مع توفر جميع وسائل التوعية الصحية في المجتمع حاليًا، يبدو أن تناول الطعام للحفاظ على صحة مثالية لا يعتمد فقط على ما تتناوله، بل يعتمد على متى تتناوله أيضًا. هذا ما يجعلك تتساءل عن الوقت الأمثل لتناول الطعام، خاصةً إذا كنت تحاول إنقاص وزنك أو كانت لديك مشكلة صحية ما. إذن هل يوجد حقًا وقت مثالي لتناول وجبتك الرئيسية؟
تشير الدراسات إلى أن أكثر البالغين لديهم عادات غذائية غير منتظمة. في إحدى الدراسات تناول نصف المشاركين البالغ عددهم 156 شخصًا الطعام بفوارق زمنية قد تصل إلى 15 ساعة أو أكثر وسطيًا. يتوقف البعض عن تناول الطعام عند الرابعة مساءً، في حين يعتمد آخرون وجبات خفيفة في وقت متأخر من الليل. لذا فإن الإجابة عن هذا السؤال تعتمد على أهدافك الصحية وحالتك الطبية.
إنقاص الوزن
يُعد خفض السعرات الحرارية المتناولة يوميًا أحد أشيع طرق إنقاص الوزن. وبذلك قد يكون اختيار توقيت الوجبات عاملًا مهمًا في تحقيق هدفك. تُشير بعض الدراسات إلى أهمية تناول وجبتك الأخيرة قبل أن يبدأ جسمك بإفراز الميلاتونين والتحضير للنوم. يبدأ دماغك بإفراز الميلاتونين استجابةً لانخفاض الضوء ليلًا، ما يُسمى النظم اليومي أو الساعة البيولوجية، ولهذا علاقة وثيقة بمعدل الاستقلاب.
وجدت دراسة أن تناول الطعام في وقت متأخر بعد بدء الدماغ التحضير للنوم يزيد من شحوم الجسم، بصرف النظر عن العوامل الأخرى مثل كمية الطعام و النشاط الجسدي. يتوافق ذلك مع نتائج دراسات أخرى. إذن يسبب تناول الطعام في وقت متأخر اضطراب الساعة البيولوجية، ما يزيد خطر زيادة الوزن والاضطرابات الصحية المرتبطة به. يُلاحظ هذا الأثر عند العاملين في المناوبات الليلية، لأنهم يضطرون لتناول الطعام في أوقات غير اعتيادية.
وجدت دراسة أن تناول الطعام في وقت متأخر مرتبط بزيادة السعرات الحرارية المتناولة. أُجريَت دراسة عام 2013 على مجموعة من النساء اللائي يعانين السمنة أو زيادة الوزن، وبدأن نظامًا غذائيًا لإنقاص الوزن مدة ثلاثة أشهر. وجدت الدراسة أن وزن النساء اللائي تناولن الكمية الأكبر من السعرات الحرارية اليومية خلال وجبة الفطور قد انخفض بمعدل 2.5 ضعف أقرانهن اللائي تناولنها خلال الوجبة الرئيسية، مع ملاحظة أنهن جميعًا تناولن الكمية ذاتها من السعرات الحرارية خلال اليوم. لكن اختيار وجبات صحية خفيفة عند شعورك بالجوع مساءً يساعد على إنقاص الوزن.
لذا، إذا كان هدفك إنقاص وزنك، فإن الوقت الأمثل لتناول وجبتك الرئيسية هو قبل غروب الشمس، لتجنب التأثير السلبي في ساعتك البيولوجية. مع ملاحظة أن تناول وجبات خفيفة صحية ليلًا لا يؤثر سلبًا في تحقيق هدفك.
الارتجاع الحمضي
يسبب داء القلس المعدي المريئي ارتجاع حمض المعدة إلى المريء، ما يسبب إحساسًا بالحرقة. يُعد ضعف العضلة العاصرة المريئية أشيع أسباب هذه الحالة، وقد تتفاقم بسبب الإجهاد وبعض الأطعمة، ومكونات الوجبة وتوقيتها، والعديد من العوامل الأخرى التي تختلف بين شخص وآخر.
