«هونج كونج منطقة إدارية خاصة، وهي جزء لا يتجزأ من جمهورية الصين الشعبية». المادة 1، القانون الأساسي.
«يسمح المؤتمر الشعبي الوطني لمنطقة هونج كونج بالتمتع بسلطة قضائية تنفيذية وتشريعية مستقلة، والتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية فيما يتعلق بسلطة الفصل النهائي، وفقًا لأحكام القانون». المادة 2، القانون الأساسي.
تُعرَف هونج كونج عادةً بكونها مركزًا ماليًّا عالميًّا ومركزًا للأعمال، وهي جنة لعشاق التسوق، ووجهة مفضلة للسياح، لكن ما زالت أزمة هوية المنطقة ومقاومتها لتدخلات بكين تشكل مصدرًا للاضطرابات المدنية داخل المستعمرة البريطانية السابقة. يرغب النشطاء المؤيدون للديمقراطية أن تبقى هونج كُونج منطقةً مختلفةً عن سائر المدن الصينية. إذن هل هونج كُونج بلد مستقل أم إنها جزء من الصين؟ ما تزال الإجابة مبهمة.
العلاقة بين هونج كونغ والصين أكثر تعقيدًا مما نتصور، فهي تشمل السياسة والاقتصاد والتجارة والقوانين والمجتمع. أهالي هونج كونج الذين عاشوا تحت الحكم البريطاني قلقون بشأن نوايا الصين وتدخلاتها في شؤونهم السياسية.
يتكامل البر الرئيسي الصيني mainland China وهونج كونج اقتصاديًّا، لكن مع ذلك ما زالت خلافاتهم السياسية مترسخة. خلق الانفصال الذي دام قرنًا من الزمن بين الصين وهونج كونج فجوات لا يمكن إصلاحها بسهولة، مع كونهما رسميًّا دولةً واحدة. قبل أن يتمكنا من التوحد، يجب أن يتغلب البر الرئيسي الصيني وهونج كونج على خلافات كثيرة.
هونج كونج
لمعرفة السبب الأصلي لانفصال هونج كُونج عن البر الرئيسي، يجب علينا العودة لحروب الأفيون التي دارت بين بريطانيا العظمى والصين 1839-1860. لم تجد الصين خيارًا سوى التنازل لبريطانيا عن جزيرة هونج كُونج ومنطقة كولون Kowloon نتيجةً لهذه الاشتباكات العسكرية والتجارية.
سنة 1898، تفاوضت بريطانيا مع الصين بشأن التوسع داخل مستعمرة هونج كونج، ووقعا عقدًا مدته 99 سنة. بعد انتهاء هذا العقد سنة 1997، استعادت الصين هونج كُونج باعتبارها منطقة إدارية خاصة SAR تُسمى منطقة هونج كونج الإدارية الخاصة بجمهورية الصين الشعبية HKSAR.
سُمح للمستعمرة البريطانية السابقة بالاستمرار في الحكم الذاتي، والاحتفاظ بالعديد من أنظمتها المستقلة مدة 50 سنة بموجب مبدأ »دولة واحدة ونظامان«. يحدد النظام الأساسي الصيني الحكم الذاتي الذي تتمتع به هونج كونج، وتُصنف اللغة الإنجليزية من اللغات الرسمية لهونج كونج، نتيجةً للاستعمار البريطاني الطويل.
الصين
تُعرَف رسميًا بجمهورية الصين الشعبية، تقع شرق آسيا وتُعَد أكثر دول العالم سكانًا، إذ يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة. يحكم الصين الحزب الشيوعي الصيني الذي يتمتع بالولاية القضائية على 22 مقاطعة و5 مناطق تتمتع بالحكم الذاتي و4 بلديات خاضعة لسيطرة مباشرة، إضافةً إلى هونج كونج وماكاو Macau.
وفقًا للبنك الدولي، تمتلك الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بقيمة 13.6 ترليون دولار، يسبقه اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية البالغ قيمته 20.4 ترليون دولار. يعتمد الاقتصاد الصيني على تنمية الصناعات الثقيلة، ما جعل إنتاجه الصناعي والخدمي يرتفع سنةً بعد أخرى.
في الآونة الأخيرة، شكَّل الطلب الاستهلاكي المحرك الأساسي للنمو داخل البلد. لكن مع هذا، كانت سنة 2018 عسيرةً على الاقتصاد الصيني، بسبب دخول البلاد في حرب تجارية شرسة مع الولايات المتحدة، وسجل الاقتصاد الصيني أبطأ وتيرة نمو له منذ 28 سنة.
