أظهر استطلاعان جديدان أنّ الأشخاص المتديّنين أكثر حذرًا وأقلّ ترحيبًا تجاه الأشخاص المختلفين.
في حين كان العلمانيّون أكثر انفتاحًا وتقبُّلًا للآخر من عرقٍ أو دينٍ أو بلدٍ مختلفٍ.
بعبارةٍ أُخرى ارتبطت القَبلية العِرقيّة ارتباطًا وثيقًا بالدين، في حين ارتبط احتضان البشريّة كافة ارتباطًا وثيقًا بالعلمانيّة.
وأظهرت دراسةٌ عام 2018 لمعهد البحوث الدينية العامة (PRRI) كيف يشعر الأمريكيون بالتغييرات الديموغرافيّة المهمّة التي تحدث في الولايات المتحدة، وسُئل الأمريكيون عن شعورهم حيال التّنبُّؤات الإحصائية التي تشير إلى أنه بحلول عام 2043 سيشكل الأمريكيون من أصلٍ أفريقيٍّ واللاتينيون والأمريكيون الآسيويون وغيرهم من الشعوب غير البيضاء أغلبية السكان مع تحوُّل البيض إلى أقلّية.
أكثر من نصف الإنجيليين البيض (52٪) قالوا أنّ هذا التحوُّل الديموغرافي سيكون تطوُّرًا سلبيًّا، ويرى 39٪ من البروتستانت و32٪ من الكاثوليك أنه أمرٌ سلبيٌّ، وكانت (المجموعة الدينية) التي لا ترى أنّ هذا التغيير سلبيٌّ هي مجموعة الغير متدينين، وأوضحَ 23٪ فقط من الأمريكيين غير المتدينين العلمانيين أنّهم يرون أنّ تغيير التركيبة السكانية العرقية والإثنية أمرٌ سيّئ.
أما الدّراسة الثانية التي أُجريت عام 2018 في أوروبا، فقد بيّنت أنّ الأوروبيين المتدينين أكثر تشبُّثًا بإثنيتهم، وأكثرَ قوميّةً، وأكثر معارضةً للهجرة، وأكثر حساسيّةً تجاه اليهود والمسلمين من الأوروبيين العلمانيين، على سبيل المثال، يوافق 54٪ من المسيحيين الممارسين بشدة على أنّ ثقافتهم متفوقةٌ على ثقافة الآخرين، و48٪ من المسيحيين غير الممارسين يشتركون في هذا الرأي، بينما يتفق معهم 25٪ فقط من العلمانيين، ويقول حوالي 30٪ من المسيحيين أنّهم غير مستعدين لقبول المسلمين في أسرهم، بينما يوافقهم 11٪ فقط من الأشخاص العلمانيين، وفي معظمِ الدول الأوروبية تزدادُ نسبة المسيحيين الراغبين في الحدّ من عدد المهاجرين مقارنةً بالعلمانيين.
ولا تُعتبر هاتان الدّراستان كطفرة، لطالما وَجدت الدراسات النفسيّة والاجتماعية على مدى عقودٍ عديدةٍ الشيءَ نفسه، فكلما ازداد الأشخاص تديُّنًا ازداد احتمال إظهارهم لتوجُّهٍ عدائيٍّ، وكما لاحظ العالم النفسانيّ الكنديّ البارز بوب ألتيماير، فإنّ معظم الدراسات ذات الصلة توضح أنّه كُلّما ذهب المرء إلى الكنيسة ازداد احتمال كرهه للمجموعات المختلفة، أو كما يصف أخصائيُّ علم النفس الأمريكيّ رالف وود: «بشكلٍ عام، كلّما كان الفرد أكثر تديُّنًا، كان أكثر تحيُّزًا».
وفي عام 2009 قام الأستاذُ في جامعة ديوك ديبورا هول بتحليل 55 دراسة منفصلة وقد أثبتت الدراسات التي اهتمّت بالعلاقة بين الدين والعنصريّة أنّ الأمريكيين المتدينين بشدّة يُبدون أعلى مستويات العنصريّة، في حين أنّ الملحدين واللا أدريين يُظهرون أدنى المستويات، ولكن لا ينبغي أن يُفهم من هذا البحث أنّ جميع المتديّنين عنصريّون وأنّ جميع العلمانيين ليسوا كذلك، فالاستطلاعات ببساطة توضّح النسب المئويّة، المتوسطات، الميول.
هناك العديد من المتدينين الذين ليسوا عنصريين أو متحيزين ولا يكرهون الأجانب، وهناك الكثير من الناس العلمانيين العنصرين.
ينبغي التأكيد على أنّ هناك أيضًا العديد من النتائج الإيجابية المرتبطة بكون الشخص متديّنًا، على سبيل المثال، من المرجّح أن يشارك مرتادو الكنيسة بالأعمال الخيرية بوقتهم وأموالهم أكثر من غيرهم؛ وهم أكثرُ عرضةً للتصريح عن مشاعرَ السعادة والرفاهيّة، وهم أكثرُ عرضةً للعيش لفترةٍ أطول من غير المتدينين.
ولا شكّ أنّ التديُّن يأتي بمجموعةٍ من الفوائد الإيجابية مثل التشارك الاجتماعيّ وزيادة مستويات رأس المال وخفض نسبة الاكتئاب، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتّرحيب باللاجئين المحتاجين إلى ملاذٍ آمن أو الانفتاح على أحد الجيران الذين ينتمون إلى عرقٍ أو دينٍ مُختلِفَين، أو رؤية البشريّة كلها متوحدة، فإنّ الدراسات تشيرُ إلى أنّ التّديّن قد يميل ضد هذه التوجّهات الإنسانية، بدلًا من تعزيزها.
لماذا يرتبط التديّن بشكلٍ دائمٍ مع التّميُّز العرقيّ والقوميّة وكره الأجانب؟ ولماذا يكون العلمانيّون أقلّ عرضةً لهذا التوجّه الضار؟
هذا غيرُ واضحٍ، لكن يمكن أن يتدخّل الدين في قابليّتنا الطبيعية للمحسوبية لشخصٍ من داخل المجموعة والكراهية تجاه شخص من خارج المجموعة، كما أنّ الرموز والطقوس الدينية تربط المؤمنين ببعضهم البعض، والبروتوكولات الصارمة التي تحدد للشخص مِن مَن يمكنه الزواج، والطاعة للسلطة في معظم التقاليد الدينيّة، كل هذا يميلُ إلى جعل الناس أكثر قبليّة، ما يؤدي إلى رؤية الغرباء مع شيءٍ من الحذر، إن لم يكن الاحتقار.
تنمو في هذه الأيام مشاعرُ القومية وكراهية الأجانب، لذلك هناك حاجةٌ حقيقةٌ إلى القيم الإنسانية والعالمية التي ترتبط بشكلٍ وثيقٍ بالثقافة العلمانية.
فنحن جميعًا بشر ونريد نفس الأشياء: الحياة، الحرية، والتحرر من الخوف والظلم.
ترجمة: أحمد طريف المدرس
تدقيق: ماجدة زيدان
تحرير: كنان مرعي