يمكن القول إن ضعف الاقتصادات وقرارات البنك المركزي وانخفاض قيمة الأسهم العالية في قطاع التكنولوجيا، من الأسباب الرئيسية لزعزعة استقرار أسواق الأسهم العالمية.

تعرض سوق الأسهم العالمي لموجة من الاضطراب الشديد أدت إلى ظهور بعض المخاوف بشأن مسار الاقتصاد الأمريكي، وأسرع المتداولون بالتراجع عن رهاناتهم التي كانت مسيطرة هذا العام.

وقعت اليابان تحديدًا في خضم الأزمة التي يمكن تسميتها (العاصفة الصيفية) التي حدثت مؤخرًا، إذ تعرض مؤشر أسعار أسهم طوكيو المعروف اختصارًا باسم توبيكس، لتراجع كبير بأكثر من 12% في عملية تصفية لم تشهد اليابان مثلها منذ أزمة الاثنين الأسود في 1987.

وامتدت عمليات البيع إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية، مع انخفاض مؤشر وول ستريت ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 2%.

ماذا وراء عمليات البيع؟

باختصار، لا تدعم البيانات الاقتصادية الأخيرة وجهة النظر السائدة بأن صانعي السياسات الاقتصادية العالمية، وفي مقدمتهم البنك الفدرالي الأمريكي، سيكونون قادرين على تخفيف التضخم دون التسبب بأضرار جانبية.

وأظهر تقرير الوظائف الأمريكي تباطؤًا حادًا في معدل التوظيف مقابل توقعات وول ستريت، مع زيادة المخاوف بشأن تعرض أكبر اقتصاد في العالم لضغوط متزايدة بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض.

أشار رؤساء الشركات في مواسم الأرباح الأخيرة إلى أن المستهلكين الذي يشكلون عماد الاقتصاد الأمريكي قد بدأوا بتخفيض إنفاقهم.

قال مخططو الأسهم لدى بنك جيه بي مورغان إنه مع بداية هذا العام كانت توقعات المستثمرين تتجه نحو حصيلة معتدلة ومثالية، مضيفين أن هذه المقاربة تخضع حاليًا لاختبار حاد.

ذكر بنك غولدمان ساكس أن الاعتقاد الرائج الآن هو أن احتمال سقوط الولايات المتحدة في دائرة الركود العام القادم بنسبة 25%، مقارنةً بالتوقعات السابقة التي بلغت 15% فقط.

لا تقتصر أزمة الأسهم الوشيكة على السوق الأمريكية فحسب، إذ أظهرت استطلاعات الأعمال في منطقة اليورو أن المجموعة قد تضررت بفعل التوترات الجيوسياسية وضعف النمو الاقتصادي العالمي وهشاشة ثقة المستهلك. وبالمثل تراجع القطاع الصناعي الصيني في الأشهر الثلاثة الماضية.

أوضح بروس كاسمان كبير اقتصاديي بنك جيه بي مورغان، أن الدراسات الاستقصائية التي أجريت على المسؤولين التنفيذيين في قطاع التصنيع كانت متناسبة مع الجمود الحاصل في أرباح إنتاج المصانع العالمية.

ساهمت اليابان في تعقيد المسألة بسبب ابتعادها عن سياستها التقليدية بشأن أسعار الفائدة السلبية، واتجاهها نحو مخالفة التوقعات ورفع أسعار الفائدة، ما تسبب في اضطراب سوق الصرف في اليابان ومن ثم في أماكن أخرى.

ما سبب شدة تلك الاضطرابات؟

شهدت أسواق الأسهم العالمية حتى وقت قريب ارتفاعًا تقوده الآمال بالوصول إلى الحالة الاقتصادية المثلى، وظهر اندفاع نحو أسهم الشركات التكنولوجية الأمريكية يغذيه الحماس لتكنولوجيا الذكاء الصناعي.

شهد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ارتفاعًا بنسبة 20% تقريبًا منذ بداية العام حتى بلغ مستوى إغلاق مرتفع في يوليو.

تكون عمليات تراجع أسعار الأسهم عادةً أسرع من عمليات تحسنها وارتفاعها، وهكذا انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 8% منذ ذروته في يوليو.

أدى ارتفاع تكلفة حقوق الملكية هذا العام إلى جعل الأسهم تبدو أكثر تكلفة، ومثّل هذا العامل مصدر قلق للمستثمرين.

ظهرت حالة التقلب أيضًا في أغسطس، وهو وقت يحزم فيه كبار المستثمرين والمتداولين أمتعتهم لقضاء عطلتهم الصيفية، وعمومًا تفسح حالة انخفاض السيولة هذه المجال لتغيرات أسوأ.

