ما الفرق بين الذكاء الاصطناعي ، تعلم الآلة و التعلم العميق ؟ – أصبح الذكاء الاصطناعي شُغل الناس الشاغل وأساس أحاديثهم في يومنا هذا؛ كيف لا ونحن نقابله في حياتنا ونكاد نستخدمه في كل تطبيق تقريبًا، ابتداءً ببرامج التعرف على الوجوه في “Facebook”، مرورًا بمواقع المشاهدة مثل “Netflix” التي تعمل على قراءة وتخزين عمليات البحث التي نقوم بها وما نتابعه من قنوات، بهدف عرض توصيات واقتراحات من النمط أو النوعية ذاتها، لذا فإن سبب انتشاره بهذا الزخم يُعتبر أمرًا مفهومًا.
لكن هذا التوجه الجديد قد وصل إلى ذروته باتخاذه منحىً مثيرًا، عندما فازت برمجية ألفا غو AlphaGo التي طورتها جوجل ديب مايند Google DeepMind على الكوري الجنوبي لي سي دول Lee Se-dol المحترف في لعبة “Go” عام 2016.
شكّل هذا الفوز صدمةً للجميع، إذ إن هذه اللعبة تحتوي على مليار حركة محتملة، ومن الصعب كتابتها يدويًا في كود برمجي، لم يستطع البرنامج استخدام برنامج تخمين خوارزمية الهجوم الأعمى brute force ببساطة ليُطيح بالمحترف الكوري، بل أظهر بدلًا من ذلك وسائل أسهل استخدامًا للعب، وكان ذلك بمثابة علامة فارقة في الذكاء الاصطناعي، لأن الفرضية الأساسية للّعبة تشبه العديد من سيناريوهات العالم الواقعي.
وإن لم تكن قد سمعت من قبل بلعبة “Go”، فهي رُقعة مكونة من عدد من المربعات، يختار كل لاعب لون حجارته (أبيض أو أسود)، ويعمل كل لاعب على حماية حجارته بتشكيل سياج، ويحاول بالمقابل إغلاق منافذ الحياة على حجارة الخصم، عن طريق وضع 4 أحجار على زواياه الأربع.
وصفت وسائل الإعلام هذا الفوز الضخم بعدد من المصطلحات تشمل الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence، وتعلم الآلة Machine Learning، والتعلم العميق Deep Learning، واستخدمت هذه المصطلحات بشكلٍ متناوب ما خلق التباسًا لدى الناس في معاني المصطلحات، إذ لا يرادف الذكاء الاصطناعي أبدًا التعلم العميق، بالرغم من ظهورها في الثقافات الشعبية والمنشورات الإعلامية.
بإمكانك تخيل العلاقة بينهما كدوائر متحدة المركز، فعندما يكون الذكاء الاصطناعي العلمَ والهندسة وصناعة الآلات الذكية بما فيها البرمجيات الذكية؛ يكون تعلم الآلة دائرة داخل دائرة الذكاء الاصطناعي تؤمّن للأنظمة بيئة ذات قدرة على التعلم والتطور الذاتي عن طريق التجربة ومن دون أن تُبرمَج صراحةً بالوصول إلى بياناتها.
تتمثل إحدى تلك الطرق باستخدام التعلم العميق Deep Learning، وهي دائرة داخل دائرة تعلم الآلة Machine Learning تستخدم خوارزميات مستوحاة من بنية الدماغ ووظيفته يُطلق عليها اسم الشبكات العصبية الاصطناعية Artificial Neural Networks، لإنتاج برمجيات تتعلم من تحليل البيانات.
ما هو الذكاء الاصطناعي ؟
كما ذكرنا سابقًا، إنه العلم والهندسة وصناعة الآلات الذكية بما فيها البرمجيات الذكية، وعند الخوض في هذه المواضيع غالبًا ما نفكر بها بشكل هوليودي، بكونها مجموعة من الروبوتات التي تتخذ قراراتها بنفسها وتعيث في الأرض فسادًا، لأنها الصورة الإعلامية للذكاء الاصطناعي التي زُرعت لدينا، ولكنها أبعد ما تكون عن الحقيقة.
