هل تذكر آخر مرة تبادر فيها إلى ذهنك تصنيف نمطي ؟ يعتقد الباحثون أن أغلبية الناس يختبرون ذلك أكثر الوقت. لكن هذا لا يعني كونك عنصريًا أو متحيزًا جنسيًا أو غير ذلك، بل يعني أن عقلك يعمل مثلما ينبغي فحسب، فيميّز الأنماط ويطلق التعميمات. ومع هذا فإن نفس العمليات العقلية التي قد تجعل شخصًا ما ذكيًا قد تجعله أيضًا متحيزًا.
هذا الجنوح في الأفكار المعززة للصور النمطية التي تمر عفويًّا في أذهاننا هو ما يدعوه علماء النفس بالانحياز الضمني. وهذا ما يجعل البعض يطلقون تعميمات غير مسوَّغة قد تقود إلى التفرقة، في حين يظنون أنهم يتصرفون بعدل.
أثارت الدراسات حول الانحياز الضمني غضب اليمينيين واليساريين. من وجهة نظر اليمينيين، فإن الحديث عن الانحياز الضمني يُعَد مثالًا على أن التقدميين يبحثون عن الظلم في كل ركن. أما من وجهة نظر اليساريين، فإن الانحياز الضمني يبعد الانتباه عن نماذج التعصب الصريح الأكثر ضررًا.
احتدم الجدال، وانتقل من المجلات العلمية إلى الصحافة العامة، وضاعت بذلك بعض الآراء الهامة. سنذكر فيما يلي مثالين لسوء الفهم الشائع حول مسألة الانحياز الضمني.
أولًا، نجد أن الكثير من الجدل يدور حول اختبار الانحياز الضمني الأكثر شيوعًا، وهو اختبار الانحياز الضمني (IAT). نتائج أغلبية من أجروا هذا الاختبار تُعَد دليلًا فعليًا على وجود الانحياز الضمني لدى معظم الأفراد، حتى لو أنكر الأشخاص كونهم غير عادلين. ومثل أي أداة قياس، فالاختبار محدود من بعض الجوانب وضعيف الاستقرار، ما يعني اختلاف نتائج الاختبار بفروق شاسعة إذا أُعيد بعد عدة أسابيع. والترابط بين نتائج اختبار الانحياز الضمني والسلوك الانحيازي ضئيل غالبًا.
إن اختبار الانحياز الضمني ليس إلا أداة قياس، وكون هذه الأداة معيبة لا يعني بالضرورة أن الظاهرة التي نحاول قياسها غير حقيقية. الانسياق وراء هذه النتيجة هو ما يُسمى مغالطة التنقيب عن المياه (Divining rod fallacy)، فإن فشل العصا في إيجاد الماء لا ينفي وجود الماء. سيكون من الذكاء أن نسأل أنفسنا: «ما الذي تشير إليه الأدلة الأخرى؟».
توجد في الواقع الكثير من الأدلة الأخرى. الأوهام الإدراكية مثلًا، إذ يجد الأشخاص ذوو البشرة البيضاء الوجوه السوداء أكثر غضبًا من الوجوه البيضاء التي تحمل تعابير مماثلة. قد يسبب اختلاف العرق انحياز الأفراد ودفعهم إلى الظن أن الأدوات غير المؤذية التي بحوزة الرجال السود هي أسلحة، والنفور من الصور المجردة المقترنة بوجوه سوداء. وتجد الكثير من الأبحاث المتنوعة أن معظم المشتركين قرنوا الشتائم بالوجوه السوداء أكثر من الوجوه البيضاء. جميع هذه المقاييس محدودة، لكنها تظهر نموذج الانحياز الفعلي مثلما يظهره اختبار الانحياز الضمني. تثبت الكثير من الأدلة -المستقلة عن أي بحث فردي- أن الانحياز الضمني حقيقة.