أشارت الحكومة الصينية إلى إن الناتج الإجمالي المحلي لعام 2018 يُعَد الأبطأ منذ سنة 1990 بمعدل نمو 6.6%. تتوقع الصين نمو إجمالي الناتج المحلي لسنة 2019 بنسبة 6 – 6.5%، وقد تحقق النمو بنسبة 6% في النصف الأول من عام 2019، ومع ذلك عبر العديد من الاقتصاديين عن قلقهم تجاه عدم دقة التقارير الاقتصادية الصينية فيما يخص هذا الجانب في السنوات الأخيرة.
أسلوب الحكم
يكمن الفرق بين البر الرئيسي الصيني وهونج كونج في كون الأخيرة تتمتع بديموقراطية محدودة، في حين يحكم البر الرئيسي حزب شيوعي واحد. يشترك كل من هونج كونج والبر الرئيسي الصيني في كونهما يعدان الرئيس الصيني قائدًا للدولة. لكن لكل منهما رئيس حكومة خاص به: يُعَد رئيس الوزراء الصيني رئيسًا لحكومة البر الرئيسي الصيني، في حين يُعد الرئيس التنفيذي chief executive رئيسًا لمنطقة هونج كُونج الإدارية الخاصة.
يُعَد الرئيس التنفيذي مسؤولًا أمام الحكومة الشعبية المركزية. تبلغ فترة حكم الرئيس التنفيذي 5 سنوات، وبوسعه شغل المنصوب فترتين متتاليتين على الأكثر.
مع أن القانون الأساسي ينص على الفصل بين الأنظمة والحقوق، تتدخل حكومة البر الرئيسي الصيني في سياسات هونج كونج المحلية، ما أدى إلى حدوث تظاهرات واحتجاجات واسعة سنة2014 ، إذ اقترحت الصين انتخاب رئيس تنفيذي جديد وإجراء عدة إصلاحات، ما أغضب المتظاهرين الذين رأوا أن الصين تبحث فقط عن المرشح الذي يخدم مصالحها. لكن مع كل التظاهرات، فشل المحتجون في الحصول على أي تنازلات من بكين.
لهونج كونج أنظمة قانونية وقضائية خاصة بها، استمدتها من القانون البريطاني، بما في ذلك قوة شرطة خاصة ومنظمات إدارية للمقاطعات -دون سلطة سياسية- وموظفون عموميون. مع ذلك، ما زالت هونج كُونج تعتمد القانون العرفي الصيني فيما يتعلق بحيازة الأراضي والمسائل العائلية.
شهدت سنة 2019 احتجاجات واسعة من أهالي هونج كُونج ضد مشروع قانون جديد يهدف إلى نقل السكان إلى الصين، وقد رفضه الرئيس التنفيذي. خشى منتقدو القانون الجديد من تأثيره على النظام القضائي للمنطقة.
كذلك أشارت منظمة العفو الدولية إلى إن تمرير مشروع القانون إلى حيز التنفيذ كان سيؤدي إلى تلقي البر الرئيسي الصيني انتقادات واسعة من ناشطي حقوق الإنسان والصحفيين والمنظمات غير الحكومية، إضافةً إلى كل شعب هونج كونج.
عسكريًّا ودبلوماسيًّا
يتفوق البر الرئيسي الصيني على هونج كُونج في مجالين أساسيين: الدفاع العسكري والعلاقات الدولية، إذ يتحكم البر الرئيسي في الدفاع العسكري عن هونج كُونج.
فيما يتعلق بالدبلوماسية العالمية، لا تمتلك هونج كُونج هويةً منفصلةً عن البر الرئيسي الصيني، مثلًا ليس لهونج هونج تمثيل مستقل داخل مجلس الأمن، أو مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، ولا حتى داخل مجموعة (G77) أو مجموعة (G22).
ومع ذلك، بإمكان هونج كونج حضور فعاليات منظمات دولية محدودة مثل بنك التنمية الأسيوي وصندوق النقد الدولي ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للسياحة العالمية، بصفتها عضو مشارك. يمكنها أيضًا المشاركة في الاتفاقيات التجارية تحت اسم هونج كُونج-الصين.
يتولى المكتب المفوض التابع لوزارة الخارجية الصينية جميع الشؤون الخارجية الخاصة بمنطقة هونج كونج الإدارية، وليس لهونج كونج أي علاقات دبلوماسية منفصلة مع الدول الأجنبية.