أظهرت دراسة أن المصابين بداء القلس المعدي المريئي يجب أن يتناولوا وجبتهم الأخيرة قبل 3 ساعات من الاستلقاء للنوم، ليحصل الجسم على الوقت الكافي لهضم الوجبة الأخيرة، ومن ثم تلافي ارتجاع الحمض ليلًا.
مثلًا، لنفترض أن شخصًا مصابًا بداء القلس المعدي المريئي يذهب للنوم عادةً عند العاشرة مساءً، هذا يعني أن عليه تناول وجبته الأخيرة في السابعة.
مهما كانت أهدافك الصحية، فثمة أمور يجب أن تهتم بها بصرف النظر عن توقيت الوجبة. عمومًا، يعتمد التحكم في الوزن أساسًا على عدد السعرات الحرارية المستهلكة يوميًا، إذ يؤدي تناول المزيد من السعرات إلى زيادة غير مرغوبة في الوزن.
تظهر العديد من الدراسات أن تناول الطعام في وقت متأخر يزيد من احتمالية اختيار أطعمة غير صحية. إذ إن أكثر الوجبات الخفيفة الليلية هي أطعمة مُعالَجة وتحتوي الكثير من السكر والدهون، ما يجعلها غنيةً بالسعرات الحرارية، فقيرةً بالقيمة الغذائية.
إضافةً إلى أن هذه الوجبات تؤكل غالبًا في أثناء مشاهدة التلفاز أو استخدام الحاسوب، ما يُسمى التناول غير الواعي للطعام، فتجد نفسك قد تناولت كميةً من السعرات الحرارية تزيد على حاجتك، لأن دماغك مشتت بشيء آخر. يؤدي الإفراط في تناول هذه الوجبات إلى زيادة غير مرغوبة بالوزن ومشكلات صحية أخرى مثل اضطراب النوم وعسر الهضم.
لذا عليك تمرين جسدك على وضع وقت محدد لوجبتك الأخيرة، مع تأمين حاجتك من السعرات الحرارية والعناصر الغذائية.
اختر الوقت المناسب لتناول وجبتك الرئيسية
يُفضل ألا تعتاد تناول وجبتك الرئيسية قبل النوم مباشرةً. يُعد التمرن على الأكل الواعي خطة مفيدة لتحديد الوقت الأمثل لتناول وجبتك الرئيسية ووجباتك عمومًا. هذا يتضمن:
- معرفة متى تشعر بالجوع بالفعل.
- تناول كمية مناسبة من الطعام.
- التوقف عن الأكل عندما يبدأ الشعور بالشبع.
ضع هذه النصائح في الحسبان عند تحديد مواعيد وجباتك.
تشير الدراسات إلى أن فوائد حصول جسمك ودماغك على الغذاء، وإن كان في وقت متأخر من الليل، تفوق الآثار السلبية لتجاوز الوجبة الرئيسية. ضع في حسبانك أن اختيار أطعمة غنية بالقيمة الغذائية يبقى أمرًا بالغ الأهمية للحصول على صحة مثالية، مع أخذ توقيت الوجبة والعوامل الأخرى في الحسبان.
الخلاصة
يتوافق اختيار التوقيت الأمثل لتناول وجبتك الرئيسية مع نظمك اليومي، ويسمح لجسدك بهضم الطعام قبل النوم. يُفضل تناول الطعام قبل النوم بساعتين إلى ثلاث ساعات، هذا قد يكون مفيدًا للراغبين في خفض الوزن أو عدم الإفراط في تناول الطعام أو تجنب ارتجاع الحمض ليلًا.
إن لم تستطع الالتزام بتوقيت محدد لوجبتك الرئيسية، فإن ممارسة الأكل الواعي وتناول وجبة غنية بالمغذيات -وإن كانت في وقت متأخر- يبقى خيارًا أفضل من تجاوز هذه الوجبة.
اقرأ أيضًا:
هوس الطعام الصحي: عندما تتحول الحاجة اليومية إلى هوس
توقيت تناول الطعام يساعد على تقليل الشهية وحرق الدهون
ترجمة: محمد أديب قناديل
تدقيق: نايا بطّاح
مراجعة: أكرم محيي الدين