ما دور قطاع التكنولوجيا؟

شعر العديد من المستثمرين بالقلق إزاء تأثير التضخم على الأسواق من قبل مجموعة صغيرة من الشركات التكنولوجية، كما يُسمّون في الولايات المتحدة: السبعة الكبار.

وفقًا لهاورد سفربلات كبير المحللين لدى مؤشرات إس آند بي داون جونز فإن السبعة الكبار -وهم آبل ومايكروسوفت وألفابيت وأمازون وتيسلا وميتا وإنفيديا، قد شكلوا ما يعادل 52% من عائدات هذا العام على مؤشر ستاندرد آند بورز حتى نهاية يوليو.

تخضع أسهم الشركات آنفة الذكر لضغوطات، فتأثيرها الإيجابي على الأسواق تحول إلى عامل أساسي في عمليات البيع.

انخفض مؤشر ناسداك المركب الذي يتكون معظمه من أسهم شركات التكنولوجيا نحو 13% عن ذروته التي بلغها في يوليو.

تعمقت حالة التشاؤم بعد صدور أخبار تفيد بأن الملياردير الأمريكي وارن بافيت ممثلًا بشركته بيركشاير هاثاواي خفّض حصته في شركة آبل إلى النصف، جزءًا من تحول واسع بعيدًا عن الاستثمار في الأسهم، ما دفع المستثمر إلى بيع ما يعادل 76 مليار دولار من أسهمه.

طفت على السطح مخاوف أخرى متعلقة بالقطاع التكنولوجي، فشركة إنتل التي تُعد من أهم شركات صناعة الرقائق الأمريكية، تراجعت أسهمها بنسبة 30% في الأسابيع الماضية، عقب إعلانها عن خطة تتضمن تسريح 15 ألف موظف، جزءًا من مخطط انتقال شامل، ما أدى إلى انخفاض قيمة أسهم الرقائق في أماكن أخرى.

إن القلق من أن ازدهارًا في تقنيات الذكاء الصناعي قد يؤدي إلى خلق طلب كبير على الرقائق الالكترونية والخوادم المتخصصة هو أمر مبالغ في تقديره، لكنه ساهم في تثبيط المعنويات.

شركة إنفيديا لصناعة الرقائق، التي كانت لفترة وجيزة الشركة الأعلى قيمة في العالم، انخفضت قيمتها بنسبة 25% عن أعلى مستوياتها في يونيو.

لماذا كانت الأسهم اليابانية الأكثر تضررًا؟

خسرت الأسهم اليابانية جميع أرباحها التي حققتها هذا العام، متأثرةً بارتفاع سريع في سعر صرف الين الياباني، وذلك بعد رفع بنك اليابان سعر الفائدة الرئيسي إلى 0.25%، وهو أعلى مستوى له منذ الأزمة العالمية 2008.

يتناقض الموقف الياباني المتشدد مع الموقف الأمريكي الأهدأ حيال سياسته النقدية.

شكل الموقف ضربة قوية لما يُسمى تجارة المناقلة، التي يقترض فيها المستثمرون المال من الدول صاحبة أسعار الفائدة المنخفض، وإعادة إقراضها لدول صاحبة أسعار الفائدة العالية.

أدت الأحداث السابقة إلى ارتفاع الين لأكثر من 11% مقابل الدولار لتصبح قيمته 143.95 ين للدولار الواحد، وهو حدث صادم جدًا في سوق الصرف.

من المعلوم أن زيادة قيمة العملة يُعد عاملًا سلبيًا يعيق التصدير. ولما كان سوق الأسهم اليابانية النشطة مكشوفة بشدة أمام تأثيرات الاقتصاد العالمي، فهي تمثل مكانًا مناسبًا لبدء تقليل المخاطرة عندما تدخل صناديق التمويل العالمية في حالة الفوضى.

رغم الخطاب المتفائل الأخير عن عودة اليابان والارتفاع الجميل الذي سجلته أسهم طوكيو في يوليو، فإن القضية لم تحظ بالدعم الكافي. فلم تكن لدى المستهلكين الداخليين -أفرادًا ومؤسسات- ثقة حقيقية في شراء الأسهم، ما يعني أن الدفعة القوية كان يقودها المستثمرون الأجانب. هذا يعني أن هؤلاء السياح الاستثماريين يمكنهم الانسحاب من السوق بسرعة خاطفة، وهو ما حدث بالفعل.

اقرأ أيضًا:

هل يعود اقتصاد اليابان إلى مرتبة الاقتصاد الناشئ؟

هل اقتصاد الولايات المتحدة اقتصاد مخطط؟

ترجمة: محمد ياسر الجزماتي

تدقيق: جلال المصري

المصدر