أوردت بعض التقارير الإعلامية أن جائحة كوفيد-19 كان لها تأثير سلبي في الرغبات الجنسية ، بسبب الإجهاد والقلق اللذين يقوضان هذه الرغبات، في حين أكدت تقارير أخرى زيادة هذه الرغبات زيادةً ملحوظة، إذن أين الحقيقة؟ كل هذه التقارير مُحقة بصورة ما، فنحن نعرف -بفضل العديد من الأبحاث النفسية- أن استجابة شخصين لنفس الموقف قد تختلف اختلافًا جذريًا، وأن العوامل نفسها التي تزيد رغبتك الجنسية قد تثبط رغبات شخص آخر.
توجد طرق عديدة لفهم هذه الحالة، تستند إحداها إلى نظرية السيطرة على الخوف، التي تقول إننا عندما نفكر في الموت بوصفه حقيقةً حتمية، تتغير تصرفاتنا ومواقفنا لتساعدنا على التأقلم مع هذه الفكرة.
يُذكرنا الفيروس الجديد بحتمية فنائنا كل يوم، عندما نقرأ أو نسمع أخبار الإصابات والوفيات الناجمة عنه، ومع أنه يهدد مجموعات ديموغرافية معينة أكثر من غيرها، تنقل وسائل الإعلام الأخبار عن وفيات من كل الأعمار بسبب الفيروس.
يعاني أكثرنا هذه الأيام مشاعر القلق من الموت، وإن تفاوتت شدتها من شخص إلى آخر. تؤكد أبحاث نظرية (السيطرة على الخوف) أن الناس تتأقلم مع القلق والخوف بطرق مختلفة.
لاحظ علماء النفس عندما طلبوا من الناس في الدراسات المخبرية التفكير في احتمالية موتهم، أن هذه الفكرة تثير الرغبة الجنسية لدى بعض الأشخاص، لكن تأثيرها يختلف لدى البعض الآخر، إذ زادت الرغبة الجنسية عند من يفكرون في أجسامهم تفكيرًا إيجابيًا، ومن يشعرون بارتياح تجاه الحميمية الجسدية بصورة أكبر.
أي إن العامل المؤثر في اعتمادنا على الجنس بوصفه آليةً للتأقلم وتقليل التوتر هو شعورنا تجاه أجسادنا وتجاه الجنس.
يفسر هذا استثارة البعض ونشاطهم الجنسي الزائد، ويظهر ذلك في زيادة الإقبال على المواقع الإباحية. ويفسر أيضًا عدم اهتمام البعض بالجنس، ولجوءهم إلى طرق أخرى لتخفيف القلق.
باستخدام نموذج التحكم المزدوج في الاستجابة الجنسية لتفسير الأمر، نجد أن للناس طرقًا مختلفة تمامًا في الاستثارة أو التثبيط الجنسي. يمكن تشبيه الأمر بامتلاك دواستي وقود ومكابح تتحكمان في استثارتنا الجنسية. تكون دواسة الوقود في وضع الاستعداد عند البعض، ما يُسهل استثارتهم بسرعة، أما لدى البعض الآخر فتكون دواسة المكابح في وضع الاستعداد، ما يصعب استثارتهم.
في النوع الثاني من الأشخاص، تسبب المواقف العصيبة كالتي نمر بها حاليًا ضغط مكابح الاستثارة الجنسية بقوة، فيصعب عليهم التفكير في الجنس، ما لم يعثروا على طريقة أخرى لصرف انتباههم عن الظروف المحيطة، ولاستحضار المزاج المناسب لممارسة الجنس.
أما لدى الفريق الأول، فتزيد المواقف العصيبة استثارتهم جنسيًا، إذ تزيد مشاعر الخوف والقلق الرغبة الجنسية بدلًا من كبحها، ويختلط لديهم الانفعال الشديد بالانجذاب الجنسي، فيحدث (انتقال الاستثارة) بسهولة، بأن يسبب الانفعال الشديد -أيًا كان نوعه- إشعال الرغبة الجنسية. لهذا يعد البعض (جنس المصالحة) الذي يمارسونه مع شركائهم بعد الشجار أفضل أنواع الجنس، إذ تتحول مشاعر الغضب أو الحزن إلى مشاعر جنسية متأججة.
إن كنت ممن يُثارون بسهولة، فأنت على الأرجح أكثر عُرضةً لهذا التأثير، إذ يدفعك التوتر النفسي إلى الضغط على دواسة وقود الاستثارة الجنسية، لا دواسة المكابح.
بصرف النظر عن الطريقة التي نتبعها لتحليل الوضع، من المهم أن نتذكر أن اختلاف استجاباتنا الجنسية لا يعني تفوق إحداها على الأخرى، وسواء زادت رغبتك الجنسية أو نقصت أو ظلت دون تغيير، فلنتذكر أن كلًا منا يتأقلم مع الظروف المختلفة بطريقته الخاصة.
اقرأ أيضًا:
هل تشعر بالسوء بعد ممارسة الجنس؟ دراسة جديدة عن انزعاج ما بعد الجماع
الرغبة الجنسية العالية: الأسباب والعلاج
ترجمة: حسام نواف شبلي
تدقيق: وئام سليمان
مراجعة: أكرم محيي الدين