أثبت أستاذ الاقتصاد الشهير هندريك بسيمبيندر أن عوائد سوق الأسهم هي نتاج عدد قليل من الأسهم التي تبلي بلاءً حسنًا جدًا، ومجموعة كبيرة من الأسهم التي لا تحقق مردودًا جيدًا على الإطلاق.
إذ نشر حديثًا ورقةً بحثية ناقش فيها الأسهم التي تدر عوائد مركبة على المدى الطويل. إذ إن العامل المحدد في الشركات التي وردت في اللائحة لم يكن فقط ارتفاع عوائدها السنوية، بل أيضًا أقدميتها.
أفضل الأسهم من حيث العوائد في القائمة كان من نصيب «ألتريا» أو مثلما كانت تُسمى سابقًا «فيليب موريس»، إذ حققت عائدًا بقيمة 265 مليون دولار على السنت الواحد منذ سنة 1925. هذا منطقي: مادة كيميائية تسبب الإدمان بشدة مع علامة تجارية ممتازة هي صيغة مُثلى لتحقيق أرباح عالية مستدامة.
أما عن نجاح الشركة الثانية على القائمة فيصعب فهمه، إذ حققت «فولكان ماتيريالز» عائدًا بقيمة 39 مليون دولار على السنت الواحد على مدى القرن الماضي، أو نحو 14% على مدى 98 سنة.
لقد حققت هذا الرقم المذهل بكل بساطة من طريق العمل في مجال تحويل الصخور الكبيرة إلى صخور أصغر. هذه الشركة تعمل في قطع الركام والصخور المسحوقة والحصى والرمال، ثم بيعها لمواقع البناء. إضافةً إلى أن لديها خط إنتاج جانبي في الأسمنت والأسفلت.
طالما كان سهم «فولكان» التي كانت تُعرف باسم «بيرمينغهام سلاغ» قبل سنة 1956، سهمًا رائعًا منذ زمن لكنه يبقى كذلك في الآونة الأخيرة. إذ تفوق أداؤه على مؤشر «إس أند بي 500» على مدى السنوات 30 الماضية.
للوهلة الأولى، يبدو أن شركة تحول الصخور الكبيرة إلى صخور صغيرة، تفتقد كل المقومات التي تدر عائدات كبيرة، ذلك من وجهة نظر مستثمر غير محمي. فهي تتطلب امتلاك الكثير من الأصول، مثل المقاطع والمعدات الثقيلة، إذ إن مليون طن من الصخور أقل كلفةً من طن واحد من ناحية الحفر والسحق والتشذيب، لكنه يبقى مكلفًا في نهاية الأمر.
لا توجد ملكية فكرية تذكر، ولا تأثيرات شبكية. إضافةً إلى أن المنتج بضاعة ليست بالنادرة. إجمالًا، هذا السهم هو على النقيض تمامًا من أسهم التقانة التي تُعد تصورًا للنموذج العصري عن كيفية مضاعفة الثروة.
لكن قطاع الركام له خاصيتان متشابكتان تؤديان إلى استدامة الأرباح: حواجز عالية للدخول، وديناميكيات تنافسية محلية أكثر منها عالمية.
يشير الباحث «مايك دوداس» إلى أن الأحجار وفيرة لكن المقاطع ليست كذلك: «في الولايات المتحدة، من الصعب الحصول على الأرض واجتياز التقييمات البيئية اللازمة لبناء مقطع والحصول على التصريح. كل هذا لتبدأ الشركة بتسليم البضائع لعملائها بعد ثلاث سنوات. لذلك، فإن امتلاك رأس مال جيد في مقاطع ذات احتياط طويل المدى، أي مدة تتجاوز 40 سنةً من بنائها في مناطق تستفيد من طبقات ديموغرافية قوية، كل هذا يتطلب قدرةً هائلة».
إن مقطعًا موجودًا في موقع جيد سيواجه منافسةً محدودة، بكل بساطة لأن الصخور ثقيلة ومن ثم فإن نقلها إلى أماكن بعيدة لا يستحق عناء تكلفته. لذلك يحدد السعر حسب الطلب المحلي والشروط التنافسية.
لنقارن هذا مثلًا بالنفط، إذ إن البضاعة قيمة بما يكفي ليكون نقلها لمسافات طويلة مجديًا، ما يجعل أغلب المنتجين يبيعون بسعر عالمي.
يقول الباحث «ديفيد ماكريجور» من مركز «لونغبو» للدراسات: «يختلف نقل منتج صخري محدود بمجال يتراوح بين 50 و70 ميلًا –الديناميكية التنافسية موجودة ضمن ذلك المجال– عن نقل منتج مثل الفولاذ المشكل على البارد، إذ إن السعر محدد على صعيد وطني».
اتضحت السمات الهيكلية الإيجابية للشركة في الربع الثاني. انخفضت شحنات الركام بنسبة 5%، فقد أدت الأمطار الربيعية إلى إبطاء مشاريع البناء. لكن زيادة الأسعار بمبالغ مكونة من رقمين أدت إلى ارتفاع الإيرادات بنسبة 2% وارتفاع الهوامش الإجمالية بنسبة 6%.
إن «التسليع» مصطلح سيئ بالنسبة إلى غالبية المستثمرين، لكن نشاط شركات السلع والشركات الصناعية الثقيلة عمومًا، ليس محدودًا بعوائد تقارب كلفة رأس المال. لذا من المهم أن نتذكر ذلك في الوقت الذي أدى فيه هوس المستثمرين بالتكنولوجيا إلى تحويل سوق الأسهم إلى رهان شامل على هذا القطاع.