تعمل برامج الذكاء الاصطناعي على محاكاة الوظائف المعرفية المتعلقة بقدرات الإنسان، كالتعلم، والإدراك وحل المشاكل، حتى إنها قادرة على التعلم بأقل المدخلات البشرية، وذلك عن طريق تحليل كميات ضخمة من البيانات، وغالبًا ما تُصمَم للتعرف على الصور، والتعرف على الكلام، وروبوتات الدردشة، والتعلم، والتخطيط وحل المشاكل.
يُصنف الذكاء الاصطناعي أيضًا إلى نوعين: الذكاء الضعيف والذكاء القوي Weak and Strong AI.
يشمل الذكاء الضعيف البرمجيات المصممة لتنفيذ مهام ذات نطاق ضيق مثل فهم الأوامر الصوتية والاستجابة لها كما هو الحال في برامج التعرف على الوجوه ومعالجتها لتبدو أكبر سنًا مثل برنامج FaceApp، أو برمجية Alexa المساعد الافتراضي الذي طورته Amazon، والذي يتكلم معك بصوت أنثى ويشغِّل الموسيقى أو يضبط المنبه أو يجيب عن حالة الطقس.
تلك هي عملية أتمتة المهام المتخصصة جدًا وذات النطاق الضيق للذكاء الاصطناعي التي تستفيد منها العديد من الشركات.
أما فيما يخص الذكاء القوي Strong AI، فهو يُستخدم لوصف البرمجية أو الآلة التي وصلت لدرجة الذكاء الاصطناعي العام، أي عندما يتساوى الذكاء الاصطناعي مع الذكاء البشري، عندما تمتلك الآلة القدرة على تنفيذ أي شيء بإمكان الإنسان العادي فعله. وبالرغم من أننا لم نصل لهذه الدرجة بعد؛ فإننا نسعى للوصول لها في المستقبل القريب، ومما لا شك فيه سيكون ذلك قبل نهاية هذا القرن.
وبالتالي سيقود الذكاء الاصطناعي العام إلى التفرد التكنولوجي (الذكاء الاصطناعي الفائق) والذي سيؤدي بدوره لتغيرات كبيرة يصعب فهمها على الحضارة الإنسانية.
ما هو تعلم الآلة ؟
يُعتبر تعلم الآلة إحدى الطرق التي تُدرب فيها البرمجية على التعلم والتطور تلقائيًا عن طريق التجربة، حتى دون أن تُبرمَج أو يُغيّر في كوداتها من قِبل المبرمجين بشكل صريح، إذ تُستخدَم الخوارزميات والنماذج الإحصائية للتعلم دون أي تدخل بشري، لكن بالرغم من ذلك، يلزم لتعلم الآلة وجود عينة من البيانات المستخدمة في التدريب (بيانات التدريب)، أي البيانات المستخدمة من قِبل الخوارزميات لتوليد نماذج رياضية.
تُصنف مهام تعلم الآلة ضمن عدة فئات وعناوين عريضة:
- التعلم المُراقب أو الخاضع للإشراف Supervised learning: أن تكون البيانات المدخلة مسماة وموسومة بشكل جيد مع المخرجات التي نريدها.
كأن تكون البيانات المدخلة مجموعة صور لِقطة ونريد التعرف عليها؛ تُوفَّر مجموعة أخرى من البيانات لاستخدام خوارزمية مُراقبة لإنتاج مخرجات صحيحة (التعرف على القطة) عن طريق البيانات الموسومة. - التعلم غير المراقب أو غير الخاضع للإشراف Unsupervised learning: عندما تُقدَم البيانات إلى الآلة دون أي مُسمى ويُسمح للخوارزميات بالعمل وفقًا لتلك البيانات ومن دون إرشاد، عندها تجمع الآلة البيانات غير المُصنفة تبعًا لأنماطها وأوجه تشابهها واختلافها دون أي تدريب سابق من مصادر أخرى.