سوء الفهم الثاني هو حول ما يعنيه العلماء بقولهم إن المقياس يتنبأ بالسلوك. من المآخذ التي تُذكَر عادةً أن نتيجة الفرد في اختبار الانحياز الضمني لا تخبرنا بالضرورة عن تصرفه بانحياز في موقف ما. هنا تكمن مغالطة قراءة الكف (Palm reading fallacy)، فالباحثون في مجال علم النفس -على خلاف المنجمين- لا يخبرونك كيف ستكون حياتك في المستقبل. إن معظم اختبارات علم النفس، مثل اختبار القدرات ومقاييس الشخصية، تستطيع توقع سلوك الجماعات وسطيًا، لكن ليس سلوك الأفراد.
الفرق كبير. لا نستطيع معرفة كيفية أداء موظف ما في اللحظة الراهنة ومدى دقة عمله بناءً على نتائجه المرتفعة في اختبار الضمير اليقظ. لكن إذا عينت شركة كبيرة مئات من الموظفين ذوي الضمير اليقظ، فسينجم عن ذلك ارتفاع طفيف -لكنه مستمر- في مستوى العمل ودقته وسطيًا.
حذرنا الباحثون المعنيون بالانحياز الضمني دومًا من استخدام الاختبار لتوقع النتائج الفردية، مثل استخدامها لتوقع سلوك مدير ما في لقاءات العمل. ما يفعله اختبار الانحياز جيدًا هو حساب متوسط المخرجات لعينات أكبر، مثل المقاطعات والمدن والولايات. نجد مثلًا أن المناطق ذات المعدل الأعلى في الانحياز الضمني تطلق فيها الشرطة النار على أساس عرقي بمعدل أكبر، أو تتصرف بتفرقة عرقية في القضايا الصحية المتعلقة بالرضع. هذه الروابط مهمة، إذ تعتمد حياة المواطنين السود وحياة حديثي الولادة من السود عليها.
تبين لنا التجارب باستمرار ظاهرة التفرقة في العالم الحقيقي وانتشارها أيضًا. يتلقى المتقدمون البيض للوظائف مكالمات لقبلوهم بنسبة 50% أكثر من المتقدمين السود بنفس المؤهلات والسير الذاتية، ومن المحتمل أن يستجيب أساتذة الكلية أكثر بنسبة 26% لبريد إلكتروني موقّع باسم براد عوضًا عن لامار، ويصف الأطباء مسكنات ألم أقل للمرضى السود رغم أن إصاباتهم تماثل المرضى البيض.
ليس من المحتمل اليوم أن يصرح المديرون علنًا أن المتقدمين البيض للوظائف يجب أن يُمنحوا الأفضلية على المتقدمين السود، ولا أن يعلن الأطباء أن السود لا يشعرون بالألم مثل البيض. ومع هذا فإن أنماط التفرقة والتباين واسعة الانتشار ما تزال مستمرة في حقول الدراسة. وتعد أصدق في تمثيل الأفكار النمطية الشائعة الظاهرة في الاختبارات الضمنية مقارنةً بالاستطلاعات التي يصف فيها معظم الأفراد أنفسهم بأنهم غير متحيزين.
قد يبدو السبب الذي يجعل اليمينيين واليساريين متشككين بشأن الانحياز الضمني بسيطًا جدًّا، فليس من اللطيف الاعتقاد بأننا لسنا لطيفين! سيكون من المريح الاعتقاد بأن جميع نوايانا صادقة حين نمتنع عن تغذية النوايا غير الصادقة. لكن للأسف لا يمكننا استنتاج ذلك، إذ إن الكثير منّا متحيزون أكثر مما نعتقد. وهذا سبب مباشر في الظلم سواء كنا نعلم ذلك أم لا.
اقرأ أيضًا:
كيف تؤذي الرسائل العنصرية الصحة الجسدية والنفسية
التجارب العنصرية المتكررة تعد الأكثر ضررا على الصحة العقلية
ترجمة: ربا كيال
تدقيق: عون حدّاد
مراجعة: أكرم محيي الدين