أظهرت دراسة أولية فعالية تقنية نقل البلازما من المتعافين من مرض كوفيد-19، الذي يسببه فيروس «سارس-كوف-2»، إلى المصابين بحالات حرجة من المرض، وأثبتت أيضًا قدرة التقنية الجديدة على تسريع عملية الشفاء.
هذه التقنية ليست حديثة؛ بل تُستَخدم منذ مئة سنة؛ إذ ينقل الأطباء أحد مكونات الدم «البلازما» من المتعافين من الأمراض التي تسببها الأخماج الخطيرة إلى مرضى آخرين لينقذوا حياتهم؛ لأن دماء المُتعافين من الأمراض الفيروسية أو البكتيرية تحتفظ بالأجسام المُضادة لهذه الأمراض بعد فترة من الشفاء.
استخدم الأطباء تقنية نقل البلازما في أثناء جائحة الإنفلونزا الإسبانية سنة 1918، وحققت درجات متباينة من النجاح في علاج فاشيات سارس سنة 2003 وإنفلونزا الخنازير سنة 2009، وإيبولا سنة 2014 في أفريقيا. واعتمدها العلماء سنة 2015 ضمن بروتوكول علاج متلازمة الشرق الأوسط التنفسية «ميرس».
وفي بداية تفشي مرض كوفيد-19، في 20 يناير 2020، عالج أطباء صينيون حالات متأخرة من كوفيد-19 باستخدام بلازما النقاهة من المُتعافين، وكانت نتائج العلاج مُبشرة في خمس حالات نُشرت في مجلة JAMA.
في 28 مارس 2020، أصبح مستشفى هيوستن ميثوديست في تكساس أول مركز طبي أكاديمي في الولايات المتحدة يعتمد تقنية نقل البلازما في علاج الحالات الحرجة لمرضى كوفيد-19.
يقول دكتور جيمس موسر رئيس قسم علم الأمراض والوراثة في المستشفى: «بينما يسعى علماء الطب جاهدين لاختبار أدوية وعلاج كوفيد-19، تظهر تقنية بلازما النقاهة بصفتها واحدة من أكثر استراتيجيات العلاج الواعدة».
أمان تقنية العلاج:
أجرى دكتور موسر وزملاؤه في الفترة بين 28 مارس و14 أبريل، دراسة أولية على 25 مصابًا بحالات شديدة ومتأخرة من كوفيد-19؛ لمعرفة ما إذا كانت تقنية العلاج بالبلازما آمنة على المرضى أم لا.
ظهرت علامات تحسُّن على تسعة متطوعين بعد سبعة أيام من التجربة (36% من المشاركين)، وتحسنت حالة 19 متطوعًا (76%) وخرج بعضهم من المستشفى بعد 14 يومًا، ولم يلاحظ الباحثون أي نتائج سلبية للعلاج على المتطوعين. نُشِرَت نتائج الدراسة في مجلة The American Journal of Pathology.
لكن إحدى المخاوف التي تراود الناس حول سلامة هذه التقنية هي احتمالية احتواء البلازما على عوامل مُمْرضة، من ضمنها العامل المُمرِض المُستهدَف بالعلاج، لكن القائمين على الدراسة يقولون إن كل المتبرعين بالبلازما كانوا قد تعافوا تمامًا من المرض، ولم تظهر عليهم أي أعراض خلال 14 يومًا على الأقل من التبرع.
وفحص الباحثون عينات بلازما المتبرعين ليتأكدوا من خلوها من عدد كبير من العوامل المُمْرِضة، مثل التهاب الكبد بي وسي، وفيروس نقص المناعة البشرية، وداء شاغاس وفيروس غرب النيل وفيروس زيكا ومرض الزُّهري، تماشيًا مع المعايير المُتَّبعة للتبرع بالدم.
يقول الباحثون إن أكثر من 150 شخصًا ممن تعافوا من كوفيد-19 تبرعوا بالبلازما لمساعدة غيرهم على الشفاء، وما زال الكثيرون يفعلون ذلك.
التحسُّن السريري:
لاحظ الباحثون أن معدل التحسُّن السريري بين المرضى الذين تلقوا البلازما مقاربٌ لمستويات التحسُّن التي وثّقها العلماء في تقارير دراساتهم دواء ريمديسيفير المضاد للفيروسات، حتى إن كان الهدف الأساسي من البحث هو قياس سلامة وأمان العلاج وليس فعاليته.
لكن الدراسة أُجريَت على عدد صغير من المشاركين، دون وجود مجموعة ضابطة، وتلقى المشاركون فيها علاجات تجريبية أخرى؛ إذ عولِج 68% منهم بعقار ريبافيرين المضاد للفيروسات، وأُعطي جميع المشاركين عقار هيدروكسي كلوركين المضاد للملاريا.
نوَّه الباحثون في تقريرهم إلى أنهم لم يجدوا صلة واضحة بين كمية الأجسام المضادة لكوفيد-19 في البلازما والنتائج التي حصلوا عليها، فقد يكون حجم الدراسة أصغر من أن يُظهِر هذه الصلة التي تُسمّى بـ «الاستجابة للجرعة»، لكن يدرس مستشفى هيوستن ميثوديست إمكانية إجراء دراسة مضبوطة أكثر على مجموعة أكبر من المرضى.
التوقيت الأنسب للعلاج بالبلازما:
حاليًا، تُجرى دراسات أخرى على تقنية نقل البلازما، يتعاون فيها عدد من المراكز البحثية؛ إذ تعاونت في شهر مايو 57 مؤسسة طبية في الولايات المتحدة في مشروع أٌطلِق عليه «مشروع بلازما كوفيد-19 الوطني»، وأصدر المشروع مسودة تقول إن تقنية العلاج بالبلازما آمنة.
وقال أحد مؤسسي المشروع دكتور أرتورو كاساديفال من جامعة جونز هوبكنز لموقع ميديكال نيوز توداي إن نحو 12000 مريضًا في الولايات المتحدة تلقوا هذا النوع من العلاج، لكن كاساديفال قال إن ما يقلقه هو تأخر إعطاء العلاج الذي يقتصر حاليًا على الحالات الحرجة للمرضى، مع أن الحقن بالبلازما بما تحتويه من أجسام مضادة للفيروس يعزز الجهاز المناعي في الجسم بصورة أفضل عند حقنه في المراحل المبكرة من المرض، لأنه في حالات المرض الشديدة يصاب الجهاز المناعي بفرط النشاط، الذي يسبب التهاب الرئتين وإفراز عدد كبيرة من الجزيئات المناعية، وتُعرف هذه الحالة باسم «عاصفة السيتوكين».
اقرأ أيضًا:
هل يمكن أن تكون مميعات الدم علاجًا منقذًا من الوفاة بسبب كورونا؟
هل يؤثر مقدار تعرضك لفيروس كورونا على شدة مرضك؟
ترجمة: رضوان مرعي
تدقيق: وئام سليمان