يعد التقدم بالعمر أمرًا طبيعيًا لا مفر منه، وقد يكون مرعبًا للبعض؛ لذا تدور الكثير من الخرافات حوله. من الضروري والمهم مواجهة العديد من الخرافات المتعلقة بالتقدم بالعمر. وسنثبت في هذا المقال خطأ بعض هذه الخرافات المتعلقة بالتمارين الرياضية والقدرات المعرفية والجنس وغيرها الكثير.
1. الضعف الجسدي قدر حتمي
في الحقيقة، هذا صحيح لكن جزئيًا. فمن جهة، في أثناء تقدمنا بالعمر، تصبح أجسادنا ضعيفة وهشة بسبب سنوات من الاستخدام والإجهاد. ومن جهة أخرى، ليس من الضروري أن يكون الضعف الجسدي كاملًا.
فقد أكدت منظمة الصحة العالمية WHO بأنه: «يمكن تجنب العديد من المشكلات والأمراض المتعلقة بالتقدم بالعمر بواسطة ممارسة التمارين الرياضية المنتظمة واتباع نظام غذائي صحي». من هذه المشكلات هو انخفاض القدرة على الحركة والبدانة وارتفاع الضغط الدموي وترقق العظام وانخفاض الكثافة العظمية.
حديثًا، أشارت بعض الدراسات والبحوث إلى أن مجرد توقع حدوث الضعف الجسدي سيزيد من احتمال حدوثه.
ففي إحدى الدراسات، استطلع الباحثون 148 مسنًّا حول أعمارهم ونظام حياتهم وتطلعاتهم الصحية. وتوصلوا إلى أن الآمال والتطلعات المتعلقة بالتقدم بالعمر «تؤدي دورًا مهمًا في احتمال اتباع المسنين نظامًا حياتيًا نشيطًا ويمكنها التأثير في الحالة الصحية، كالنشاط الجسدي».
وفي دراسة أخرى بحثت في ردة فعل الأفراد تجاه التقدم بالعمر خلال الفترة الوسطى والمتأخرة من الشيخوخة (أي ما بين 50 إلى 60 سنة) وكيف بإمكان ردود أفعالهم أن تؤثر على طول عمرهم. توصل الباحثون إلى أن «المسنين الذين يمتلكون نظرةً شخصيةً إيجابيةً للشيخوخة تمتد لما لا يقل عن 23 عامًا، عاشوا 7 سنوات ونصف أكثر من أولئك الذين يمتلكون نظرة أقل إيجابية تجاه التقدم بالعمر».
2. لا ينبغي للمسنين ممارسة التمارين الرياضية
بالنظر للفقرة السابقة، يمكن بوضوح استنتاج أن هذه خرافة. فتبعًا لمقال يُعنى بالمسنين نُشِر في مجلة Neuropsychobiology، إن الحفاظ على نشاط بدني مستمر قد يزيد من قوة العضلات ويقلل من الشحوم ويحسن الصحة العقلية.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك دلائل قوية تشير إلى أن ممارسة التمارين المنتظمة يخفض خطر تطور مرض ألزهايمر وكل أنواع الخرف وفقدان الذاكرة الأخرى.
وجدت دراسة تضمنت 1,740 مسنًّا، أن الممارسة المنتظمة للتمارين الرياضية كانت «مرتبطة بتأخر واضح في تطور الخرف ومرض ألزهايمر».
رغم ما سبق، يجب على الأشخاص استشارة طبيبهم الخاص قبل البدء باتباع برنامجٍ رياضي جديد في حالِ كانوا يملكون حالة صحية معينة. على سبيل المثال، تؤكد المنظمة الصحية الوطنية National Health Service-NHS في المملكة المتحدة على أن الأشخاص الذين يعانون حالة صحية معينة متعلقة بالتقدم بالعمر، مثل ترقق العظام، يجب عليهم تجنب التمارين الرياضية المجهدة.
لكن باستطاعة الغالبية العظمى من المسنين ممارسة نوع معين من النشاط الجسدي.
3. يحتاج المسنّون إلى كمية قليلة (أو كثيرة) من النوم
يظن البعض أن الأشخاص المسنين يحتاجون إلى كمية أكثر من النوم مقارنة باليافعين. ربما يأتي هذا الاعتقاد من ميل المتقدمين بالعمر نحو الاستمتاع بقيلولة قصيرة ضمن اليوم. في المُقابل، يقول البعض إن المسنين يحتاجون إلى كمية أقل من النوم، وغالبًا منشأ هذا هو ميل المتقدمين بالعمر إلى الاستيقاظ باكرًا في الصباح.
