مع انتشار خبر الانتهاء من صنع لقاح فيروس كورونا المستجد وإعطاء الجرعات الأولى منه، ارتفعت الآمال بأن نهاية هذا الوباء العالمي قد باتت وشيكة، وعلى الجانب الآخر، أُثيرت بعض المخاوف المتعلقة بفاعلية اللقاح وآثاره الجانبية.
ما الآثار الجانبية المحتملة لهذا اللقاح؟
حسب ما نُشر من نتائج المرحلة النهائية للتجارب السريرية حول اللقاحين اللذين ظهرا مؤخرًا، يُعد استخدام كلا اللقاحين آمنًا.
اعتُمد في عملية إنتاج لقاح شركتي «فايزر وبايونتيك» على تقنية تجريبية -استُخدمت فيها نسخة اصطناعية من الحمض النووي الريبوزي المرسال mRNA تهدف إلى اختراق الخلايا البشرية وتحويلها بفعالية إلى مصانع لإنتاج اللقاحات!
شملت تجربة اللقاح نحو 40000 متطوع، وأظهرت النتائج أن الآثار الجانبية للقاح كانت خفيفة وبسيطة. إذ شعر نحو 80 % ممن أخذوا اللقاح -خاصة الشباب- بألم في مكان الحقنة، وشعر العديد منهم أيضًا بالتعب والصداع والآلام العضلية، وعانى بعضهم تضخمًا مؤقتًا في العقد اللمفاوية.
نُشرت معلومات اللقاح السابق ونتائجه في مجلة NEJM العلمية.
في المقابل، استخدمت شركة «أسترازينيكا» للأدوية وجامعة «أكسفورد» -في عملية صنع لقاحها- فيروس الشمبانزي الغدي (وهو فيروس مُعطّل) بمثابة ناقل لإيصال اللقاح إلى الخلايا.
شملت تجربة هذا اللقاح نحو 23000 متطوع، ونُشرت المعلومات والنتائج في مجلة The Lancet.
هل يجب اختيار أحد اللقاحين أم كليهما؟
قالت عالمة الفيروسات من المعهد الوطني الفرنسي للأبحاث الصحية، ماري بول كيني: «إن القول بأنك تفضل لقاحًا على الآخر يشبه القول بأنك تفضل آيس كريم الشوكولاتة على آيس كريم الفراولة».
وأضافت: «يجب على المواطنين إدراك أن اللقاحات قد تؤذي ذراع الأطفال وتسبب لها التعب، إضافةً إلى التأثيرات الجانبية الأخرى التي قد يعانونها عند أخذ الحقنة. هذا أمر مزعج حقًا، ولكن هذه التأثيرات الجانبية لن تدوم طويلًا، ولمّا ارتبط حدوثها بظهور مستوى عالٍ من الحماية، فإن تحمّلها خير من عدم أخذها».
حالات نادرة
كانت التأثيرات الجانبية الشديدة لكلا اللقاحين نادرة جدًا، إذ عانى مريض واحد فقط -بعد أخذه للقاح أكسفورد/ أسترازينيكا- تأثيرًا جانبيًا خطيرًا يُعتقد أنه ظهر بسبب طريقة الحقن.
عانى المريض التهابَ النخاع المستعرض، وهو مرض عصبي نادر يسبب التهابًا للنخاع الشوكي.
لُوحظ أيضًا ظهور تأثيرين جانبيين خطيرين آخرين، مع أن حدوثهما لم يكن مرتبطًا بحقن اللقاح، وحسب الباحثين، تماثلت التأثيرات الثلاثة الشديدة إلى الشفاء تمامًا.
حدث شلل بِل (وهو شلل مؤقت في الوجه) لدى أربعة أشخاص من أصل 18000 متطوع ممن أخذوا لقاح فايزر/ بايونتيك على مدى شهرين، لكن هذه النسبة مماثلة للنسبة الطبيعية لحدوث شلل بل لدى عامة الناس، لذلك من غير الواضح تمامًا هل اللقاح سبّب الشلل لهؤلاء الأشخاص أم لا؟
ولأجل السلامة العامة، أوصت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية FDA بتوخي الحذر جيدًا.