يُمكن أن تمتلك الدول الأجنبية مكاتب قنصلية في هونج كونج، لكن سفاراتها الأصلية تقع في البر الرئيسي الصيني. يحمل مواطنو هونج كونج والبر الرئيسي الصيني جوازات سفر مختلفة، ولزيارة الجانب الآخر يجب الحصول على إذن بالدخول.
الضرائب والمال
سمح مبدأ «دولة واحدة ونظامان» للاشتراكية والرأسمالية بالتواجد جنبًا إلى جنب في بلد واحد هو البر الرئيسي الصيني. أعطى هذا المبدأ لهونج كونج فرصة حرية الاستثمار في نظام المشاريع الحرة عوضًا عن الاندماج داخل الهيكل الشيوعي. أيضًا لهونج كونج نظام مالي مستقل، ولا يحق لجمهورية الصين الشعبية أن تتدخل في قوانين الضرائب أو أن تفرض الضرائب على هونج كونج.
وللمنطقة سياساتها الخاصة فيما يتعلق بالمال والتمويل والتجارة والنقد الأجنبي والجمارك. لهونج كونج والبر الرئيسي الصيني عملتان مختلفتان. يُعَد دولار هونج كُونج -المرتبط بالدولار الأمريكي- العملة الرئيسية لهونج كونج، في حين يستخدم البر الرئيسي الصيني اليوان YUAN عملةً رسمية، ولا يقبل التجار في هونج كُونج التعامل باليوان في تعاملاتهم اليومية.
الاقتصاد
يُعَد اقتصاد هونج كونج من أكثر الاقتصادات تحررًا، ويحتل المرتبة 35 عالميًّا، إذ بلغ إجمالي الناتج المحلي362.9 مليار دولار سنة .2018 حدثت تحولات كبيرة في اقتصاد هونج كُونج خلال العقد الأخير، إذ ارتكز على قطاع الخدمات، أما البر الرئيسي الصيني فيعتمد على قطاع التصنيع.
انخفضت مساهمة الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1% على مر السنين، أما مساهمة القطاع الزراعي فلا تتجاوز 0.1%، إذ تفتقر هونج كونج إلى الموارد الطبيعية وتعتمد أساسًا على استيراد الغذاء والمواد الخام.
يساهم قطاع البناء تقريبًا بنسبة 5%، ويشمل القطاع الخدمي الخدمات المتعلقة بالسفر والتجارة والمالية والنقل. يتميز اقتصاد هونج كونج عمومًا بانخفاض معدلات الضرائب والتجارة الحرة وعدم تدخل الحكومة.
مهم: يمكن تصنيف اقتصاد هونج كونج -الذي يُعَد من الأكثر تحررًا في العالم- اقتصادًا خدميًّا service economy، إذ يُساهم قطاع الخدمات بأكثر من 90% من إجمالي الناتج المحلي GDP.
يُعَد التصنيع القطاع الرئيسي في البر الصيني، ومع القفزة النوعية التي حققها قطاع الخدمات في السنوات الأخيرة، لكن مساهمته في الناتج الإجمالي المحلي ما تزال ضئيلةً مقارنةً مع الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، وبعض الدول النامية مثل الهند والبرازيل. يُشكل القطاع الزراعي نسبة 10% من الناتج الإجمالي المحلي للصين، في حين تكاد هذه النسبة تنعدم في هونج كونج.
نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في هونج كُونج أعلى بكثير من نصيب الفرد في الصين (هذا مع إن نصيب الفرد في الصين قد تزايد سريعًا في السنوات الأخيرة، إذ ارتفع بنسبة 6% في سنة 2017 مقابل 3% في هونج كونج).
سوق الأسهم
تشكل بورصة هونج كونج الخيار الأول لأغلب الشركات الصينية التي تتطلع إلى تنمية رأسمالها، نظرًا لكون أسواق الأسهم في البر الرئيسي الصيني أكثر تقيدًا وتشترط متطلبات مالية أعلى. تجذب أسواق الأسهم في هونج كُونج العديد من المستثمرين الأجانب أيضًا.
يقول تيانغ لي هوانج، المحلل والباحث في معهد بيترسون الدولي للاقتصاد: «تتمتع هونج كونج بمزايا متعددة مقارنةً مع الصين، أولًا، نظام ولوج البورصة قائم على الاكتتاب، ما يجعله أسرع وأيسر مقارنةً مع البر الرئيسي الصيني.
ثانيًا، غياب الصرامة الزائدة في مراقبة رؤوس الأموال، وامتلاك سياسة مناسبة فيما يتعلق بالتعامل الخارجي، ما يجعل هونج كونج تُشكل مركزًا رئيسيًّا للتوسع العالمي في هذا المجال.
