سواء كان الأمر يتعلق بالتغيب عن العمل أو التظاهر بالإصابة بالسرطان، فإن سلوك التمارض –التظاهر بالمرض- يكون دائمًا مدفوعًا بمكاسب شخصية. يبدو أن كثير منا يفعل ذلك.

ربما اتصلت بالعمل يومًا لتخبرهم أنك مريض حتى تتمكن من الذهاب إلى حفلة موسيقية لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر. أو ربما أخبرت والديك أنك تشعر بالغثيان الشديد لدرجة أنك لا تستطيع تناول ذلك الطبق الذي تكرهه بشدة. أو ربما أخبرتهم أنك تعاني صداعًا حتى تتمكن من البقاء في المنزل ومشاهدة برنامجك التلفزيوني المفضل.

هل اتهمك أحد من قبل أنك متمارض؟

لقد كانوا على حق غالبًا، فهذا بالضبط ما كنت تفعله!

مثل العديد من السلوكيات الأخرى، ربما يكون من الأفضل وصف التمارض بأنه طيف. في بعض الأحيان، قد يكون التغيب عن المدرسة أو المبالغة في الصداع النصفي للتهرب من خطط العشاء أمرًا غير ضار إلى حد ما، لكن التمارض قد يكون ضارًا. فقد يكون مؤلمًا للغاية، وانتهاكًا للثقة، وفي بعض الأحيان، قد يكون جريمة.

توضح عالمة النفس سوزان ألبيرز، الحاصلة على درجة الدكتوراه في علم النفس، النقاط الأساسية الخاصة بالتمارض في هذا المقال.

ما التمارض؟

التظاهر بالمرض هو اختلاق أو تضخيم الأعراض الجسدية أو النفسية عمدًا لتحقيق مكاسب شخصية. قد يحتاج هذا الفعل إلى عناية طبية أو دعم. لكنه ليس تشخيصًا.

تشمل أمثلة التمارض:

  •  المشي مع العرج أو استخدام العكازات دون حاجة إلى ذلك.
  •  التظاهر بالشعور بألم في الصدر.
  •  ادعاء نسيان أفعالك أو سلوكك.
  •  تسخين مقياس الحرارة لإعطاء انطباع بالحمى.
  •  التلاعب بعينة الدم أو البول.
  •  التظاهر بحالة طوارئ تتعلق بالصحة العقلية.
  •  التقصير عمدًا في التقييم لإقناع شخص ما أنك تعاني عجزًا إدراكيًا.
  •  حلق رأسك والادعاء أنك تتلقى علاجًا للسرطان.

مع أن الأشخاص الذين يعانون أمراضًا نفسية معينة أو اضطرابات في الشخصية قد يكونون أكثر عرضة للانخراط في سلوك التمارض، فإن التمارض بحد ذاته ليس مشكلة تتعلق بالصحة العقلية.

يختلف التمارض عن اضطراب الأعراض الجسدية واضطراب التحويل، إذ يعاني الأشخاص المصابون بهذه الحالات أعراضًا حقيقية، أما الشخص المتمارض فإما أنه لا يعاني أي أعراض على الإطلاق وإما يبالغ عمدًا في شدتها.

من السهل أيضًا الخلط بين التمارض والاضطراب المصطنع «متلازمة مونشهاوزن». كما سنبين لاحقًا.

أسباب التمارض:

لتحديد هل الشخص يتظاهر بالمرض أو لا، توضح الدكتور ألبيرز أن على الطبيب تحري وجود مكسب شخصي يحفز هذا السلوك.

من أمثلة ذلك:

  •  تجنب المدرسة أو العمل أو المسؤوليات الشخصية.
  •  تجنب المواقف الضارة أو المجهدة.
  •  الإعفاء من الخدمة العسكرية أو الخدمة في هيئة المحلفين.
  •  التمكن من الوصول إلى الأدوية الموصوفة طبيًا.
  •  تلقي التبرعات الخيرية أو إعانات الإعاقة.
  •  الفوز بالقضايا المدنية أو الجنائية.

مع أن التمارض ليس حالة طبية، قد يكون عرضًا لمشكلة نفسية كامنة.

يلاحظ الأطباء التمارض في الحالات التالية:

  •  اضطراب تعاطي المواد.
  •  اضطرابات الشخصية.
  •  اضطرابات ذهنية.
  •  اضطراب الاكتئاب الشديد.
  •  اضطراب ما بعد الصدمة.
  •  اضطراب ما بعد الصدمة المعقد.

توضح الدكتور ألبيرز أن العاملين في مجال الرعاية الصحية يجب أن يكونوا حذرين عندما يواجهون حالات محتملة من التمارض، فهم لا يريدون تجاهل مشكلة صحية حقيقية أو تعريض أنفسهم للمساءلة القانونية دون داع.

علامات تدل على أن الشخص يتمارض:

نظرًا إلى أن التمارض ليس حالة طبية، فلا توجد أعراض له، لكن قد توجد بعض السمات المشتركة التي يتحرى الأطباء وجودها عند تقييم الشخص المشتبه في تمارضه.

أحيانًا، يكون سلوك التمارض واضحًا، وفي أحيان أخرى يصعب اكتشافه.

ومع وجود الإنترنت، أصبح لدى أكثرنا إمكانية الوصول بسهولة إلى المعلومات المتعلقة بالحالات الطبية والأعراض مقارنةً بما كان عليه الحال في الماضي.

