يُعَد انفجار أشعة غاما من أقوى وألمع الانفجارات الكونية، ويُعتقد أنها تتولد في أثناء تكوّن الثقوب السوداء، وعلى الرغم من كونها لا تستغرق سوى ثوانٍ بسيطة، فإن أشعة غاما تنتج كمية طاقة مماثلة لتلك التي تنتجها الشمس بداخلها خلال فترة حياتها التي قد تبلغ عشرة مليارات سنة.
شُوهدت تلك الظاهرة الغامضة أول مرة عام 1967 بواسطة القمر الصناعي «فيلا Vela» التابع للقوات الجوية الأمريكية. وفقًا لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا، صُمِّم ذلك القمر الصناعي لمراقبة التجارب النووية السوفيتية السرية المُجراة في الفضاء، ولكن انتهى الأمر بالتقاط أشعة غاما المذهلة –أقوى أنواع الأشعة الكهرومغناطيسية على الإطلاق- القادمة من خارج النظام الشمسي. بهذا الحدث، أصبحت في غضون لحظات ألمع أشعة غاما مرصودة في الكون.
وفي عام 1991 أطلق علماء فلك مرصدَ كومبتون لكشف أشعة غاما في تجربة سُمِّيت بتجربة الانفجار والمصدر العابر Burst and Transient Source) Experiment: BATSE )، وقد رصد ما يقارب انفجارًا واحدًا يوميًّا. وفقًا لجامعة سوينبرن للتكنولوجيا في أستراليا، التقطتBATSE انفجارات أشعة غاما في كل مكان في السماء تقريبًا، ما يعني أن تلك الظاهرة تحدث في كل الأماكن في الكون.
أظهرت تجربة BATSE كذلك أنَّ هناك نوعين من انفجارات أشعة غاما ذات الصفات المميزة، فمنها ما يستمر من ثانيتين إلى 30 ثانية، وأُخرى تظهر على شكل ومضات لا تبقى أكثر من ثانيتين.
تعلَّم الباحثون منذ ذلك الحين الكثير حول انفجارات أشعة غاما، وذلك بتطوير شبكة من الأقمار الصناعية سريعة الاستجابة، ومراصد أرضية تعمل على رصد أشعة انفجارات غاما فورَ تحديدها. أوضحت البيانات الصادرة عن تلك الشبكات أن أشعة غاما تحدث في مجرات على بُعد ملايين السنين الضوئية، وأوضحت كذلك أن الانفجارات الأولية تكون متبوعة بـ«وهيج»، ينبعث من مصدر هذه الانفجارات بأطوال موجات أكبر (ترددات أقل).
من أين يأتي انفجار أشعة غاما ؟
وفقًا لوكالة ناسا, دائمًا ما كان يُعثر على انفجارات أشعة غاما طويلة الأمد مرتبطة بمستعرات فوق العظيمة التي تسمى الهايبرنوفا، وتنشأ تلك المستعرات عند نهاية عمر نجم من النجوم فوق العملاقة التي تبلغ كتلتها ما بين 5 إلى 10 أضعاف كتلة الشمس، وتنهار بسبب جاذبيتها مسببةً ثقبًا أسود.
ومن الجدير بالذكر أن الهايبرنوفا ألمع بنسبة تصل إلى 100 مرة من السوبرنوفا، بل ويُعتقد أنها تتولد من نجوم ذات سرعات خاصّة أو حتى تلك التي تمتلك مجالات مغناطيسية قوية، ما يضفي طاقة عالية لانفجارها.
أما انفجارات أشعة غاما قصيرة الأمد التي تمثل تقريبًا 30% من الانفجارات الحاصلة، فبقيت غامضة حتى عام2005 ، وذلك بسبب سرعتها العالية التي لا نتمكن من ملاحظتها. بعد إطلاق مرصد نيل غيريز سويفت التابع لناسا عام 2004، تمكن المرصد من تسجيل بيانات كافية تمكننا من رؤية توهج انفجارات أشعة غاما قصيرة الأمد، ومعرفة احتمال أن تكون ناتجة عن اصطدام نجمَين بكثافة عالية (نجوم ميتة)، أو ما يُعرف بالنجوم النيوترونية، الأمر الذي يؤدي لحدوث ثقب أسود نتيجة هذا الاصطدام، أو احتمالية أن تكون ناتجة من التقاط ثقب أسود لأحد النجوم النيوترونية.
تُعد تلك الانفجارات قوية للغاية، لدرجة أنها تتسبب في حدوث تموجات نسيج الزمكان، أو ما يُعرف بأمواج الجاذبية. والآن بعد أن أطلق الباحثون مرصد الموجات الثقالية بالتداخل الليزريLaser Interferometer Gravitational-Wave Observatory: LIGO) )، الذي باستطاعته استكشاف تلك الأمواج من خلال التصادمات، فمن المتوقع أن يكون قادرًا على جمع المزيد من المعلومات عن العمليات الأساسية القابعة وراء عمر انفجارات غاما قصيرة الأمد.
ما يزال الغموض يكتنف تلك الانفجارات:
ما تزال انفجارات أشعة غاما تحمل الكثير من الغموض. أظهرت الملاحظات الرصدية حديثًا أن الفوتونات المنبعثة من انفجارات أشعة غاما، تتذبذب في الاتجاه ذاته، ولكن لبعض الأسباب تتغير تلك الاتجاهات مع مرور الوقت. قالت ميرلين كولMerlin Kole العالمة بجامعة جينيف في سويسرا وهي أحد القادة القائمين على البحث، في بيان لها: «ما السبب الكامن وراء ذلك؟ نحن حقًّا لا نعرف».
يبدو أنَّ أشعة غاما تركز طاقتها في نطاقات ضيّقة من الإشعاع، بدلًا من انتشارها بالتساوي في جميع الجهات، ما يعني أن أقمارنا الصناعية لن تتمكن من حصر العديد من الانفجارات. على الرغم من أن الأقمار الصناعية تلتقط ما يقارب انفجارًا واحدًا يوميًّا، يقدّر علماء الفلك أنَّ هناك ما يقارب 500 انفجار يحدث خلال نفس الفترة.
حتى الآن لم نتمكن من اكتشاف انفجارات أشعة غاما إلا في المجرات البعيدة، ومع ذلك فمن الممكن أن يحدث أحدها في مجرتنا درب التبانة. حدث انقراض العصر الأوردوفيشي Ordovician -وهو ثاني العصور الستة من حقبة الحياة القديمة- منذ نحو 450 مليون سنة، وربما كان السبب وراءه هو عصر جليدي خلَّفه انفجار أشعة غاما.
حدوث أحد تلك الانفجارات بالقرب من الأرض هو السبب في تدمير طبقة الأوزون التي تحمي كوكبنا، ومن ثَمَّ تعرُّض كل أشكال الحياة على الكوكب للأشعة فوق البنفسجية القاتلة. لذلك، فعلى الرغم من أن العلماء يعتبرون مشاهدة انفجار أشعة غاما عن قرب فرصة ثمينة لا تعوض، فإنهم سيبقون بخير إذا لم يروا أحدها داخل مجرتنا!
اقرأ أيضًا:
الوميض الناتج عن انفجارات أشعة غاما يبدو كأنه يعود في الزمن الى الخلف!
يوشك ليزر أشعة غاما أن يصبح حقيقة
ترجمة: آية قاسم
تدقيق: تيما عزام
مراجعة: صالح عثمان