إن القوى الأساسية الأربع للطبيعة، هي: قوة الجاذبية ، والقوة الكهرومغناطيسية ، و القوة النووية الشديدة التي لها تأثيرات جانبية، و القوة النووية الضعيفة. تتفاعل كل هذه القوى مع جسيمات معينة، ولها مداها وقواها الناقلة، أو ما يعرف بحاملات القوة، وهي الجسيمات التي تنقل القوة عبر انتقالها بين الجسيمات الواقعة تحت تأثيرها.
يرتبط مدى أي قوة ارتباطًا مباشرًا بحاملاتها، ويُعزى هذا إلى أن هذه الحاملات يجب أن تنبعث من جسيم، وتصل إلى الآخر، ما ينتج عنه نشوء القوة. ومع ذلك، يمكن عد الجسيمات المنبعثة في وضع السكون بالنسبة لإطارها المرجعي الخاص، إن انبعاث أي قوة تحمل جسيمات يتناقض مع قانون حفظ (الطاقة– الكتلة)؛ ونظرًا لأن حاملات القوة تحتوي على بعض الطاقة، فمن الممكن حدوث ذلك تحت مسمى: مبدأ الريبة (uncertainty principle).
لا يمكن لكمية الطاقة المستعارة المضروبة بزمن الاستعارة أن يتعدى ثابت بلانك؛ نظرًا لأن مقدار الطاقة في الجسيمات يساوي الكتلة (m) ضرب مربع سرعة الضوء (c)؛ إذ أن زمن الوجود لا يمكن أن يتخطى ثابت بلانك (h) مقسومًا على (الكتلة ضرب مربع السرعة).
إن أقصى مسافة يمكن لحاملات القوة أن تقطعها في وقت ما، هو حاصل ضرب سرعة الضوء في الزمن، ولا بد للناتج أن يساوي ثابت بلانك مقسومًا على (الكتلة ضرب السرعة)، وهذا المدى هو أقصى مدى لأي قوة، اعتمادًا على الثوابت -ثابت بلانك، وثابت سرعة الضوء، وكتلة حامل القوة- نظرًا لأنها أقصى مسافة يمكن أن يقطعها حامل قوة دون انتهاك مبدأ الريبة.
القوة الكهرومغناطيسية:
تعمل القوة الكهرومغناطيسية ما بين الجسيمات التي تحتوي على شحنة كهربائية، وتُعد الفوتونات هي حاملات القوة بالنسبة للقوة الكهرومغناطيسية، التي عادةً ما تُسمى بـ (موجات الضوء)، ويُشار للقوة الكهرومغناطيسية بعدة مسميات، منها: (أشعة جاما-gamma rays), و(أشعة اكس-X-rays)، و(الضوء المرئي)، و(موجات الراديو)، إضافةً إلى مسميات أخرى تتنوع اعتمادًا على طاقتها.
لا تمتلك الفوتونات أية كتلة، ما يعني -وفقًا للحسابات السابقة- أنه لا حدود على مسافة التأثير للقوة الكهرومغناطيسية، ولا تمتلك أيضًا شحنةً كهربائيةً، أو لونًا، كما أنها لا تمتلك (عدد غرابة- strangeness)، و(خادع- charm)، و(علوية- up)، و(سفلية- down)، إشارةً إلى حالات الكواركات المختلفة، ولكنها تمتلك عدد كمٍ مغزلي مقداره واحد.
تتناسب شدة القوة الكهرومغناطيسية طرديًا مع مقدار الشحنة الكهربائية للجسيمات، وعكسيًا مع مربع المسافة ما بين مراكز ثقل الجسيمات. وتُعد القوة الكهرومغناطيسية ثاني أقوى القوى بعد القوة النووية شديدة التأثير على المسافات في النواة، بمقدار رتبتين، ويمكن أن تكون جاذبةً أو نافرةً، إذ تتجاذب الشحنات المتماثلة، وتتنافر الشحنات المختلفة.
بالمقاييس الضخمة، غالبًا ما تكون الشحنة الكلية للمنطقة متعادلةً، وليس لها تأثير شامل، وتخلف القوة الكهرومغناطيسية قوةً جاذبةً ما بين الذرات المتعادلة كهربائيًا التي تحافظ بدورها على تماسك الذرات في جزيئات. يُشير الكيميائيون عادةً إلى هذه التفاعلات ما بين الذرات بالروابط الكيميائية -تفاعلات ثنائية الأقطاب- إلى جانب مصطلحات أخرى.
قوة الجاذبية:
وهي نتاج التفاعل ما بين الكتلة والطاقة، وهي بهذا المفهوم تشمل جميع الجسميات بدرجة أو بأخرى، وتتناسب قوة الجاذبية طردًا مع محصلة طاقات الجسيمات المتفاعلة، وعكسًا مع مربع المسافة بينها، ومع ذلك، يفرض هذا التعريف أن تكون قوة الجاذبية غير محدودة. وطبقًا للعلاقة السابقة -ولكي تكون حاملات القوة للجاذبية غير محدودة المسافة- فإنه ينبغي ألا تمتلك أية كتلة.
إن هذا الجسيم المعروف بالغرافيتون، لم يُكتشف بعد، وهو موجود نظريًا فقط، ومع ذلك وجوده حتمي حتى يكون فهمنا الحالي للقوة صحيحًا. هناك حقيقة مدهشة بشأن الجاذبية وهي أنه على الرغم من كونها أضعف القوى الأساسية -أضعف من القوة النووية الشديدة في المقدار بحوالي 42 مرة- فإن لها أعظم أثر على نطاق واسع، ويُعزى هذا إلى أن مجموع الطاقة يمكن أن يكون موجبًا، وتكون الجاذبية جذابةً بالتبعية. وبشكل كبير، تتجه خصائص الشحنات الأخرى إلى إلغاء بعضها، لكن تأثير الجاذبية يزداد بمجرد زيادة (الكتلة – الطاقة).
