يُفترض أن يمثل الثابت الكوني شكلًا غامضًا من أشكال المادة أو الطاقة، إذ يعمل ضد الجاذبية، ويعده الفيزيائيون مكافئًا للطاقة المظلمة. لا أحد يعرف ما الثابت الكوني تمامًا، لكنه مطلوب في المعادلات الكونية للتوفيق بين الجانب النظري والرصد العملي للكون.
من ابتكر الثابت الكوني ؟
ابتكر العالم الألماني الأمريكي ألبرت أينشتاين الثابت الكوني عام 1915 لإضفاء التوازن على حسابات معينة ضمن نظرية النسبية العامة، وأطلق عليه «الثابت الكوني».
في ذلك الوقت، ظن الفيزيائيون أن الكون ثابت لا يتمدد ولا يتقلص، لكن أينشتاين اقترح أن الجاذبية ستجعله يفعل أحدهما، لذلك أدخل أينشتاين في نتائجه عامل فدج الذي يُشار إليه بالحرف اليوناني «لامدا λ» لتحقيق التوافق مع الإجماع العلمي، ما أبقى الكون ثابتًا.
لكن بعد أكثر من عقد من الزمن، لاحظ عالم الفلك الأمريكي إدوين هابل أن المجرات كانت تبتعد عنا فعلًا، مشيرًا إلى توسع الكون. في حين وصف أينشتاين لامدا بأكبر أخطائه.
نفت ملاحظات هابل الحاجة إلى ثابت كوني عقودًا من الزمن، لكن تغير ذلك حين لاحظ علماء الفلك الذين اكتشفوا المستعرات العظمى البعيدة في أواخر التسعينيات أن الكون لم يكن يتوسع فحسب، بل يتسارع في توسعه أيضًا. ولتفسير هذه الظاهرة أطلق العلماء على تلك القوة الغامضة المضادة للجاذبية «الطاقة المظلمة».
طور الفيزيائي الروسي أليكسندر فريدمان معادلةً في عشرينيات القرن الماضي سُميت «معادلة فريدمان»، تصف المعادلة خصائص الكون منذ الانفجار الأعظم وما يليه وفقًا لبرنامج تعليمي أقامته جامعة ولاية جورجيا عبر الإنترنت.
يمكن الباحثين تكوين نموذج صحيح للكون يتضمن معدل توسع متسارع للكون بواسطة نفض الغبار عن معامل لامدا الذي وضعه أينشتاين وربطه بمعادلة فريدمان. تمثل هذه النسخة من معادلة فريدمان الآن البنية الأساسية للنظرية الكونية المعاصرة، وتسمى نموذج لامدا للمادة المظلمة الباردة، وتشمل جميع المكونات المعروفة في الواقع.
ما هذا الرقم السحري؟
عمومًا لا أحد يفهم حقًا ما لامدا، إذ يعده معظم الفيزيائيين مصطلحًا يتماشى مع مبدأ الطاقة المظلمة نفسه، لكن هذا لا يوضح الأمور، فالطاقة المظلمة تمثل ببساطة مصطلح وصف ينوب عن مادة مجهولة مضادة للجاذبية، ولذلك تراجعنا عن استخدام عامل فدج الخاص بأينشتاين أساسًا.
يكمن أحد التفسيرات المحتملة للثابت الكوني في عالم فيزياء الجسيمات الحديثة، إذ أثبتت التجارب أن الفضاء الفارغ يتخلله عدد لا يحصى من الجسيمات الافتراضية التي تظهر وتختفي من الوجود باستمرار، يخلق هذا الفعل المتواصل ما يُعرف بطاقة الفراغ، أو القوة التي تنشأ من الفضاء الفارغ متأصلةً في نسيج الزمكان.
لا يعد ربط طاقة الفراغ بالثابت الكوني أمرًا سهلًا، إذ قدر الفلكيون بناءً على رصدهم للمستعرات العظمى أن هذه الطاقة المظلمة يجب أن تمتلك قيمةً صغيرةً ومستقرةً كفايةً لدفع كل شيء في الكون متباعدًا على مر مليارات السنين. لكن عندما حاول العلماء حساب كمية الطاقة التي يجب أن تنتج من الحركة الافتراضية للجسيمات، توصلوا إلى أنها أكثر بمقدار 120 مرةً مما اقترحته بيانات رصد المستعرات العظمى.
لإضافة المزيد من التشويق لهذا اللغز، اقترح بعض العلماء أن الثابت الكوني قد لا يكون ثابتًا على الإطلاق، لكنه يتغير أو يتقلب مع الزمن. سُميت هذه النظرية بالنظرية الجوهرية (نسبةً إلى العنصر الخامس بعد الهواء والأرض والنار والماء، الذي يعني العنصر المثالي وفقًا للفلسفة الإغريقية). تؤدي بعض البرامج مثل برنامج مراقبة الطاقة المظلمة الآن عمليات رصد دقيقةً لمعرفة هل تملك هذه النظرية أي دعم عملي؟
حتى ذلك الحين، سيستمر علماء الكونيات باستخدام لامدا. قد لا يعلمون المعنى الحقيقي لذلك الرقم، لكنهم يعلمون أنهم يحتاجون إليه لتصبح محاولة فهم هذا الكون منطقية.
اقرأ أيضًا:
لماذا تنازل أينشتاين وقبل بالتخلي عن فكرة الكون الثابت؟
ترجمة: رياض شهاب
تدقيق: راما الهريسي