تشير الدكتور ألبيرز إلى أنه من الرائع أن يشعر الكثير من الناس بالراحة في مشاركة تجاربهم مع الحالات الصحية الجسدية أو العقلية، لكن بعض المشاهدين قد يسيئون استخدام هذه المعلومات، ومن الأسهل وصف الأعراض المعقدة إذا سمعت شخصًا يعاني بالفعل من هذه الحالة يتحدث عنها.

توصلت الدكتور ألبيرز إلى أن أفضل طريقة للتعرف على التمارض هي بملاحظته مرارًا.

«أعتقد أن الأمر يتعلق بالوقت والخبرة. فبعد سنوات عديدة من العمل في هذا المجال، أستطيع رصد العلامات التحذيرية وتحديد الأنماط بشكل أسرع كثيرًا مما كنت أفعله في السابق».

ما يقود إلى نقطة مهمة: إذا كنت تقرأ هذا المقال لأنك تشك أن شخصًا ما يتمارض، فلا تحاول مواجهته أو اتهامه أو فضحه، فقط اترك هذه المهمة للمختصين. من المهم عدم تكوين مثل هذه الافتراضات، أو التصرف بناءً عليها، لسببين:

1- قد تكون مخطئًا:

تحديد كون الفرد يتمارض ليس شيئًا يعتمد الأطباء على إحساسهم لتحديده، فهي عملية معقدة تتطلب جمع المعلومات والمقابلات السريرية وأدوات التقييم النفسي والمراجعة الطبية، واعتمادًا على الموقف، فقد يكون للخطأ عواقب وخيمة.

2- المخاوف الأمنية:

لا يمكنك معرفة كيف سيستجيب الشخص المتمارض إذا شعر بتهديد، فقد يتخذ تدابير متطرفة لإقناعك بأنه مريض، تتضمن إيذاء نفسه، وقد يصبح الفرد عنيفًا.

لذا، لا تفكر في العلامات التحذيرية بأنها علامات حاسمة، بل فكر أنها علامات تشير إلى أن الوقت قد حان لمشاركة مخاوفك مع شخص لديه المهارات والخبرة اللازمة لإجراء تقييم سليم.

تقول الدكتور ألبيرز: «دورك صديقًا أو فردًا من العائلة هو الانضمام إلى المتخصصين ومساعدتهم في الحصول على المعلومات التي يحتاجون إليها وتقديم الدعم لأحبائك».

إن اختلاق كذبة معقدة أمر أصعب مما تتصور، لهذا يجمع الأطباء الذين يقيّمون حالة تمارض محتملة قدرًا كبيرًا من المعلومات، ومن المرجح أن يجدوا اختلافات في الطريقة التي يعرض بها الأفراد حالتهم بمرور الوقت، لن يذكر تقرير الشرطة الإصابات ذاتها المذكورة في مطالبة التأمين، ولن يتوافق أيضًا مع سجلاتهم الطبية أو شهادتهم في المحكمة. من أمثلة الاختلافات التي قد تظهر:

تباين الأعراض:

من الشائع أن تختلف أعراض الحالات الصحية وفقًا للموسم والوقت من اليوم والنشاط وعوامل أخرى، لكن عندما يتمارض الشخص، فإنه لا يعاني أي أعراض حقًا.

لذلك، تميل أعراضه إلى التفاقم عندما يكون ذلك مناسبًا. مثلًا قبل الاختبار مباشرةً، أو عند وصول الأقارب، أو في اليوم السابق لعطلة نهاية الأسبوع.

وجود كل الأعراض:

غالبًا عندما نمرض، نعاني بعض الأعراض دون غيرها، فنشعر -مثلًا- بألم في الحلق لكن لا نعاني آلامًا في العضلات، أو نعاني تصلب الرقبة لكن دون طفح جلدي.

أما المتمارضون فيحاولون إثبات مرضهم، فيذكرون إنهم يعانون كل الأعراض، متضمنةً الأعراض النادرة.

نتائج الامتحانات السلبية:

عند تقييم شخص ما لتحديد ما إذا كان متمارضًا، يراجع الأطباء الكثير من السجلات الطبية وقد يتواصلون مع أطباء آخرين لمعرفة وجهة نظرهم. إذا وجدوا أن المريض ذهب إلى أكثر من طبيب ولم يحدد أي منهم المشكلة، أو أن جميع فحوصات المختبر الخاصة به كانت سليمة، فقد يثير ذلك الشكوك.

إذا كان طفلك يتظاهر بالمرض لتجنب الذهاب إلى المدرسة لأنه يتعرض للتنمر، فقد حان الوقت لتحديد موعد مع معلمه.

إذا كان شريكك يتظاهر بإصابة مؤلمة لأنه يعاني اضطراب تعاطي المواد الأفيونية، فقد يحتاج إلى الانضمام إلى مجموعة دعم أو دخول مؤسسة علاجية.

إذا كنت تتظاهر بالمرض لتجنب مراجعة الأداء في العمل، فأنت بحاجة إلى العمل مع معالج على تقنيات إدارة الإجهاد.

اعتمادًا على الموقف، قد تحتاج أيضًا إلى طلب الدعم في مجال الصحة العقلية، مع أن التظاهر بالفشل ليس بالضرورة الهدف، فإنه يُعد انتهاكًا للثقة.

اقرأ أيضًا:

متلازمة مانشاوزن: حين يفعتل المريض اضطرابًا غير موجود أساسًا

الاضطراب المفتعل – حينما يصبح المريض مزورًا محترفًا أو ربما قاتلًا!

ترجمة: يارا سلامة

تدقيق: جلال المصري

المصدر