- التعلم المعزز Reinforcement learning: يُستخدم بغية إيجاد السلوك أو الطريق الأفضل والممكن للتعامل مع مشكلة ما، وأفضل مثال على ذلك هو لعبة الشطرنج. عندما نزود البرمجية بالمدخلات الأولية (قواعد اللعبة وأماكن أحجار الشطرنج)، ثم تُدرب على أكبر عدد محتمل من المخرجات كالحركات وإيجاد الحلول للوصول في نهاية المطاف إلى (كش ملك).
ما هو التعلم العميق Deep Learning؟
يُعتبر أحد فروع تعلم الآلة، إذ تكون الخوارزميات مستوحاة من بنية ووظيفة الدماغ والتي يُطلق عليها تسمية الشبكات العصبية الاصطناعية Artificial Neural Networks، وترتكز طريقة التعلم هذه على الشبكات العصبية الاصطناعية، والتي يمكن أن تكون خاضعة للإشراف أو شبه خاضعة له أو حتى غير مُشرف عليها.
بالإضافة إلى ذلك فإن دقة التعرف على الأشياء -الكلام أو الصور- في التعلم العميق أفضل إلى حد كبير من أي وقت مضى، وذلك لسببين رئيسين:
- توفر كمية كبيرة من البيانات المُسماة والمُصنفة.
- الزيادة الكبيرة في قوة الحواسيب بسبب إدخال وحدة معالجة الرسوميات عالية الأداء والحوسبة السحابية.
للتعلم العميق تطبيقات محتملة في العديد من الصناعات، فقد دخل استخدامه في التحكم بالسيارات ذاتية القيادة، وفي المجال الطبي بالكشف عن الخلايا السرطانية بالأشعة السينية واختبارات التصوير الشعاعي، والمساعدة في فعالية الطاقة وكفاءتها، والكثير من الاستخدامات.
وكما ذكرنا سابقًا، يُشار إلى أساليب التعلم العميق على أنها شبكات عصبية عميقة، إذ يستخدم معظمها شبكات عصبية اصطناعية. وفي الظروف القياسية لتعلم الآلة، إذا كان هدفنا هو التعرف على الكلب، يجب إدخال مزايا المخرجات المرجوة يدويًا، مثل الكشف عن الكائنات والحواف وما إلى ذلك.
لا تحتاج أساليب التعلم العميق استخراجًا للمزايا اليدوية، فهي مُدربة باستخدام مجموعات كبيرة من البيانات المُسماة والمُصنفة، وهياكل الشبكات العصبية التي تتعلم هذه المزايا مباشرة عن طريق البيانات.
عادةً ما يُشير مُصطلح “عميق” إلى طبقات مخفية في الشبكة العصبية، وقد يصل عددها إلى 150، بينما يُقابلها 2-3 فقط في الشبكات العصبية الاصطناعية، وللحصول على المخرجات المرجوة؛ يستخدم التعلم العميق الكثير من البيانات، ومن الجدير بالذكر أنه من أجل الانتقال عبر تلك الطبقات، يجب تحميل برنامج تشغيل الآلة التي تستخدم التعلم العميق بقدرة حوسبية عالية، وإلا فإن تلك العملية ستستغرق وقتًا أطول بكثير.
لذا، فإن مُختصر الكلام هو أن الذكاء الاصطناعي يُمثّل المجال العام أو العنوان العريض، في حين أن التعلم العميق ما هو إلا طريقة تُوظَّف لتحقيق ذلك.
اقرأ أيضًا نظرية جديدة تكشف لغز الصندوق الأسود في التعلم العميق
ترجمة رامي الحرك – تدقيق آية فحماوي – مراجعة تسنيم المنجد