النفط والدولار:
كان صعود الولايات المتحدة بوصفها أكبر مزود للنفط والغاز في السوق العالمية أمرًا جيدًا عمومًا. فعندما تكون الدولة المزودة بمنتج ذي سعر متأرجح مستقرةً، فهذا من شأنه أن يجعل سوق السلعة الأهم على الإطلاق أكثر قابليةً للتوقع. لكن الموقع الريادي للولايات المتحدة في الإنتاج غيّر العلاقة بين أسعار النفط والدولار، ما قد يكون له انعكاسات غير مرغوبة على الاقتصاد العالمي.
حتى السنوات القليلة الماضية، ظلت العلاقة التلازمية بين أسعار النفط والدولار سلبية غالبًا. ذلك منطقي، إذ إن المعيار العالمي برنت يعتمد على الدولار. مع ارتفاع تكلفة النفط، يتطلب شراؤه مزيدًا من الدولارات، أي أن الدولار يصبح أضعف. في الوقت ذاته، يميل الدولار إلى الانخفاض عندما يتسع العجز التجاري.
عندما تستورد الولايات المتحدة المزيد، تتدفق الأموال بالدولار إلى خارج البلاد في مقابل عملات أخرى، ويضعف الدولار. ينطبق ذلك على حالة النفط عندما كانت الولايات المتحدة مستوردًا رئيسيًا للطاقة.
أما الآن وقد أصبحت الولايات المتحدة مصدّرًا للنفط الصافي، انقلبت العلاقة بين النفط والدولار. ففي السنوات القليلة الماضية، أصبح التلازم بين مؤشر الدولار وعقود برنت المستقبلية إيجابيًا.
هذا التحول فيه جزء هيكلي وجزء ميكانيكي وجزء ناتج من الصدفة. هيكليًا، يصبح الطلب الصافي على الدولار إيجابيًا عندما يزيد شراء النفط والغاز الأمريكيين في الأسواق الاقتصادية. ميكانيكيًا، غيّر انتشار النفط الأمريكي في الأسواق طريقة حساب عقود برنت المستقبلية.
يقول «إد مورس» المدير السابق لقسم استراتيجيات السلع في بنك «سيتي» والمستشار الحالي في شركة «هارتري» للطاقة والسلع: «في مرحلة ما خلال العامين الماضيين، لم يعد هناك ما يكفي من خام بحر الشمال لتسوية عقود برنت. لذلك أصبح النفط الأمريكي المقوم عادةً بعقود «ميدلاند» للنفط يستعمل للتسويات في «نورث سي». فأصبح النفط الأمريكي الخام مركزيًا بشكل أكبر من النفط السعودي الخام والنفط الروسي الخام، وصار معياريًا مثل برنت. ما زال برنت معياريًا، لكنه يعادل النفط الأمريكي الخام».
كانت دورة الرفع في نسب الفائدة ضرورية حديثًا، في جزء منها بسبب تضخم أسعار الطاقة الذي سبّبه انخفاض سهم «أوبك» للإنتاج، والعقوبات على النفط الروسي. لكن المعروض من النفط الأمريكي تجاوز التوقعات واستجاب للطلب العالمي.
في الوقت ذاته، أبلى الاقتصاد الأمريكي بلاءً أفضل من نظرائه، ما دفع الاحتياطي الفيدرالي لرفع نسب الفائدة أكثر من البنوك المركزية الأخرى، وأدى إلى زيادة الطلب على الدولار.
مع أن تفعيل الاحتياطي الفيدرالي لدورة تخفيض الفائدة، الذي تزامن مع نهاية الحرب في أوكرانيا، قد يقلل من حدة هذا التوجه. إذ يفترض أن تظل العوامل الهيكلية والميكانيكية على حالها.
يقول «هانتر كورنفيلد» من مجموعة رابيدان للطاقة: «ستواصل الولايات المتحدة دورها بوصفها مصدرًا صافيًا للطاقة، سواء الغاز أو النفط. ما زلنا نتوقع زيادة إنتاج النفط الخام، إذ ستبقى الولايات المتحدة مزودًا رئيسيًا لأوروبا، وستواصل دورها بوصفها جزءًا أكبر من حسابات برنت».
هذا الوضع له تبعات على الاقتصاد العالمي. في الماضي عندما كان ارتفاع أسعار النفط مصحوبًا بضعف الدولار، كانت الدول المستوردة للنفط تدفع المزيد –بالدولار- مقابل النفط، لكن الواردات الأخرى المقومة بالدولار أصبحت أرخص.
أما الآن، تواجه دول مثل اليابان ضربةً مزدوجة، إذ إن ارتفاع أسعار النفط وارتفاع قيمة الدولار يؤديان إلى انخفاض النمو وارتفاع التضخم. أما الدول ذات الديون المقومة بالدولار -كينيا مثلًا- فإن هذا يشكل ضربةً ثلاثية لها. لذا فإن الهيمنة الأمريكية على قطاع الطاقة ليست نعمةً خالصة لكل دول العالم.
اقرأ أيضًا:
مؤشرات الأسهم تحقق أرباحًا قياسية، فماذا نفهم من ذلك؟
اضطرابات سوق الأسهم وانخفاض مؤشرات وول ستريت
ترجمة: زياد نصر
تدقيق: منال توفيق الضللي