القوة النووية الضعيفة:
هي قوة التفاعل ما بين الكواركات والليبتونات، وكلاهما فيرميونات بعدد كم مغزلي يساوي النصف، تؤثر القوة فقط على الجسيمات التي تدور عكس عقارب الساعة، بينما تتحرك بعيدًا، أي: إن القوة النووية الضعيفة تؤثر على الجسيمات اليسارية ومضادات الجسيمات اليمينية، وتتخذ الليبتونات عدة أشكال، منها: (الإلكترون، والميون، والتاو) بشحنات سالبة، يرتبط كل واحد منها بنيترونات ذات شحنة متعادلة، بينما تظهر الكواركات في نكهات (علوية وسفلية)، (خادع-charm)، و(غريب(strange-، (فوقي وتحتي)، ويُحافظ عليها.
تحول التفاعلات النووية الضعيفة الليبتونات إلى ليبتونات أخرى، والكواركات إلى كواركات أخرى، بينما تحتفظ بهذه الصور، إن القوى النووية الضعيفة محدودة المدى -ما بين (10) إلى (18-) مترًا-، وهذا يعني أن حاملات القوة لا بد أن يكون لها كتلة، وقد وُجد أن حاملات القوة النووية الضعيفة لها ثلاثة جسيمات، بوزونان من نوع (W)، أحدهما مشحون بسالب واحد (1-)، والآخر مشحون بموجب واحد (1+)، وبوزون Z المتعادل كهربائيًا.
تمتلك بوزونات (W) كتلةً مقدارها 80.22 جيجا إلكترون فولت/مربع سرعة الضوء، ويمتلك بوزون Zكتلةً مقدارها 93.187 جيجا إلكترون فولت/مربع سرعة الضوء، ومع ذلك تمتلك جميع حاملات القوة عدد كم مغزلي مقداره واحد.
القوة الضعيفة أضعف من القوة الكهرومغناطيسية، أو القوة النووية القوية، وأصغر بمقدار خمس مرات من القوة النووية الشديدة في نواة الذرة، ومع ذلك فإن دورها محوري في عمليات اضمحلال بيتا، وعمليات فناء وإنتاج الأزواج، إضافةً إلى تفاعلات أخرى.
القوة النووية الشديدة:
وهي نتاج للتفاعل ما بين اللون والجسيمات التي تمتلك اللون، تمتلك الكواركات واحدًا من ثلاثة ألوان: هي الأخضر، والأحمر، أو الأزرق، ويكون نتاج التفاعل ما بين هذه الألوان والجسيمات الوسيطة قوةً جاذبةً تُعرف بالغلونات، التي تمتلك لونين، لون عادي وآخر مضاد للون، وينتج عن كون الغلونات عديمة الكتلة مدى غير محدود -نظريًا- لهذه القوة.
كما أنها لا تمتلك شحنةً كهربائيةً، ولها عدد كم مغزلي مقداره واحد، وفي الواقع، تبلغ هذه القوة حدًا مهولًا لدرجة أن جميع الغلونات المشحونة لونيًا مع الكوراكات تتماسك مكونةً هادرونات متعادلة لونيًا، أما الميزونات -التي تتألف من كوارك ومضاد الكوراك بلون ومضاده، أو الباريونات، التي تتألف من ثلاثة كواركات بثلاثة ألوان، متسببةً بإلغاء الحياد اللوني- فإنها تمتلك هذه القوة تأثيرًا مباشرًا داخل الهادرون، وعلى مسافة تقدر بعشرة مرفوعة إلى الأس سالب سبعة عشر.
تصف الفقرة السابقة التأثير المباشر لهذه القوة، التي عادةً ما يشار إليها بـ (التفاعل القوي الأساسي)، كما أنها تخلف أثرًا. تستطيع الهادرونات المتعادلة لونيًا التفاعل مع هذه القوة؛ نتيجةً لوجود العناصر المشحونة لونيًا، بشكل مشابه للتفاعل الكهرومغناطيسي.
وتكون الميزونات هي حاملات القوة في هذه الحالة، وتتأثر جميع الهادرونات بهذا التفاعل، وتشمل الميزونات (البيونات-pions)، و(الكاونات-kaons)، و(الروهات-rhos)، و(الديهات-Ds)، و(الايتات-etas) والعديد من الجسيمات الأخرى، ولها كتل تتراوح ما بين 3 إلى 140 جيجا إلكترون فولت/مربع سرعة الضوء، ونتيجةً لذلك تخلف هذه القوة مدى تأثير يتراوح ما بين (15-) إلى (10) أمتار.
تكمن أهمية هذه القوة في تفاعلات الكوراكات ومضاداتها، وكذلك في تماسك الهادرونات، وتعمل القوة الأساسية على تماسك عناصر الكواركات والهادرونات سويًا، بينما تعمل آثار هذه القوة على تماسك الهادرونات مع بعضها بعضًا، مثل البروتونات والنيوترونات في نوى الذرات.
اقرأ أيضًا:
ما القوى الأساسية وراء الشريط اللاصق والغراء؟
القوى الأساسية الأربعة في الطبيعة
ترجمة: أحمد جمال.
تدقيق: أسماء العجوري.