كان من الممكن أن يؤدي ثوران بركاني وتغير في المناخ إلى سلسلة من الكوارث القديمة، بدءًا من الطاعون وصولاً إلى الجراد، كما ورد في الكتاب المُقدّس.
تعدّ القصة التوراتية عن عقوبات مصر القديمة العشر محوريةً في أصل عيد الفصح اليهودي، الذي يحيي ذكرى تحرر بني إسرائيل من العبودية. كانت العقوبات سلسلةً من الكوارث المروعة التي حلت على مصر القديمة كعقوبات إلهية؛ بسبب رفض فرعون لم يذكر اسمه تحرير بني إسرائيل من العبودية كما ورد في سفر الخروج.
مع قلة الأدلة التاريخية والأثرية التي تؤكد الرواية التوراتية عن العقوبات أو وجود النبي موسى أو الهجرة الجماعية لبني إسرائيل، يرى العلماء أن سلسلةً من ردود فعل لظواهر طبيعية قد تفسر ما يبدو ظاهريًا كوارث خارقةً للطبيعة مصورةً في التّوراة.
ذكرت دراسة نُشرت عام 2008 في مجلة ييل “Yale” لعلم الأحياء والطبّ أن العقوبات التسعة من وجهة نظرٍ تاريخية تشبه أحداثًا معروفةً في الشرق الأوسط باستثناء أنماطها وتعاقبها السريع.
العقوبات العشر في مصر:
تشمل العقوبات العشر في مصر، كما ورد في سفر الخروج حسب ترتيب إطلاقها:
- تحوّل المياه إلى دم.
- الضفادع.
- القمل.
- الذباب.
- وباء الماشية.
- الدمامل.
- البرد.
- الجراد.
- الظلام.
- قتل الأطفال الأبكار.
الجفاف الاسطوري كان من الممكن أن يسبب العقوبات:
تُشير الحفريات الأثرية أن العاصمة المصرية القديمة بي رمسيس تخلى سكانها عنها على نحو مفاجئ بين عامي 1279 و1213 قبل الميلاد في عهد الفرعون رمسيس الثاني، الذي يعتقد بعضُ العلماء أنه الفرعون المذكور في سفر الخروج.
وجدت دراسات الصواعد في الكهوف المصرية أن توقيت تكوّنها يتزامن مع فترة جفافٍ طويلةٍ. يقول المؤسس والمدير التنفيذي لـ AccuWeather، الدكتور جويل إن مايرز مؤلف كتاب Invisible Iceberg: When Climate and Weather Shaped History إنّ موجة الجفاف الممتدة قد يكون أثرها كأثر الدومينو وقد سبّبت كوارث طبيعيّة مثل تلك الموصوفة في الكتاب المقدّس. يقول جويل: «بمجرد أن يحل الجفاف وموجة الحر، يتغيّر كل شيء، فعندما يتغيّر المناخ، تحدث سلسلة من الاضطرابات، الّتي تتغذى على بعضها البعض».
يُشير علماء المناخ أنّ الجفاف الشديد الّذي أخلَّ بالتوازن البيئي في دلتا النيل من شأنه أن يفسّر العقوبة التوراتيّة الأولى، الّتي حوّلَ فيها موسى وأخيه هارون المجاري المائيّة إلى دماء. تبعًا لعالم الأحياء ستيفن فلوغماشر، فقد أنتج الطقس الجاف ظروفًا مثالية لطحالب مجهرية بلون أحمر نبيذيّ لتزهر في مياه النيل الدافئة والراكدة. من الممكن أنّ طحالب المياه العذبة السامة قضت على تجمعات الأسماك وحوّلَت أنهار مصر إلى لون أحمر دمويّ.
حرم تكاثر الطحالب نهر النيل من الأكسجين، ما أدى إلى إطلاق سلسلة من ردود الفعل الّتي تتطابق العقوبات الخمس اللاحقة من الضفادع والقمل والذباب وطاعون الماشيّة والدمامل الّتي أصابت البشر والحيوان. فرت الضفادع من موطنها الطبيعي، بعد حرمانها من الأسماك والأكسجين، واجتاحت المنازل المصريّة حيث ماتت.
قد يؤدي زوال المفترسين الطبيعيين للحشرات إلى زيادة معدل تكاثرها. افترض كورتس مالوي وعالم الأوبئة جون مار أنّ القمل الموصوف في التوراة بالواقع هو حشرة الكوليكويدس Culicoides وهي حشرة تتغذى يرقاتها على جثث الحيوانات المتحللة كالأسماك والضفادع، ومعروفة بقدرتها على نقل عدوى مميتة إلى الماشية كالأحصنة والخراف.
وبما أن الكوليكويدس لا يستطيع الطيران، فهو غير قادر على نقل العدوى لغوشن في دلتا النيل ولا يتأثر العبريين بها. يعتقد مالوي ومار أن الذباب الذي يتغذى على اللحوم الملوثة قد ينشر الرعام، وهو مرض بكتيري شديد العدوى يسبب الدمامل لدى البشر والحيوانات.
