أفاد باحثون بأن غير المدخنين يستجيبون بفعالية أقل للعلاج القياسي لسرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة، وقد أشاروا إلى أن اجتماع طفرتين جينيتين قد يُساهم في منح خلايا السرطان لدى غير المدخنين مقاومة أكبر للعلاج.
أكد الباحثون ضرورة اعتماد الاختبارات التشخيصية الحديثة والعلاجات الموجهة لمواجهة الحالات التي تُظهِر مقاومة للعلاج. ومن المُحتمل أن يصبح غير المدخنين المصابون بسرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة (NSCLC) أكثر مقاومة للعلاج التقليدي لهذا المرض. ويرجح الباحثون أن السبب في ذلك يعود إلى الطفرات الجينية.
يُعد التدخين السبب الرئيسي لسرطان الرئة، مع إن بعض المصابين بسرطان الرئة لم يدخنوا قط. وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، فإن ما بين 10% إلى 20% من مرضى سرطان الرئة لم يدخنوا أبدًا.
وما تزال أسباب الإصابة بسرطان الرئة لدى غير المدخنين غير مفهومة تمامًا، بيد أن الخبراء يعتقدون أن تفاعل العوامل البيئية والجينية المرتبطة بنمط الحياة قد يسهم في تطور المرض.
وبحسب الدكتور إريك سينغي بوصفه أستاذًا مساعدًا في طب أورام الرأس والرقبة في مركز أندرسون للسرطان بجامعة تكساس، يُعد سرطان الرئة لدى غير المدخنين خامس أسباب الوفيات في العالم. وقد قال في تعليقه على الدراسة التي لم يشارك فيها: «كل ما تحتاجه لتكون عرضة لخطر الإصابة بسرطان الرئة هو وجود رئتين».
كيف تتطور مقاومة خلايا سرطان الرئة للعلاجات؟
مع إن العلاج الموجه لسرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة موجود ومتوفر، فإن باحثين -من جامعة كوليدج لندن ومعهد فرانسيس كريك وشركة أسترازينيكا- وجدوا أن اجتماع طفرتين جينيتين قد يُفسر انخفاض فعالية العلاج القياسي لدى غير المدخنين.
وبحسب إشارة الدكتور مانميت سينغ أهواليا من معهد الصحة المعمداني للسرطان في ميامي الذي لم يشارك أيضًا في الدراسة، العلاج الموجه يفشل في 10% إلى 15% من مرضى سرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة.
وبحسب الدراسة، يؤدي اجتماع الطفرة في جين مستقبل عامل نمو البشرة (EGFR) -الموجودة لدى أكثر من نصف غير المدخنين المصابين بسرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة- مع طفرة في جين p53 إلى تطور أورام مقاومة للعلاج.
وأكد الباحثون أن ثلث المرضى فقط الذين يحملون طفرة في جين EGFR في المراحل المتقدمة من المرض يبقون على قيد الحياة لأكثر من ثلاث سنوات. إذ تساهم الطفرة في جين EGFR في تسريع نمو خلايا السرطان، بينما يؤدي جين p53 دورًا في تثبيط نمو الأورام.
ومع إن الأدوية التي تستهدف EGFR تُعد فعالة في علاج المرضى الذين يحملون طفرة EGFR فقط، فإن بعض الأورام لدى المرضى الذين يحملون طفرات مزدوجة في EGFR وp53 أظهرت مقاومة وزيادة في الحجم بعد العلاج.
أظهرت الدراسات المخبرية وعلى الحيوانات أن هذه الأورام المقاومة تحتوي على عدد أكبر من خلايا السرطان ذات الجينوم المضاعف، ما يمنحها نسخًا إضافية من صبغياتها. وبذلك، تصبح الخلايا الحاملة للطفرات المزدوجة أكثر قدرة على التكاثر وتطوير مقاومة للأدوية.
