عندما تحدد العادات والتقاليد والمعتقدات التي كرسها الزمن كيفية إنتاج السلع والخدمات وتوزيعها بدلًا من أن تحددها إمكانية الربح المادي، يعرف هذا بالاقتصاد التقليدي. وفي المجتمع التقليدي، لا يستخدم الأفراد النقود، بل يلجؤون إلى التبادل أو المقايضة، ويعتمدون على الزراعة والصيد لتأمين معيشتهم.
في معظم اقتصادات السوق المعاصرة، مثل الولايات المتحدة، يعتمد إنتاج السلع على الطلب ومدى استعداد الناس لدفع النقود مقابل هذه السلع. وعادةً، تقاس صحة المجتمع الاقتصادية بالناتج المحلي الإجمالي. على النقيض من مجتمعات الاقتصاد التقليدي، إذ تحدد العلاقات العائلية والشخصية السلوك الاقتصادي للأفراد بدلًا من أن تحدده الثروة النقدية ودوافع شراء ما يريدون.
مثلًا، من الأرجح أن يصبح أبناء المزارعين مزارعين في الاقتصاد التقليدي، وعوضًا عن استخدام النقود، يستبدلون بالسلع التي ينتجونها (مثل الحليب والجلد) السلع التي يحتاجون إليها (مثل البيض والخضار). وبناءً على الروابط العائلية والمجتمعية، سيميلون إلى المقايضة مع الأشخاص الذين قايض معهم أهلهم وأجدادهم.
سمات الاقتصاد التقليدي
توجد مجتمعات الاقتصاد التقليدي عادةً في المناطق الريفية في دول العالم الثاني والثالث، مثل أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط.
يتمركز الاقتصاد التقليدي حول عائلة أو قبيلة، وتبنى القرارات الاقتصادية وتفاصيل الحياة اليومية على التقاليد التي اكتسبها المجتمع من تجارب أسلافه.
نلاحظ الاقتصاد التقليدي في مجتمعات الرحالة ومجتمعات الصيد وجمع الثمار، التي تهاجر موسميًا من مكان إلى آخر مع قطعان الحيوانات التي يحتاجون إليها لمعيشتهم. وغالبًا، تتنافس هذه المجتمعات مع نظائرها للحصول على الموارد قليلة الوجود، أما التجارة بينهم فهي نادرة لأنهم يحتاجون وينتجون الأشياء ذاتها.
تعتمد الاقتصادات التقليدية على المقايضة عند انخراطها في التجارة وليس على العملات، وتحدث التجارة فقط بين المجتمعات التي لا تنافس بينها، مثلًا، قد تبادل قبيلة صيد اللحوم مقابل محاصيل قبيلة زراعية.
يُستخدم مصطلح «التمام» بين الاقتصاديين عند وصف الاقتصاد التقليدي بسبب استهلاك جميع السلع والخدمات التي تنتج فيه. نادرًا ما تنتج الاقتصادات التقليدية سلعًا فائضة، لأنها تنتج ما تحتاجه للبقاء على قيد الحياة فقط، ما يقلص بدوره الحاجة إلى التجارة أو الحصول على النقود.
يبدأ تطور الاقتصادات التقليدية عن مستوى الصيد وجمع الثمار عندما تستقر في موقع واحد وتعتمد على الزراعة، إذ تفسح الزراعة المجال لإنتاج فائض من المحاصيل يمكن استخدامها للتجارة، ما يشجعهم على تطوير صيغة للنقود لتسهيل التجارة مع مجتمعات بعيدة عنها.
لكي نعرف الاقتصاد التقليدي، من المفيد مقارنته بأنظمة اقتصادية شائعة ومنتشرة على الصعيد العالمي، مثل الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية، ويتشابه الاقتصاد التقليدي مع الأنظمة السابقة في عدة جوانب.
يطبق النظام الاقتصادي الزراعي أحد عناصر الرأسمالية عندما يسمح للأفراد بامتلاك مزارعهم الخاصة، وتطبق قبيلة صيادين متنقلة إحدى سمات الاشتراكية عندما تسمح لأفضل صياديها بالاحتفاظ بأكبر حصة من اللحوم، وتكون هذه القبيلة أقرب للشيوعية في حال منحت اللحوم للأطفال والعجزة أولًا.
أمثلة عن الاقتصاد التقليدي
قد يكون تحديد الاقتصادات التقليدية المعاصرة أمرًا صعبًا، ويوجد مناطق اقتصاد تقليدي معزولة في دول كثيرة، مصنفة حسب نظامها الاقتصادي؛ رأسمالية أو اشتراكية أو شيوعية.
مثلًا في البرازيل، التي يعد اقتصادها خليطًا بين الشيوعية والرأسمالية، تتوزع مجموعات من السكان المحليين على طول الغابات المطرية لنهر الأمازون، ويتمتعون باقتصاد تقليدي بناءً على السلع التي ينتجونها من زراعة وصيد تُستخدم للمقايضة مع جيرانهم.