أيضًا، عانى ثمانية أشخاص -ممن تلقوا اللقاح- التهابَ الزائدة الدودية، مقارنةً بأربعة أشخاص ممن أخذوا الدواء الوهمي. لكن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية صرحت بأن الأثر الجانبي هذا لم يكن بسبب اللقاح، بل حدث صدفةً!
لا يمكن استبعاد حدوث تأثيرات جانبية خطيرة، كما هو الحال بالنسبة لجميع الأدوية. وتُجرى دائمًا موازنة ما بين الفوائد والمخاطر.
قالت إيزابيل بارينت، خبيرة اللقاحات في الوكالة الفرنسية للأدوية: «من المقبول تمامًا الحصول على لقاح له تأثيرات جانبية مرتفعة بعض الشيء في حال لم تكن هذه التأثيرات خطيرة».
ماذا عن الحساسية من اللقاح؟
قالت السلطات الصحية البريطانية -بعد إعطاء لقاح فايزر/ بايونتيك- إن اثنين ممن أخذوا اللقاح ظهرت لديهم حساسية شديدة منه، وقد ذُكر أن كلا المريضين يحملان عوامل ممرضة خطيرة مسببة للحساسية، لدرجة أن الأدرينالين يبقى مرتفعًا عندهما دائمًا، لذلك حذرت السلطات البريطانية من أخذ اللقاح إن كنتَ ممن تعرضوا سابقًا لارتكاسات تحسسية بعد أخذ لقاح أو دواء أو طعام ما.
حول هذا الأمر، صرّح ستيفن إيفانز، أستاذ الوبائيات الدوائية في مدرسة لندن للطب والصحة: «نسبة إلى بقية الأشخاص ممن لا سوابق تحسسية لديهم، فلا داعي للقلق من اللقاح، ويجب علينا أن نتذكر دائمًا أنّ حتى الأطعمة البسيطة قد تسبب ارتكاسات تحسسية شديدة غير متوقعة».
توقع المسؤولون عن التجربة السريرية حدوث هذه المخاطر، لكنهم استبعدوا حدوثها عند المتطوعين الذين لديهم سوابق تحسسية شديدة تجاه اللقاحات عامة أو تجاه أحد مكونات اللقاح.
يبدو أن الأشخاص الذين يعانون الحساسية من بعض المواد الشائعة -مثل البيض والمكسرات- لا تظهر لديهم حساسية من هذا اللقاح، ولكن لا بد في الوقت الحاضر من فهم طبيعة هذه الارتكاسات التحسسية وتحديدها جيدًا، بالإضافة إلى ضرورة معرفة التاريخ الطبي للمرضى.
الآثار الجانبية على المدى الطويل:
ستبقى في الوقت الراهن التأثيرات الجانبية طويلة الأمد مجهولة، نظرًا إلى كون اللقاحات جديدة.
ونظرًا إلى أن هذه اللقاحات قد يُصرَّح باستخدامها في حالات الطوارئ بسبب الوباء المنتشر، ستُراقب السلطات الصحية العالمية ظهور التأثيرات الجانبية على المدى البعيد لتتمكن من تدبيرها جيدًا في الوقت المناسب. وتُعد المراقبة الدقيقة المستمرة لبيانات السلامة والفعالية أمرًا ضروريًا ومعتادًا عند ظهور أي لقاح جديد.
اقرأ أيضًا:
لماذا لم يستطع العلماء تصنيع لقاح لمرض الايدز لغاية الآن؟
لماذا يعد لقاح أوكسفورد-أسترازينيكا منقذ البشرية من جائحة كورونا؟
ترجمة: د. يوسف الجنيدي
تدقيق: تسنيم الطيبي