منذ بداية جائحة كوفيد-19، تسارعت جهود العلماء واختصاصيي الصحة من أجل تطوير لقاح ضد الفيروس الجديد، وحاولت العديد من الدول إبطاء انتشار المرض والحد من الوفيات عبر تحقيق مناعة القطيع. أظهرت دراسة جديدة أن المناعة المكتسبة بعد الشفاء من كوفيد-19 قد تستمر لمدة 8 أشهر على الأقل، وربما لفترات أطول. من ناحية أخرى، يرى العلماء أن موضوع المناعة المكتسبة بعد الشفاء من كوفيد-19 والمدة التي تستغرقها بحاجة إلى المزيد من الدراسات والأبحاث، وإن فهم كيفية استجابة جهاز المناعة للفيروس خطوةٌ مهمة في تطوير اللقاح ووضع بروتوكولات التطعيم. نُشرت هذه الدراسة في مجلة Science.
يوجد حاليًا لقاحان مصرّح باستخدامهما في الولايات المتحدة، وهما لقاح شركتي «فايزر وبايونتيك» ولقاح «موديرنا». العديد من اللقاحات الواعدة الأخرى قيد التطوير أيضًا، ولكن إلى حين الانتهاء منها وإتاحتها على نطاق واسع، يجب علينا الالتزام بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات للحد من انتقال العدوى.
لا توجد دراسات كافية حتى الآن تؤكد أن الأشخاص المتعافين من كوفيد-19 لن يتعرضوا للعدوى مرة أخرى، وستتطلب معرفة هذا الأمر مراقبة العديد من الأشخاص ومتابعتهم، إضافةً إلى إجراء دراسات جديدة.
حدّد فريق من العلماء مكونات الذاكرة المناعية الأربعة، وهي:
- الأجسام المضادة «الأضداد».
- الخلايا البائية الذاكرة.
- الخلايا التائية المساعدة.
- الخلايا التائية القاتلة.
وذكروا أن تحديد هذه المكونات وقياسها أمرٌ مهمٌ جدًا عند الإصابة بأي عدوى حادة.
وجد الباحثون أن هذه المكونات الأربعة استمرت لمدة 8 أشهر على الأقل بعد الإصابة بالفيروس؛ الأمر الذي يوضح أن الجسم يمكنه تذكّر الفيروس عند دخوله إلى الجسم مرة أخرى؛ إذ تتأهّب خلايا الذاكرة وتنتج أجسامًا مضادة من أجل التصدي للعدوى الجديدة ومحاربتها.
في دراسة سابقة، حدّد فريق من الباحثين أن الأجسام المضادة للفيروس تستمر في الجسم لمدة 3 أشهر على الأقل، وتبيّن أن هذا الأمر يحدث حتى عند المرضى الذين تظهر لديهم أعراض خفيفة.
أجرى باحثون في أيسلندا دراسة أخرى على نحو 1000 شخص ممن تعافوا من كوفيد-19 وأُثبتت إصابتهم بوجود الأجسام المضادة لفيروس كورونا الجديد، ووجدوا أن الأجسام المضادة لم تتراجع عندهم لمدة 4 أشهر. نُشرت هذه الدراسة في مجلة The New England Journal of Medicine الطبية.
إضافةً إلى ذلك، وجدت دراسة أجراها باحثون في ولاية أريزونا على نحو 30 ألف شخص أن الذين تعافوا من الحالات الخفيفة من كوفيد-19 أنتجت أجسامهم أجسامًا مضادة يُعتقد أنها تحميهم من خطر الإصابة بالعدوى مرة أخرى لمدة لا تقل عن 5-7 أشهر، وقد تستمر لفترة أطول. نُشرت هذه الدراسة في مجلة Immunity.
مع ذلك، يرى العلماء والخبراء أنهم ما يزالون بحاجة إلى المزيد من المعلومات عن فيروس كورونا الجديد، التي ستساعدهم في الإجابة عن العديد من الأسئلة الشائعة المطروحة:
- هل سنتعرّض للإصابة مرة أخرى؟ وما مدة المناعة التي سنكتسبها بعد الشفاء من الإصابة الأولى؟
- هل توجد عوامل مرتبطة بالمريض -مثل العمر- تؤثر على المناعة؟
- هل توجد عوامل مرتبطة بالعدوى الفيروسية -مثل شدة الإصابة- تؤثر على المناعة؟
- ما أفضل طريقة لقياس المناعة؟ هل عبر قياس نسبة الأجسام المضادة وتركيزها في الدم؟ وهل يوجد نوع معين من هذه الأجسام يجب قياسه؟
- ما مدة المناعة المكتسبة بعد أخذ اللقاح؟
- هل يعني وجود الأجسام المضادة في الدم أن الشخص محمي من الإصابة مرة أخرى؟
تشير إيجابية الأجسام المضادة في الدم إلى أن الجسم تعرّض في الماضي للعدوى، لكن من غير المعروف تمامًا هل هو محمي من الإصابة مرة أخرى أم لا.
يتعلق الأمر بنوع العدوى الفيروسية (وربما حسب السلالات)؛ ففي بعض الأنواع قد توفر الأجسام المضادة الحماية من الإصابة مرة أخرى، وفي بعضها الآخر قد تحدث الإصابة مرة أخرى ولكن الأعراض ستكون أقل شدةً، وفي أنواع أخرى قد لا توفر الأجسام المضادة أي حماية على الإطلاق.
إضافةً إلى ذلك، قد تكون إيجابية اختبار الأجسام المضادة غير صحيحة، وتُسمى عندها بالإيجابية الكاذبة؛ أي أن الشخص تعرّض للعدوى بفيروس مشابه كثيرًا لفيروس كورونا الجديد، والجسم أنتج أجسامًا مضادة له كُشفت بالاختبار، لكن هذه الأجسام المضادة لا تحمي من الإصابة بفيروس كورونا الجديد.
ما هي مناعة القطيع؟ ولماذا هي مهمة؟
هي مفهوم ينص على التالي: «إذا اكتسب عددٌ كافٍ من الأشخاص حماية من العدوى -إما عبر اكتساب مناعة طبيعية من الإصابة، أو بعد أخذ اللقاح- فإن فرصة إصابة شخص -غير ممنّع- بالمرض ستكون ضئيلة جدًا».
قد تكون مناعة القطيع مفيدةً لأشخاصٍ معيّنين أكثر من غيرهم، خاصةً الأطفال الصغار وكبار السن والأشخاص الذين لديهم ضعف في المناعة؛ إذ لا يمكن تمنيع هؤلاء الأشخاص، وهم بحاجة إلينا من أجل توفير الحماية لهم. من ناحية أخرى، قد يكون السماح للمرض بالانتشار -دون وجود رقابة- بهدف الوصول إلى مناعة القطيع بسرعة فكرة سيئة؛ فقد يكون المرض قاتلًا لفئة عمرية ما، وهذه التضحية بالأرواح غير مقبولة أبدًا.
لذلك، يُعدّ إعطاء اللقاح على نطاق واسع الطريقة المثلى لتحقيق مناعة القطيع ومنع استمرار انتشار العدوى، وسيساعد ذلك في السيطرة على الفيروس الجديد.
اقرأ أيضًا:
ما الآثار الجانبية المحتملة للقاحات كورونا؟
لماذا يعد لقاح أوكسفورد-أسترازينيكا منقذ البشرية من جائحة كورونا؟
ترجمة: د. يوسف الجنيدي
تدقيق: جعفر الجزيري