يقول مايرز إن الجفاف قد يكون مرتبطًا بالعقوبة الثامنة وهي الجراد. إذ أجبر الطقس الجاف الجراد على اللجوء إلى مناطق الغطاء النباتي المتبقيّة وعندما عادت الأمطار ازداد معدل تكاثر الجراد، ونتيجةً لذلك قد التهمت أسراب الجراد المحاصيل المصريّة.
يقول مايرز: «لقد رأينا أمثلة موثقة مماثلة في الشرق الأوسط، وشهدت الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر الضرر الّذي قد يحدثه الجراد». ويشير مايرز إلى أن سرب جراد واحد يبلغ حجمه واحد كيلومتر مربع يمكنه تناول طعام يكفي 35000 شخص.
نظرية الانفجار البركاني:
بينما يربط دعاة نظرية الجفاف العقوبة السابعة والتاسعة «عواصف البرد الناريّة وأيام الظلام» بعاصفة رملية غير ذات صلة، يعتقدُ بعضُ العلماء أنها ربما ناجمة عن ثوران بركاني في جزيرة سانتوريني اليونانيّة. على الرغم من أن الانفجار حدث على بعد أكثر من 500 ميل، فقد عُثر على حجر الخَفّاف البركاني في موقع قريب من موقع بي رمسيس.
ربما سببت مليارات الأطنان من الرماد المنبعث من أحد أقوى الانفجارات في التاريخ في حدوث عواصف رعدية، وحجبت الشمس لعدة أيام، ما هيّأ ظروفًا رطبة ملائمة لتكاثر الجراد. ويدّعي دعاة نظرية البركان أيضًا أن الحمض الموجود في الرماد البركاني بما في ذلك السينابار، من المحتمل أنّه حوّل نهر النيل إلى مياه حمراء سامة وأثار سلسلة ردود فعل مشابهة لتلك التي افترضتها نظرية الجفاف.
يقدّرُ أن ثوران البركان في سانتوريني حدث حوالي عام 1620 قبل الميلاد، أي قبل حكم رمسيس الثاني بـ 400 عام. على أيّ حال، فإن القصة التوراتية عن العقوبات التي كُتبت بعد مئات السنين من الأحداث الموصوفة، قد جمعت كوارث طبيعية مختلفة وممتدة لقرون ليس بغرض التدوين التاريخي.
العقوبة الأخيرة:
العقوبة العاشرة والأخيرة المذكورة في سفر الخروج هي موت الأطفال الأبكار. يفترض مايرز أن المجاعة التي سببها الجراد قد جعلت المصريين يضحون بأبنائهم الأبكار في محاولة يائسة لاسترضاء الآلهة.
تقول نظرية أخرى أنّ سلسلة أوبئة أضرّت بالمحاصيل وسممّ عفنٌ قاتل إمدادات الحبوب. كان الأبناء الأبكار يحصلون على أول فرصة لتناول الطعام في المجتمع المصريّ، لذلك ربما كانوا أول من استسلم من الطبقات الملوّثة المخزنة في الصوامع.
وفقًا للتوراة، منح الفرعون بنو إسرائيل حريتهم بعد العقوبة العاشرة الّتي أودت بحياة ابنه البكر. عندما غيّر الفرعون رأيه وطلب من جيشه ملاحقتهم، هرب بنو إسرائيل عندما قام موسى بمعجزة شق البحر الأحمر.
يفترض العلماء أنّ بني إسرائيل لم يعبروا البحر الأحمر الحالي، بل عبروا سلسلة من البحيرات الضحلة المعروفة باسم بحر القصب التي كانت موجودة في السابق حيث توجد قناة السويس الآن. في حين أنّ الجفاف قد يكون جففّ المستنقع وسمح لبني إسرائيل بالمرور؛ تقول نظريّة أخرى أنّ الرياح القوية التي تزيد سرعتها عن 60 ميلًا في الساعة دفعت مياه البحيرة وخلقت جسرًا أرضيًا مؤقتا يمكن عبوره سيرًا على الأقدام ولكنّه أغلق بحلول الوقت الذي وصلت فيه عربات الفرعون.
يقول مايرز: «الاحتمال منخفض، لكن يمكنني أن أتخيل نوعًا من الرياح تسبب في حدوث موجة قائمة seich في البحيرات، ربما لم يكن الأمر دراميًا كما حدث في فيلم The Ten Commandments، لكنّ تأثير الطقس من الممكن أن يتسبب في شقٍ بعده إغلاق».
اقرأ أيضًا:
عشرة أشياء لم تكن تعرفها عن مصر القديمة
كيف انحسرت الإمبراطورية المصرية القديمة؟
ترجمة: أميمة الهلو
تدقيق: زين حيدر