أما في هايتي -التي تعد أفقر دولة في النصف الغربي من الكرة الأرضية- يعتمد 70% من المواطنين على زراعة الكفاف (الاكتفاء الذاتي) لتأمين معيشتهم، مع أن اقتصادها مصنف رسميًّا؛ اقتصاد سوق حر. وقد أدى استخدام الأخشاب وقودًا إلى تعرية الغابات، فأصبح 96% من الناس مكشوفين أمام الكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير والفيضانات والزلازل. ويُعد استخدام الناس للسحر والشعوذة سببًا آخر للفقر، وبدلًا من تحسين حالتهم الاقتصادية بوساطة الممارسات الزراعية المجدية، يلجأ المزارعون إلى الآلهة التقليدية والكهنة (الشامان).
وفي مناطق تقع في القطب الشمالي، مثل ألاسكا وكندا وغرينلاند، يطبق السكان المحليون -مثل الإنويت- اقتصادًا تقليديًا يعتمد على الصيد وجمع الثمار والصناعات اليدوية التقليدية. بينما يبيع هؤلاء الناس أحيانًا أدوات يدوية الصنع للغرباء، ولكن يستخدم معظم إنتاجهم لتلبية حاجاتهم والمقايضة مع جيرانهم.
وفي أرجاء النرويج والسويد وفنلندا، نلاحظ الاقتصاد التقليدي لدى شعوب السامي، التي تعتمد على قطعان حيوانات الرنة للتنقل وتأمين اللحوم والفراء؛ وتحدد وظائف الأفراد في التعامل مع القطعان مكانتهم في الاقتصاد وتعامل الحكومة معهم، ونلاحظ اقتصادات تقليدية مشابهة لدى السكان المحليين في أفريقيا وآسيا وجزر المحيط الهادئ.
إيجابيات الاقتصادات التقليدية وسلبياتها
لا يوجد نظام اقتصادي مثالي، وينطبق هذا على الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية، ولا شك أن الاقتصادي التقليدي كذلك.
الإيجابيات:
تتصف الاقتصادات التقليدية بالاستدامة بسبب طبيعتها البدائية، وإنتاجها المنخفض نسبيًا من السلع، إن كمية الهدر في الاقتصاد التقليدي أقل بكثير منها في الأنظمة الثلاثة الأخرى.
وبسبب شدة اعتماد الناس على العلاقات الإنسانية، فإنهم يفهمون بوضوح أهمية مشاركتهم في تحسين حالة المجتمع؛ ويدرك الجميع أن جهودهم مستحقة ومقدرة من قبل الجماعة، إذ تساعد هذه النظرة في نقل المعارف والمهارات إلى الأجيال المستقبلية.
وبسبب انعدام التلوث الصناعي الذي ينجم عنها، تعد هذه الاقتصادات صديقة للبيئة، وبما أنهم لا ينتجون أكثر مما يستهلكون، فلا ينجم عن إنتاجهم للسلع أية مخلفات.
السلبيات:
لا يوجد أيام عطلة في الاقتصاد التقليدي، والعمل الدائم متطلّب أساسي لإنتاج السلع التي يحتاج إليها المجتمع، ولا يعد النجاح مضمونًا عندما يتعلق الأمر بصيد الحيوانات البرية أو الأسماك أو الزراعة.
مقارنة باقتصادات السوق مثل الرأسمالية، تعد كفاءة الاقتصاد التقليدي منخفضة كثيرًا، فتنخفض معه أيضًا احتمالية نجاحه في تأمين مستوى معيشة جيد للأفراد بصفة دائمة ومستقرة.
وبما أن مهام العمل تنتقل من جيل إلى آخر، تعد خيارات العمل محدودة في الاقتصاد التقليدي، لأن ابن الصياد سيصبح صيادًا مثلًا، وينجم عن ذلك الابتعاد عن التغيير والابتكار لأنه يهدد استمرارية المجتمع.
لعل أخطر صفة سلبية للاقتصاد التقليدي هي اعتماده الكبير على قوى الطبيعة، وقد يؤدي تضرر الإنتاج الزراعي بسبب الجفاف، أو تضرر الغابة المطرية بسبب كارثة طبيعية مثل إعصار، إلى حدوث مجاعة دون أية تدخلات خارجية؛ وعندما تتدخل المساعدة الإنسانية سواء عن طريق الحكومة أو منظمةٍ غير ربحية، قد يُجبر الاقتصاد التقليدي على التغير ليصبح نظام اقتصاد سوق يسعى إلى الربح.
ومن السلبيات أيضًا أنها غير قادرة على مقاومة اقتصادات السوق أو الاقتصادات المخططة، التي غالبًا ما تستهلك الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها مجتمعات الاقتصاد التقليدي. مثلًا، ألحق تطوير حقول النفط الروسي في سيبيريا الضرر بمجاري المياه والسهول الجليدية، ما خفض صيد الأسماك ورعي حيوانات الرنة لدى مجتمعات الاقتصاد التقليدي في تلك المناطق.
اقرأ أيضًا:
أشهر أربع كوارث اندماج واستحواذ
ترجمة: كميت خطيب
تدقيق: أحمد الحميّد
مراجعة: حسين جرود