يمكن تقسيم معظم أنواع البكتيريا على نطاق واسع إلى مجموعتين: البكتيريا موجبة الجرام والبكتيريا سالبة الجرام. تعكس هذه الفئات الاختلافات الكبيرة في علم الأحياء الدقيقة للكائنات الحية، وتحدد كيفية علاج الأطباء للعدوى البكتيريا، إذ ترتبط بكيفية استجابة البكتيريا للمضادات الحيوية المختلفة.
بدايةً، يعود أصل التسمية إلى عام 1884، عندما طور عالم البكتيريا الدنماركي هانز كريستيان غرام إجراء تلوين لرؤية البكتيريا تحت المجهر.
إذ صبغها بمادة تُسمى بنفسج جنطيان، التي تخترق كل من الجدار الواقي والغشاء البكتيري، فتلون المادة داخلها، ثم أضاف اليود المعدني، الذي شكل مركبًا مع الصبغة لمنع تفككها في الماء، فثبت الصبغة مكانها.
بعد غسلها بالكحول، بقيت بعض البكتيريا زرقاء أو أرجوانية، في حين لم تحتفظ الأخرى بالصبغة. أطلق غرام على المجموعة الأولى اسم «موجبة الجرام»، في حين أطلق على الأخيرة اسم «سالبة الجرام».
أشارت تجربة غرام إلى أن اختلافًا هيكليًا في تكوين البكتيريا وبنائها يقسمها إلى مجموعتين، لكن الأمر استغرق العلماء حتى أوائل الخمسينيات من القرن العشرين ليتمكنوا من فهم الاختلافات في التركيب الكيميائي لجدران الخلايا البكتيرية التي تسبب هذا الاختلاف.
تحتوي جميع البكتيريا على جدار خلوي مكون من خيوط شبيهة بالشبكة، مكونة من جزيء كبير يسمى ببتيدوجليكان، الذي يحيط بغشاء الخلية.
يوفر جدار الخلية للخلية البكتيرية متانة ويساعد على الحفاظ على شكلها وضغطها الداخلي. مع ذلك، توجد بعض الاختلافات الرئيسية بين فئتي البكتيريا موجبة الجرام وسالبة الجرام.
أولًا، تحتوي البكتيريا سالبة الجرام على جدار خلوي رقيق يبلغ سمكه 1.5 إلى 10 نانومتر، في حين تحتوي البكتيريا موجبة الجرام على جدار خلوي سميك يبلغ سمكه 20 إلى 80 نانومتر.
ثانيًا، في الخلايا البكتيرية سالبة الجرام، يكون جدار الخلية مُحاطًا بغشاء خارجي له خصائص مختلفة عن الغشاء الداخلي لها. يشارك هذا الغشاء الخارجي في السماح بدخول العناصر الغذائية إلى الخلية والالتصاق بالخلايا الأخرى المجاورة، وهي وظيفة تؤدي دورًا في الالتهابات. تفتقر البكتيريا موجبة الجرام إلى مثل هذا الغشاء الخارجي.
قد تتشارك الفئتان في استراتيجيات مقاومة المضادات الحيوية. مثلًا، فإن هياكل تسمى «مضخات التدفق» في غشاء الخلية للخلايا البكتيرية، تُستخدم في طرد المضادات الحيوية التي تدخل الخلية في النوعين.
تنتج الخلايا البكتيرية أيضًا إنزيمات تعطل عمل المضادات الحيوية كيميائيًا، مثل إنزيمات بيتا-لاكتاماز، التي تعطل فئة واسعة من المضادات الحيوية تشمل البنسلين.
أيضًا تغير البكتيريا أجزاءها المستهدفة بالمضادات الحيوية مثل البروتينات أو الدهون، ما يجعل المضادات الحيوية المتخصصة في العمل على جزء معين من الخلية بلا قيمة.
أيضًا بوسع البكتيريا التقاط مقاومة المضادات الحيوية من الخلايا البكتيرية المجاورة، وإن كانت تنتمي إلى نوع مختلف تمامًا، إذ تتبادل الميكروبات قطعًا من الحمض النووي التي تحمل جينات مقاومة المضادات الحيوية من خلية بكتيرية إلى أخرى. عادةً ما يجري هذا التبادل من خلال التلامس المادي المباشر بين الخلايا في عملية تسمى الاقتران.
مع ذلك، عندما يتعلق الأمر بمقاومة المضادات الحيوية، تتمتع البكتيريا سالبة الجرام بميزة بفضل أغشيتها المزدوجة، إذ يحجب الغشاء الخارجي للبكتيريا سالبة الجرام جزيئات المضادات الحيوية الكبيرة الكارهة للماء، مثل الفانكوميسين والريفامبيسين.
نظرًا إلى أن هذه العلاجات محظورة من دخول الخلية، فإن هذا يجعلها غير فعالة، ويجعل الميكروبات مقاومة طبيعيًا لها.
يمكن للمضادات الحيوية الصغيرة المحبة للماء عبور الغشاء الخارجي، لكن يظل وجود الغشاء عاملًا يعيق دخولها ويبطئه، فإذا كانت بكتيريا معينة لديها القدرة على تدمير أو ضخ المضاد الحيوي إلى الخارج، فإن هذا يصبح أكفأ بكثير، بتقييد معدل دخولها.
يمكن تشبيه الخلية البكتيرية سالبة الجرام بقصر به بوابات صغيرة في الحائط. نظرًا إلى أن الأعداء -المضادات الحيوية- يدخلون ببطء، فإن المدافعين -آليات دفاع البكتيريا- لديهم الوقت للتعامل معهم. أما إذا كانت المعركة في حقل مفتوح، فإن الأعداء سيُهرعون دفعة واحدة ويسحقون المدافعين بسرعة.
لأن البكتيريا سالبة الجرام جيدة جدًا في صد المضادات الحيوية، فإنها تشكل تهديدًا كبيرًا على الصحة البشرية. إذ يعطي الغشاء الخارجي الإضافي للبكتيريا سالبة الجرام ميزة عامة على البكتيريا موجبة الجرام عندما يتعلق الأمر بصد المضادات الحيوية. مع ذلك، تستهدف بعض الأدوية الحالية، مثل بوليميكسين، وبعض الأدوية التجريبية الجديدة هذا الغشاء الخارجي، بإتلافه أو منع تصنيعه. حاليًا، تُستخدم هذه الأدوية علاجًا من الدرجة الأخيرة للعدوى البكتيرية سالبة الجرام المقاومة لمضادات حيوية متعددة.
اقرأ أيضًا:
يمكن لغسول الفم المستخلص من الماتشا أن يحارب البكتيريا المسببة لأمراض اللثة
صناعة حذاء جديد باستخدام البكتيريا، فهل نستغني عن الجلود الطبيعية؟
ترجمة: محمد جمال
تدقيق: أكرم محيي الدين
مراجعة: هادية أحمد زكي