وقال الدكتور تشارلز سوانتون أحد المشاركين في الدراسة بوصفه أستاذًا في معهد السرطان بجامعة كوليدج لندن: «أثبتنا أن اجتماع طفرتي EGFR وp53 يساهم في مضاعفة الجينوم، ما يزيد احتمال تكوين خلايا مقاومة للعلاج نتيجة الاضطرابات الصبغية … مع إن مضاعفة الجينوم لا تؤدي بالضرورة إلى نشوء السرطان، فقد تساهم في تطور الأورام بطرق متعددة».
الحاجة إلى علاجات موجهة جديدة
أوضح الباحثون أنه من الممكن فحص مرضى سرطان الرئة بحثًا عن طفرات EGFR وp53، لكن لا يتوفر حاليًا اختبار يكشف عن مضاعفة الجينوم الخطيرة، وتوجد جهود حثيثة لتطوير مثل هذا الاختبار.
وقال الدكتور كريسبين هيلي المشارك في الدراسة بوصفه أستاذًا مساعدًا في معهد السرطان بجامعة كوليدج لندن: «فور تحديد المرضى الذين يحملون طفرات EGFR وp53 ولديهم أورام ذات جينوم مضاعف، نستطيع معالجة هؤلاء المرضى بأساليب أكثر دقة».
وأضاف الدكتور إريك سينغي: «نشهد اليوم تطوير استراتيجيات علاجية مركبة تهدف إلى منع تطور مقاومة العلاج».
وأشار إلى أن هذه الاستراتيجيات تشمل الجمع بين مثبطات EGFR مثل أوسيميرتينيب والعلاج الكيميائي، أو دمجها مع أجسام مضادة تستهدف EGFR وMET.
وقال الدكتور سينغي: «تسعى هذه التجارب إلى التحقق من أن الجمع بين نوعين من العلاجات، وفي مرحلة مبكرة، يوفر نتائج سريرية أفضل مقارنة باستخدام العلاج الموجه وحده. لكن توجد مخاوف مشروعة بشأن ارتفاع مستوى السُمية الناتجة عن العلاجات المركبة، وقد يكون من الصعب تحديد المرضى الذين سيستفيدون من هذه الاستراتيجيات المركبة مقابل العلاج الموجه وحده».
وبحسب الدكتور شورش رامالينغام الذي لم يكن مشاركًا في الدراسة، وبوصفه المدير التنفيذي لمعهد وينشيب للسرطان بجامعة إيموري في ولاية جورجيا وخبيرًا في سرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة، توجد علاجات جديدة تُصمم خصيصًا لمواجهة حالات سرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة حيث تكون مثبطات EGFR غير فعالة.
وأضاف رامالينغام: «عندما تتوقف العلاجات الموجهة عن العمل، يفحص الأطباء عادةً فحصًا جزيئيًا لتحديد وجود طفرات جديدة في الورم». ويعمل رامالينغام حاليًا على تطوير علاج جديد للمرحلة الثالثة من سرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة الذي لا يمكن استئصاله جراحيًا. وقال: «تمكننا هذه المعرفة من تحديد التدخلات العلاجية التي قد تتغلب على مقاومة الأدوية. فمثلًا لدى المرضى الذين يعانون من طفرة EGFR، توجد آلية معروفة للمقاومة تُعرف باسم طفرة C797S. وتُجرى حاليًا تجارب سريرية على أدوية جديدة قادرة على التغلب على هذه الآلية المحددة للمقاومة».
واختتم الدكتور أهواليا قائلًا: «في العقود الأخيرة، ارتفعت نسبة الإصابة بسرطان الرئة بين غير المدخنين، خاصةً بين النساء وفي الفئات العمرية الأصغر … حوالي ثلثي هذه الحالات تحدث بين النساء، ما يجعل النساء غير المدخنات أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة مقارنةً بالرجال غير المدخنين».
اقرأ أيضًا:
اقترب العلماء من معرفة مصدر سرطان الرئة عند غير المدخنين
سرطان الرئة lung cancer: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
ترجمة: أیھم عبد الحسین صالح
تدقیق: مؤمن محمد حلمي
مراجعة: محمد حسان عجك