ثالثًا، بنية مالية قوية تُخفض تكاليف التشغيل.
رابعًا، إطار تنظيمي فعال يرتكز أساسًا على الشفافية والمعايير الدقيقة. وليس من المُرجح تفوق شنغهاي أو شينزن Shenzhen في المنافسة مع هونج كونج، على الأقل قريبًا».
بنهاية سنة 2018 سجلت بورصة هونج كونج حضور 1146 شركة من البر الرئيسي الصيني، أي ما يعادل تقريبًا 50% من مجموع الشركات المسجلة. تشكل القيمة السوقية لهذه الشركات نسبة 68% من سوق الأسهم في هونج كونج، وحققت هذه الشركات أرباحًا بلغت 800 مليار دولار من تداول الأسهم داخل بورصة هونج كونج منذ 1993.
في تشرين الثاني سنة 2014، انطلق برنامجShanghai-Hong Kong stock connect بهدف إنشاء قناة عابرة للحدود تُساعد على دخول أسواق المال والاستثمار، وتسمح للمستثمرين بتداول أسهم الشركات من طريق وكالات السمسرة المعتمدة، إذ لم يكن متاحًا من قبل للمستثمرين من هونج كونج أو من خارجها تداول الأسهم الصينية، وفي كانون الأول سنة 2016 انطلق برنامج مشابه هو Shenzhen-Hong Kong stock connect.
تذكر:
- هونج كونج منطقة إدارية خاصة تسيطر عليها جمهورية الصين الشعبية وتتمتع باستقلال ذاتي محدود، وفقًا لمقتضيات القانون الأساسي.
- شكّل مبدأ «دولة واحدة و نظامان» بيئةً مناسبة سمحت لكل من الرأسمالية والاشتراكية بالتعايش داخل دولة واحدة هي البر الرئيسي الصيني.
- يتميز اقتصاد هونج كونج بمعدلات ضريبية منخفضة وتجارة حرة ومحدودية التدخل الحكومي.
- يُعَد سوق الأسهم داخل البر الرئيسي الصيني أكثر تحفظًا وتقيدًا.
الترابط الاقتصادي
ظلت العلاقات الاقتصادية قويةً بين البر الرئيسي الصيني ومناطقه الإدارية الخاصة حتى في أوقات الأزمات الدبلوماسية الصعبة. تدعم الصين وهونج كونج بعضهما اقتصاديًا، ووصلت قيمة التبادلات التجارية السنوية بينهما 500 مليار دولار.
تُعَد هونج كونج بوابةً رئيسية للراغبين في ممارسة التجارة والاستثمار وتداول الأسهم داخل البر الرئيسي الصيني. بنهاية كانون الأول سنة 2018، تعامل 22 من أصل 152 مصرفًا مرخصًا في هونج كُونج مع البر الرئيسي الصيني، الذي يمتلك 200 شركة لها مقرات إقليمية في هونج كونج.
يُعَد البر الرئيسي الصيني أكبر شريك تجاري لهونج كونج، وثاني أكبر مورد للاستثمار الداخلي المباشر. بلغ الاستثمار المباشر للبر الرئيسي الصيني داخل هونج كُونج 70.05 مليار دولار سنة 2018، وهو ما يمثل 58.1% من إجمالي الاستثمار البالغ 120.5 مليار دولار وفقًا لوزارة التجارة الصينية. ويُعَد البر الرئيسي الصيني الوجهة الرئيسية لصادرات هونج كونج المحلية بنسبة تبلغ 44.2%، ويُعَد كذلك أكبر مصدر لواردات هونج كونغ بنسبة 46.3%.
تُعَد هونج كُونج المزود الأساسي لخدمات رواد الأعمال إلى الصين. سنة 2018، بلغت قيمة البضائع المعاد تصديرها من وإلى البر الرئيسي الصيني 467.6 مليار دولار، ما يمثل 89.1% من إجمالي قيمة إعادة التصدير في هونج كُونج.
مع ذلك، يعتقد البعض أن أهمية هونج كونج الاقتصادية انخفضت، ولم تعد تساهم بشكل كبير في النمو المنتظر للصين.
اقرأ أيضًا:
مجموعة صغيرة من الشركات تتحكم في مصير العالم
أعلى 10 دول دخلا في العالم بناءً على الدخل المتاح للفرد
ترجمة: إلياس بوطاسة
تدقيق: غزل الكردي
مراجعة: أكرم محيي الدين