ما هي دقة إشعاع الخلفية الكونية؟ وما الذي تخبرنا به عن الكون؟
يتناول بعض العلماء نقاشات حول الإنفجار العظيم و حول الإشعاعات الكونية الخلفية CMB و ما تخبرنا به عن الكون. وأحد أهم التحديات في ذلك الموضوع هو كيفية تحليلها و معالجتها الصعبة جدًا، بعض المشككون يرون أن معالجتها شيء قد يكون ضربًا من ضروب المستحيل و صعبًا بشكل كبير.
و في هذا المقال سنتحدث عن كيفية الانتقال من بعض البيانات الأولية لتلك الإشعاعات إلى معلومات مفصّلة تخبرنا عن بداية الكون.
عندما اكتشف بنزياس وويلسون الإشعاعات الكونية الخلفية CMB في عام 1965، لم يشيروا إليها بصورة. ما فعلوه كان محاولة لإظهار أن هناك إشعاعات كونية خلفية CMB في جميع اتجاهات السماء موحدة ذات كثافة معينة. وكانت هذه الكثافة تتفق مع التنبؤ الخاص بأنها خلفية حرارية موحدة بسبب الإنفجار الكبير.
وعلى مدى العقدين المقبلين، وُجدت كل من الملاحظات الأرضية والملاحظات المستمدة من البالونات المرتفعة أن الإشعاعات الكونية الخلفية CMB يبدو أنها تتبع في الواقع منحنى شدة جسم أسود حراري مع درجة حرارة تبلغ حوالي 3 كلفن. وبما أن أجواءنا تمتص القليل جدًا من أطوال موجية أقصر من منحنى الجسم الأسود، كان من الصعب أن تعتمد على درجة الحرارة بدقة بالغة، للقيام بذلك كنا بحاجة إلى تجاوز الجو الأرضي.
وجاء اكتشاف كبير في عام 1989 مع المراقب الفضائي مكتشف الإشعاع الكوني الخلفي (COBE) وكان هذا مراقبًا فضائيًا أجرى استبانة عالية الدقة للسماء. كما كان متوقعًا، لاحظ COBE خلفية حرارية موحدة جدًا مع درجة حرارة 2.728 K. الملاحظات مطابقة لمنحنى الجسم الأسود أكثر دقة من أي تجربة تم القيام بها حتى الآن.. كان لدينا أخيرًا دليلًا قاطعًا على الانفجار الكبير.
ولكن تم تصميم COBE ليس فقط لقياس درجة الحرارة العامة للسماء، ولكن أيضًا لقياس التغيرات الصغيرة في درجة الحرارة في نقاط مختلفة في السماء. من هذا يمكن أن نحدد ليس فقط وجود الانفجار الكبير ولكن بعض التفاصيل الأخرى
إذا نظرت لمتوسط درجة الحرارة من البيانات المستخرجة من CMB، ما كنت لتجد اختلافات على مستوى الملي كلفن .
واحدة من أول الأشياء التي نلاحظها هو أن حوالي نصف السماء أكثر دفئًا قليلًا ، والنصف الأخر تقريبًا أبرد قليلًا . يمكنك أن ترى هذا في خرائط الإسقاط لدرجات الحرارة النسبية في جميع أنحاء السماء. شكل يين يانغ يظهر في الخريطة و هو توزيع ثنائي القطب، وأنها ظهرت بسبب حركة الأرض بالنسبة للخلفية الكونية. إذا كانت الأرض تتحرك نحو شئ ما فإن الضوء الذي نلاحظه يتحول قليلًا نحو الطرف الأزرق للطيف (أطوال موجية أقصر) لـ CMB وهذا يعني أنه يبدو أكثر دفئًا قليلًا مما هو عليه في الواقع، لأن الأجسام الدافئة تنبعث كموجات أقصر.
وبالمثل، إذا كانت الأرض تتحرك بعيدًا عن شئٍ ما فإنه يتم تحويل ضوءها نحو الأحمر (الأطوال الموجية الأطول) ونتيجة لذلك يبدو CMB أبرد بعض الشيء في هذا الاتجاه. ويعرف هذا التحول في الأطوال الموجية بسبب الحركة النسبية بتأثير دوبلر، وهو أداة أساسية لعلم الفلك الحديث. من هذا نجد أن المجرة تتحرك حوالي 360 كم / ثانية بالنسبة للخلفية الكونية، وهو في الواقع أسرع مما كنا نتوقع.
إذا قمت بإستخراج تحاليل من بيانات ثنائية القطب ستكتشف وجود اختلافات على مستوى الميكرو كلفن و يعود هذا الاختلاف إلى التداخل الحاصل من مجرة درب التبانة و يمكنك أن ترى ذلك بوضوح في الشكل الثالث الخاص بالميكرو كلفن حيث يظهر على هيئة منطقة حمراء تتوسط الرسم. وذلك لأننا داخل درب التبانة، ووجهة نظرنا إلى السماء العميقة محجوبة إلى حد ما. للتغلب على هذه المشكلة علينا أن نميز بين الضوء القادم من أشياء مثل المجرات (تسمى المقدمة) والضوء الذي يأتي في الواقع من الخلفية الكونية.
للقيام بذلك نقوم برصد السماء في عدة نطاقات من الطول الموجي. الأجسام الأمامية لها توزيع طيفي مختلف عن الخلفية الكونية، وذلك من خلال مراقبة السماء في عدة نطاقات و بهذا يمكننا أن نجعل الخرائط دقيقة للمقدمة من أجل دراستها. رسم القمر الصناعي COBE السماء في ثلاثة نطاقات مختلفة. وقد قامت شركة WMAP برسم خمس خرائط في عام 2003، وقدمت Planck تسع خرائط للسماء في عام 2013. مع خرائط منقحة أكثر وأكثر تفصيلًا، يمكننا اجتناب (الضوضاء) بشكل أكثر دقة و تفريقها عن البيانات الحقيقية.
مع خريطة دقيقة للتقلبات في CMB يمكننا بعد ذلك دراسة الجداول التي تحدث التقلبات. من الناحية الرياضية نقوم بتوسيع التموجات إلى مجموع لحظات متعددة الأقطاب، منها ثنائي القطب. في الأساس فقط تأخذ متوسط درجة الحرارة الإجمالية للسماء بأكملها، ثم تقسيم السماء إلى منطقتين واتخاذ متوسط كل قسم، ثم تقسيم تلك المنطقتين و حساب متوسط مرة أخرى وهلم جرًا … و نستمر في القيام بذلك، حتى نحصل على (متوسط) درجة الحرارة في كل مقياس. من هذا يمكننا خلق الطيف لنعرف قوة التقلبات في كل مقياس.
ضمن هذا الطيف هناك عدة قمم.
القمم الثلاث الأولى من الطيف تخبرنا عن بنية وتاريخ الكون:
- الذروة الأولى تخبرنا كيف ولد الكون.
- ويخبرنا الثاني عن كمية المادة العادية في الكون (حوالي 4.9٪ من إجمالي الطاقة الجماعية)
- والثالث يخبرنا عن كمية المادة المظلمة (حوالي 26.8٪ من الطاقة الكلية).
من CMB انتقلنا إلى ما هو أبعد من مجرد إثبات الانفجار الكبير، ويدرس العلماء الآن تفاصيل علم الكونيات. لدينا مصادر أخرى للبيانات خارج CMB ، وتتفق عمومًا مع نتائج الخلفية الكونية.
- ترجمة: عمرو سيف
- تدقيق: أسمى شعبان
- تحرير: زيد أبو الرب