تتميز هذه الخرافات بصعوبة نفيها وإثبات خطئها بسبب تعدد العوامل المكونة لها. بدايةً، الشيء الوحيد الحقيقي وغير المشكوك به هو أن المتقدمين بالعمر يعانون حقًا صعوبة في الخلود إلى النوم وأن نومهم يميل لأن يكون مجزأً ومتقطعًا. وغالبًا هذا هو سبب ميلهم إلى اعتماد قيلولة قصيرة ضمن اليوم.
قد تؤثر التغيرات التي تصيب الجسد البشري مع التقدم بالعمر في إيقاع الساعة البيولوجية بصورة تؤدي إلى اضطرابها؛ وهذا ما سيؤثر في مدة النوم ونوعيته. بمعزل عن الاضطراب في الساعة البيولوجية، قد تسبب بعض الأمراض شائعة الحدوث عند المسنين، مثل التهاب المفاصل التنكّسي osteoarthritis، وترقق العظام osteoporosis، ألمًا وإزعاجًا، سيكون له تأثيرٌ سلبي فيما يخص القدرة على النوم أو الاستمرار فيه.
بصورة مماثلة، قد تسبب بعض الحالات المرضية تقطع التنفس وقِصره، مثل الداء الرّئوي السّاد المزمن chronic obstructive pulmonary disease-COPD وفشل القلب الاحتقاني congestive heart failure؛ الذي سيسبب صعوبة في النوم.
تبعًا لمقالة تُعنى بالمسنين، بإمكان بعض الأدوية، مثل حاصرات بيتا والموسعات القصبية والستيروئيدات القشرية ومضادات الاحتقان والمُدرات البولية، أن تؤثر في النوم. ويتناول المُسنون هذه الأنواع من الأدوية غالبًا، وأحيانًا أكثر من نوعٍ واحد في ذات الوقت.
ينص مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها Centers for Disease Control and Prevention-CDC أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 61 و64 يحتاجون كل يوم نحو 7-9 ساعات من النوم، أما الذين يبلغون 65 من العمر أو أكبر يحتاجون إلى نحو 7-8 ساعات من النوم يوميًا. تكمن المشكلة الأساسية في صعوبة الخلود إلى النوم لا بكميته.
4. فقط النساء تُصَبن بترقق العظام مع الشيخوخة
ترقق العظام هو حالة تصبح فيها العظام تدريجيًا هشة وضعيفة. وبعضهم يظن أنها حالة خاصة بالنساء فقط. لكن هذا خاطئ كليًا؛ قد يصيب ترقق العظام المسنين من كلا الجنسين. لكنه يكون غالبًا أكثر شيوعًا عند المسنين والأشخاص ذوي البشرة البيضاء والنساء.
تبعًا لمقالة شاملة عن ترقق العظام، قدّرت فيها المؤسسة العالمية لترقق العظام بأنه عالميًا واحدة من كل ثلاث نساء فوق سن الـ 50 ستعاني ترققًا في العظام، وواحد من كل خمسة رجال سيعاني كسرًا في عظامه ناجم عن ترقق العظام خلال مسار حياتهم.
تنصح المؤسسة الوطنية للتقدم بالعمر National Institute on Aging المسنين على المواظبة في تناول الطعام الغني بالكالسيوم وفيتامين د والتمارين الرياضية اليومية بهدف خفض خطر تطور ترقق العظام.
5. مع التقدم في العمر، دماغك يصبح أبطأ في العمل
يشير مصطلح التدهور المعرفي cognitive decline إلى الانخفاض التدريجي في القدرة العقلية على العمل مع التقدم بالعمر، لكن وقبل مناقشة الأفكار المتعلقة بهذه الحالة، دعونا نثبت خطأ بعض الخرافات المحيطة بها:
- الخرف قدر حتمي للتقدم بالعمر:
تبعًا لمنظمة الصحة العالمية WHO، يزداد خطر الإصابة بالخرف مع العمر، لكن ليس من الضروري أن يصيب كل المسنين. فعالميًا، نحو 5-8% من الأشخاص فوق 60 من العمر مصابون بالخرف. هذا يعني أن 92-95% من الأشخاص فوق 60 أو أكبر لا يعانون الخرف.
- التدهور المعرفي يؤدي إلى الخرف:
على عكس المعتقد الشائع، فإن التدهور المعرفي ليس من الضروري أن يعني بداية تطور الخرف.
