تشكل مقاومة الصادات الحيوية أحد أكبر التحديات التي تواجه الصحة العالمية. يؤدي تطوير البكتيريا طفرات واستراتيجيات دفاع جديدة ضد أقوى الصادات الحيوية وأكثرها فعالية إلى إضعافها بمرور الوقت. يكمن السؤال الأساسي في مدى سرعة تطور مقاومة البكتيريا للصادات الحيوية.

قال مارك بلاسكوفيتش، عالم كيميائي طبي والمؤسس المشارك لمركز متخصص في جامعة كوينزلاند: «قد يستغرق تطور البكتيريا فترة تتراوح بين بضع لحظات إلى عدة أيام، يعود اختلاف الفترة السابقة أساسًا إلى نوع البكتيريا وعدد من العوامل الأخرى. قد تحدث مرحلة الضغط الانتقائي، وهي المرحلة التي تؤدي إلى حدوث طفرات جديدة ومن ثم تأمين مقاومة للبكتيريا ضد الصادات الحيوية، خلال الجيل نفسه أو في أثناء مرحلة التضاعف والانقسام».

تستطيع بعض أنواع البكتيريا، مثل جرثومة الإشريكية القولونية، أن تتضاعف وتنقسم مرة كل 20 دقيقة. تنقل تلك الجراثيم نتيجة انقسامها السريع والمستمر عددًا أكبر من الطفرات الجينية إلى الأجيال التالية لها مع كل انقسام أو تضاعف، مقارنةً بغيرها من الكائنات الحية والمتعضيات الأعقد، مثل البشر الذين تنقسم خلاياهم مرة كل 24 ساعة أو أكثر. يدل ذلك على قدرة البكتيريا على نقل الطفرة التي صنعتها لتتفادى أذية الصادات الحيوية لها إلى ذريتها أو غيرها من البكتيريا خلال وقت قصير.

تعتمد احتمالية تطوير البكتيريا لمقاومة ضد الصادات الحيوية أيضًا على نوع البكتيريا والصاد بحد ذاته. تعتمد عدة أنواع من الصادات الحيوية في آلية عملها على دخول الخلية. تملك الجراثيم سلبية الغرام مقاومة أكبر لهذا النوع من الصادات الحيوية مقارنةً بالجراثيم إيجابية الغرام، ذلك لامتلاك الأولى غلاف خلوي خارجي إضافي للحماية.

ملأ باحثون من مؤسسة تيكنيون وكلية هارفرد للطب البشري عام 2016 طبق بتري ضخم بجراثيم الإشريكية القولونية وبالصاد الحيوي تريميثوبريم، الذي ثبتت فعاليته في القضاء على البكتيريا المسببة لالتهاب المسالك البولية. قسم الباحثون طبق بتري الكبير إلى تسعة أقسام، تراوحت تراكيز الصاد الحيوي السابق في كل قسم بين صفر و1,000 ضعف التراكيز القاتلة المعتادة لجراثيم الإشريكية القولونية.

اكتشف الباحثون أن مجموعات البكتيريا بالكامل اكتسبت طفرات جعلتها مقاومة لأعلى تركيز للصاد الحيوي في التجربة، خلال 11 يومًا فقط.

اقتصرت تلك الطفرات على مستوى مجموعة البكتيريا في التجربة فقط. أضاف: «يغفل المرء في دراسة كهذه التدقيق في الفروقات الدقيقة التي تفسر التغيرات التي تمر بها كل خلية على حدة ضمن الجماعات البكتيرية».

أشار بلاسكوفيتش أيضًا إلى أن فشل الصادات الحيوية في التجارب يعود إلى نمو البكتيريا التي تمتلك أصلًا جينات مقاومة للصادات، مقارنةً بالبكتيريا التي تعمل على تطوير طفرات جينية جديدة مقاومة للصادات الحيوية على مدى الخطة العلاجية. يعني ذلك أن تطور مقاومة جماعة من البكتيريا للصادات الحيوية في حالة المرضى على أرض الواقع يستغرق وقتًا أقل مما استغرقته التجربة.

قد ينجو في بعض الحالات عدد قليل من البكتيريا من أذى الصادات الحيوية بشكل أفضل من غيرهم في الجماعة البكتيرية. غالبًا ما تنمو تلك الجراثيم الأقوى بشكل أفضل من باقي البكتيريا ضمن الجماعة.

تطور البكتيريا مقاومة ضد الصادات الحيوية بأربع طرق: تغير الجراثيم بنية جدارها الخارجي لتمنع دخول الصادات الحيوية، أو تطرد الصادات خارج الخلايا، أو تغير البروتين الجرثومي الذي تستهدفه الصادات الحيوية، أو تصنع أنزيمات قادرة على إبطال فعالية المضاد الحيوي.

كل آلية من الآليات السابقة تتطلب وقتًا مختلفًا حتى تطورها البكتيريا. تستطيع البكتيريا مثلًا أن تغير التعبير الجيني عن البروتين التي تستهدفه الصادات الحيوية وتطور طفرات مختلفة له، خصوصًا إذا كان الجين الوحيد الذي يعبر عن البروتين لا يؤثر في وظيفة الجرثومة وفعاليتها. قد تستغرق مقاومة الصادات الحيوية من ناحية أخرى وقتًا أطول بكثير حتى تتطور إذا كان تغيير البروتين الذي يستهدفه الصاد الحيوي سيؤثر في عدد من الوظائف الأساسية للجرثوم.

من الطرق التي يحاول بواسطتها العلماء التغلب على مقاومة الصادات الحيوية، استخدام خليط من الأدوية التي تعمل بآليات مختلفة. بذلك يؤثر كل صاد حيوي بدرجة أقل في تطور آلية مقاومة لدى البكتيريا.

اختتم بلاسكوفيتش: «حاول العلماء على مدى العقود الأخيرة فهم الخصائص التي تمكن الصادات الحيوية من اختراق بنية البكتيريا. العقبة الأساسية التي تمنع البشر من وقف تطور مقاومة الصادات الحيوية هي قلة الأشخاص الذين يحاولون منعها».

اقرأ أيضًا:

يمكن أن تظهر مقاومة المضادات الحيوية في الأمعاء حتى من دون استخدام المضادات الحيوية!

هل عليك فعلًا أن تنهي كامل الحصة الموصوفة من المضادات الحيوية؟

ترجمة: رهف وقاف

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر