يأتي قدوم المولود مع الكثير من التغيرات في غرفة النوم. إذ في حين أنها كانت على الأرجح مكانًا للراحة والهدوء والتعبير عن الحميمية، فإن مجيء المولود قد يجعل هذه الأشياء تبدو بعيدة جدًا.
تقول طبيبة النساء والولادة جاكلين زوبونسيك: «ممارسة الجنس بعد الولادة هو أحد الأشياء التي يتجنب الناس عادةً التحدث عنها، لكن ينبغي أن نتحدث عنه أكثر، إذ يوجد الكثير من الأمور الجسدية والنفسية التي تؤثر في حياة الوالدين الجنسية بعد الإنجاب».
يعتاد الوالدان دور الأبوة الجديد بمرور الوقت، ثم يصبحون في نهاية المطاف أميل إلى الحميمية بدلًا من مجرد محاولة الحصول على قسط من النوم.
ما الفرق بين الشعور بالاستعداد لممارسة الجنس مجددًا والموافقة الطبية؟
تختلف تجربة الإنجاب بين الأمهات بدرجات متفاوتة، سواء من ناحية الولادة أو فترة ما بعد الولادة أو الرغبة الجنسية.
تقول زوبونسيك إن الحصول على الموافقة الطبية لممارسة الجنس بعد الولادة في وقت معين لا يعني بالضرورة أن الأم ستشعر بالاستعداد للجماع في ذلك الحين.
«تتحدد الرغبة الجنسية لدى النساء بمحفزات بيولوجية ونفسية واجتماعية، فهي بمثابة لائحة تحقق في اللاوعي لديهن».
تتضمن المحفزات البيولوجية مثلًا الهرمونات والتعافي الجسدي وألم الثدي والإرهاق. في حين تمثل المحفزات النفسية في هذه الحالة اكتئاب ما بعد الولادة، فقد تشعر بعض الأمهات مثلًا بالاستياء عندما لا يستطعن الاستحمام أو تنظيف أسنانهن بسبب انشغالهن مع الرضيع.
أخيرًا، قد تشير المحفزات الاجتماعية مثلًا إلى ما يعنيه دور الأبوة للشريكين والطريقة التي يتعاملان بها معًا في هذا الدور الجديد. إضافةً إلى المشاغل الأخرى، مثل التنظيف والترتيب وغسل ملابس الرضيع التي لا تنتهي.
أي أن الأم قد تشعر بعدم الاستعداد أو الرغبة في ممارسة الجنس بعد الولادة بصرف النظر عن الوقت الذي يعدّها فيه الطبيب مستعدة جسديًا لذلك. هذا أمر طبيعي وتنبغي مراعاته.
متى تمكن ممارسة الجنس بعد الولادة؟
تعتمد التوصيات الطبية بالوقت الذي يصبح فيه الجنس آمنًا بعد الولادة غالبًا على طبيعة الولادة ذاتها، لكن ينصح الأطباء عمومًا بالانتظار فترةً تبدأ من أسبوعين إلى ستة أسابيع قبل ممارسة الجنس بعد الولادة.
توجد بعض الأسباب وراء أهمية الانتظار، مثلًا، تحتاج عضلات الحوض التي تحيط بالمهبل وتدعم المثانة البولية إلى بعض الوقت للتعافي، إضافةً إلى أن عنق الرحم يتطلب وقتًا حتى يعود إلى حالته التي كان عليها قبل الولادة، ومن ثم فهو يصبح أكثر عرضةً لدخول العدوى خلال فترة التعافي.
تقول زوبونسيك: «يستحسن تجنب إدخال أي شيء في المهبل في الأسابيع الأولى بعد الولادة، مثل السدادات القطنية واللعاب والقضيب والأصابع والألعاب الجنسية. إذ ما يزال عنق الرحم في ذلك الوقت مفتوحًا، ما يسهل على البكتيريا الدخول إلى الرحم والتسبب بعدوى خطيرة».
ممارسة الجنس بعد الولادة الطبيعية:
ينصح الأطباء غالبًا الأمهات اللائي تعرضن لتمزق أو رضوض شديدة في الفرج بتجنب ممارسة الجنس طوال ستة أسابيع بعد الولادة.
تقول زوبونسيك: «عند خياطة الجروح بعد الولادة، تتطلب الغرز وقتًا حتى تلتئم وتصبح قادرة على تحمل الجماع، لذا ينبغي الانتظار إلى أن تُشفى الغرز تمامًا قبل ممارسة أي نشاط جنسي سواء كان الإيلاج أو الجنس الفموي».
بإمكان الأم التي لم تتعرض إلى أي تمزق أو مضاعفات في أثناء الولادة المهبلية ممارسة الجنس بعد مرور أسبوعين فقط وفقًا لبعض الأطباء.
ممارسة الجنس بعد الولادة القيصرية:
ينصح الأطباء عادةً الأمهات بتجنب الجماع ستة أسابيع على الأقل بعد الولادة القيصرية، ويرجع ذلك إلى أن الجرح يستغرق بعض الوقت للشفاء ويجب الانتظار طوال هذه المدة لتجنب أي مضاعفات. فضلًا عن ذلك، تتعرض النساء اللائي ينجبن بولادة قيصرية غالبًا إلى توسع عنق الرحم قبل الولادة، أي أن عنق الرحم يظل مفتوحًا بعد العملية، ما يزيد التعرض للعدوى.
كيف تصبح العلاقة الحميمة بعد الولادة؟
قد تبدو الرغبة والتجربة الجنسية مختلفتين عما عهده الشريكان في السابق طوال فترة من الوقت، لكن تنصح زوبونسيك بالتمهل والتواصل مع الشريك بصراحة.
«قد تنجح بعض الحلول وتفشل الأخرى، لذا تُفضل ممارسة العلاقة الحميمة بتفكر، ومصارحة الشريك بالأشياء التي تنجح وغيرها التي تفشل، لا سيما في المرات الأولى».
ممارسة الجنس بعد الولادة قد تسبب بعض الانزعاج في البداية:
الشعور بالألم في أثناء الجماع ليس طبيعيًا، لكن من المتوقع أن تشعر النساء بالانزعاج في المحاولات الأولى لممارسة الجنس بعد الولادة. عند تكوّن النسيج الليفي في المهبل، تصبح تلك المنطقة أقل مرونةً من النسيج المهبلي الطبيعي، بيد أنه يلتئم بمرور الوقت ويصبح أكثر ليونة، لا سيما عند محاولة ممارسة الجنس أكثر من مرة.
تنصح زوبونسيك أيضًا الأمهات المرضعات بارتداء حمالة صدر في أثناء الجماع لتجنب تسرب الحليب، وهن أيضًا أكثر عرضةً للجفاف المهبلي.
«ينخفض هرمون الإستروجين لدى الأمهات المرضعات، ما يجعل النسيج المهبلي رفيعًا للغاية بعد أن كان مرنًا ورطبًا».
يبدأ جفاف المهبل وآلام ندبات المهبل بالتحسن تدريجيًا بعد التوقف عن الرضاعة أو عودة الدورة الشهرية، لكن تنبغي استشارة الطبيب حال استمر الشعور بالألم في أثناء الجماع بعد عدة محاولات، للحصول على أدوية أو مزلقات لتخفيفه. تقول زوبونسيك أيضًا إن بعض الأمهات قد يستفدن من العلاج الطبيعي الذي يعزز عضلات الحوض.
ربما تنخفض الرغبة الجنسية بعد الحمل:
تمر الأم بالكثير من الأحداث عند الحمل والإنجاب، وتزداد مسؤولياتها بعد الولادة عندما تجد نفسها مسؤولة عن رضيع يعتمد عليها ليلًا ونهارًا، لذا قد يصبح الجماع آخر أولوياتها.
«تمر الأمهات بالكثير عند انشغالهن رعاية المولود الجديد، إذ يجب عليهن مواجهة روتين جديد مختلف تمامًا، لذا فمن الطبيعي أن يصبح الجماع آخر اهتماماتهن، لكن تزداد رغبتهن الجنسية عادةً بمرور الوقت».
قد يُعزى انخفاض الرغبة الجنسية لدى الأمهات إلى اكتئاب ما بعد الولادة، الذي يصيب قرابة 85% منهن. إذ تصبح الأم المصابة باكتئاب ما بعد الولادة أكثر عرضةً للبكاء والقلق والحزن دون سبب واضح طوال أسبوع أو أسبوعين بعد الولادة. تكون الأعراض طفيفة نسبيًا لكن تنبغي استشارة الطبيب إذا استمرت فترةً طويلة.
متى يمكن الحمل مجددًا بعد الولادة؟
يوصي المجلس الوطني لصحة النساء بالفصل بين كل حمل وآخر بمقدار 12 شهرًا على الأقل، لكن ينصح بعض الأطباء بالانتظار قرابة 18 شهرًا قبل الحمل بالطفل التالي، ويرجع ذلك إلى أن خطر التعرض لمضاعفات الحمل مثل الولادة المبكرة واكتئاب ما بعد الولادة يصبح أكبر عند تتالي عمليات الحمل دون فاصل كافٍ.
تقول زوبونسيك إن التبويض يعود بعد الولادة بقرابة 39 يومًا لدى الأمهات غير المرضعات، إلى جانب أن التبويض يبدأ قبل الدورة الشهرية، ما يعني أن الأم قد تحمل مجددًا بعد الولادة حتى وإن لم تبدأ دورتها الشهرية بعد.
«ينبغي للأمهات غير الراغبات في الحمل اتباع وسيلة لمنع الحمل منذ مغادرتهن المستشفى بعد الولادة، بدلًا من الانتظار حتى عودة الدورة الشهرية مجددًا، إذ قد يكون الأوان قد فات في ذلك الوقت».
ما وسائل منع الحمل المناسبة في مرحلة ما بعد الولادة؟
لا تختلف خيارات الأم لمنع الحمل بعد الولادة كثيرًا عن خياراتها قبل الإنجاب، وتتضمن:
- حبوب منع الحمل.
- اللولب الرحمي.
- غرسات منع الحمل الهرمونية.
- الواقي الذكري.
- ملصقات منع الحمل.
- حلقات المهبل.
قد يؤثر هرمون الإستروجين في بعض موانع الحمل في إدرار الحليب لدى المرضعات، غير أن البحوث متضاربة في هذا الشأن، لذا فقد يصف بعض الأطباء وسائل منع حمل أخرى لا تحتوي على الإستروجين، مثل حبوب البروجيستوجين المعروفة باسم الحبوب الصغيرة، أو أنواع محددة من اللولب الرحمي.
تقول زوبنسيك: «يمكن استخدام بعض وسائل منع الحمل طويلة الأمد مثل اللولب الرحمي وملصقات منع الحمل بعد الولادة وقبل مغادرة المستشفى، ما يمنح الأم شعورًا بالطمأنينة لأنها محمية من الحمل غير المتوقع».
خلاصة القول إن الاستعداد لممارسة الجنس بعد الولادة يعتمد على التهيئة الجسدية والنفسية، لذا ينبغي الانتباه لإشارات الجسم، والتحدث مع الطبيب لمواجهة أي مخاوف، ومع أن الجماع بعد الولادة قد يختلف بعض الشيء عما كان عليه في السابق، يمكن إيجاد حل مع بعض الوقت والصبر.
اقرأ أيضًا:
لماذا تتغير العلاقة الزوجية بعد إنجاب أول مولود؟
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: أكرم محيي الدين
مراجعة: لبنى حمزة