع من التكتلات سامسونج وهيونداي وإل جي.
اقرأ أيضًا:
ما هي الشركات متعددة الجنسيات Multinational Corporation؟
ترجمة: لميس عبد الصمد
تدقيق: حسام التهامي
مراجعة: أكرم محيي الدين