صحيح أن الأشخاص الذين يصابون بالخرف يميلون لأن يصابوا بتدهور معرفي في البداية، لكن هذا لا يعني أن كل من عانى تدهورًا معرفيًا سينتهي قدره بالخرف.
قدّرت دراسة مَعنية بالمسنين أن 22.2% من الأشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية بعمر 71 أو أكبر سيعانون تدهورًا معرفيًا. كل سنة 11.7-20% من هؤلاء سيصاب بالخرف.
من المهم الإشارة إلى وجود أساليب وطرق مختلفة لخفض خطر تطور التدهور المعرفي.
ففي عام 2015، قيمت رابطة مرض ألزهايمر الدلائل المتعلقة بعوامل الخطر القابلة للتعديل الخاصة بكل من الخرف والتدهور المعرفي. وقدمت الرابطة تقريرها لمجلس الخرف العالمي World Dementia Council، إذ أكدت فيه على «وجود كمية كافية من الدلائل التي تدعم العلاقة بين مجموعة من عوامل الخطر القابلة للتعديل وانخفاض خطر تطور التدهور المعرفي».
من العوامل التي حددتها الرابطة في تقريرها والتي كان تعديلها والسيطرة عليها مرتبطًا بقوة في خفض خطر تطور التدهور المعرفي: المحافظة المستمرة على النشاط الجسدي والسيطرة على عوامل الخطر القلبية الوعائية من مرض السُّكري والبدانة والتدخين وارتفاع الضغط الدموي.
وجد الباحثون أن اتباع نظام غذائي صحي والاستمرار في التعلم والنشاط العقلي له دور في خفض خطر تطور التدهور المعرفي.
6. لم يعد من المفيد الإقلاع عن التدخين في هذا العمر المتأخر:
سواء كان ما سبق خرافة أم مجرد عذر، يعتقد بعض المسنين بعدم جدوى الإقلاع عن التدخين في عمرهم. لكن هذا خاطئ تمامًا. فقد أكدت منظمة الصحة الوطنية NHS بوضوح:
«مهما كان عدد السنوات التي دخنت فيها ومهما كان عدد السجائر التي دخنتها في اليوم، ستتحسن صحتك فور إقلاعك عن التدخين. تظهر بعض الآثار الصحية بسرعة، وبعضها الآخر يحتاج إلى وقت أطول، لكن ما يهم هو أن الفرصة للتوقف لا تضيع أبدًا».
7. مع التقدم بالعمر تصبح الممارسة الجنسية نادرة أو مستحيلة:
يظن بعض الأشخاص أن المسنين يفقدون قدرتهم على الاستمتاع بالجماع وأن أعضاءهم الجنسية تصبح عاجزة عن أداء وظيفتها كلما تقدم بهم العمر، لحسن الحظ فهذه أيضًا خرافة.
صحيح أن خطر حدوث خلل الانتصاب erectile dysfunction-ED عند الذكور والجفاف المهبلي عند الإناث يزداد مع التقدم بالعمر، لكن لا تعد هذه المشكلات مستعصية أو قاهرة بالنسبة لمعظم الأفراد.
فبإمكان دواء السيلدينافيل (الفياجرا) والمزلّقات أو الكريمات الهرمونية أن تحدث المعجزات في العديد من هذه الحالات. لكن وقبل الذهاب لشراء الفياجرا، لا بد من استشارة طبيب مختص، لأن هذا الدواء ليس مناسبًا للجميع.
ذكرت إحدى المقالات المنشورة في المجلة الدولية للممارسة السريرية International Journal of Clinical Practice أن 0.4% من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18-29 سنة يعانون خللًا في الانتصاب، وذلك مقارنة بـ 11.5% من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 60-69 سنة. لكن بقلب النسبة نستنتج أنه تقريبًا 9 من أصل 10 رجال في عمر 60 لا يعانون خللًا في الانتصاب.
من جهة أخرى، قد يكون للتقدم بالعمر فوائد على الحياة الجنسية؛ فمثلًا، مع التقدم بالعمر يصبح العضو الذكري أقل حساسية مما كان عليه، وهذا ما قد يساعد البالغ في المحافظة على الانتصاب مدة أطول.
نًشر هذا المقال في موقع Medical News Today
اقرأ أيضًا:
الصيام يحسن من الصحة العامة ويحمي من الأمراض المرتبطة بالشيخوخة
مركب موجود في التفاح قد يبطئ الشيخوخة
الجذور الحرة والشيخوخة لماذا نتقدم بالعمر ونموت
ترجمة: يونس أغيث الجنيدي
تدقيق: نغم رابي