لماذا توجد علاقات ذات فجوة عمرية؟ ومتى تنجح هذه العلافات؟ تواجه العلاقات ذات الفوارق العمرية -التي غالبًا ما تُسمى علاقات مايو-ديسمبر- تحديات فريدة من نوعها.
تشير الأبحاث إلى أن الأزواج يميلون إلى فرق في العمر بنحو ثلاث سنوات.
يفسر علم النفس التطوري سبب أن الرجال في العادة يكونون أكبر سنًا في العلاقات بين الجنسين.
هل العمر مجرد رقم؟
بالتأكيد هو كذلك بالنسبة لبعض الأزواج الرومانسيين، فهم لا يعدّون عمرهم عاملًا مهمًا في توافقهم، وبالطبع فهؤلاء الأزواج يميلون إلى أن يكون هناك تقارب عمري بينهم، فالاختلافات البسيطة في السن -وخاصة عندما يكون الرجال أكبر سنًا- تميل إلى عدم انشغال الزوجين أثناء تطوير علاقتهما.
أما بالنسبة إلى الأزواج الآخرين، فإن العمر أكثر من مجرد رقم. وتتكون علاقات “الفجوة العمرية” هذه من شخص أكبر سنًا من الآخر بشكل ملحوظ.
ويصبح العمر قضية مهمة عند وجود فجوة عمرية كبيرة بين الشريكين، وفي بعض الأحيان يسبب فشل العلاقة في المراحل المبكرة من تطورها.
العمر شيء والصفات الأخرى شيء آخر:
هل تعرفون المثل القائل “الطيور على أشكالها تقع”؟
هذا المثل صحيح عمومًا عندما يتعلق الأمر بالحب. الناس يقعون في حب الآخرين الذين يشبهونهم في مجموعة من الصفات، مثل: المستوى التعليمي والقيم والتوجهات السياسية والعرق والانتماء وكذلك الهوايات وكيفية قضاء وقت الفراغ.
ولكن على الرغم من شيوع هذه القاعدة، فإن عامل العمر قد يخالفها.
تشير الأبحاث إلى أن الزوجين يفضلان أن يكون الفارق العمري بينهما ثلاثة أعوام، بحيث يكون الرجل هو الأكبر سنًا.
والفارق القياسي في العمر بين الزوجين والمُقدّر بثلاثة أعوام يتراوح ضمن مجال معين قبل أن يصبح فارق العمر واضحًا. وكلما كان الفارق العمري أكبر ازدادت ملاحظته من قبل الأصدقاء وعامة الناس.
الاختلافات العمرية يمكن أن تسبب عدم ارتياح الناس:
الفجوات العمرية بين الشركاء يمكن أن تولد الوعي الذاتي حول العلاقة والمخاوف حول فشلها وفرط الحساسية تجاه أفكار الآخرين عن مدى تلاؤم الزوجين.
وفي هذه الحالات قد تُلاحظ فجوات العمر بوضوح، مثل فرق 15 أو 25 عامًا. وفقًا لبرنامج (Today show) لم تكن كاثرين ماكفي تتوقع ردة فعل إيجابية لعلاقتها مع ديفيد فوستر الذي يكبرها بـ 35 عامًا، وعلى نحو آخر فقد اعترف جورج كلوني لهوارد ستيرن بأنه لا يعتقد أن زوجته الحالية أمل علم الدين كانت ستهتم به لأنه يكبرها بـ17 عامًا.
وقد تعكس ردة الفعل الاجتماعية السلبية للعلاقات ذات الفارق العمري الكبير اعتراض الناس على العلاقات غير العادلة وغير المنصفة. وتشير الأدلة إلى أن التحيز المرتبط بعلاقات الفجوة العمرية يُفسر من خلال الاعتقاد بأن شخصًا واحدًا (الشخص الأكبر سنًا) يحصل على منافع من العلاقة أكثر من الشخص الآخر.
وربما ينظر الآخرون بشكل سلبي لعلاقات الفجوة العمرية؛ لأنهم يشعرون وكأن الشخص الأكبر يستغل الشخص الأصغر سنًا.
تفضيلات العمر مضمَّنة في علم النفس المتطور للتزاوج بين البشر:
وفقًا لعلم نفس التطوري فإن تصنيف العمر في العلاقات العاطفية غير اعتباطي، إذ يُعد عاملًا حاسمًا في تشكيل العلاقات.
ويستند علم النفس التطوري إلى فرضية؛ وهي أن العقل البشري قد طور استراتيجيات تكيفية لدعم التكاثر والبقاء.
وعلى هذا المنوال استفادت المرأة من خلال البحث عن رجل يمتلك المركز والموارد اللازمة لتنشئة أطفالهم، إضافةً إلى الرغبة بالقيام بذلك، وترتبط هذه السمات بالرجال الأكبر سنًا.
وفي الوقت نفسه يفضل الرجال النساء الأصغر سنًا؛ لامتلاكهنَّ معدل خصوبة أعلى. وعلى مر العصور يمتلك الرجال فرصًا إنجابية أكبر مع النساء القادرات على الإنجاب.
وهذا يفسر سبب تفضيل النساء الزواج من الرجال الأكبر سنًا بقليل، وأيضًا سبب تفضيل الرجال الزواج من النساء الأصغر سنًا مع زيادة الفجوة العمرية مع تقدم الرجال في السن.
ولذلك فإن العلاقات ذات الفارق العمري الكبير بين الجنسين تعكس في كثير من الأحيان ازدياد تفضيل الرجال للنساء الأصغر سنًا والأكثر خصوبة وتفضيل النساء للرجال المرموقين الأكبر سنًا.
قد تعكس الفجوة العمرية المثالية والتوجه لأن يكون الرجال أكبر سنًا نتائجَ صحية:
على الرغم من ميل الرجال إلى أن يكونوا أكبر قليلًا بالعمر، فجميعنا يعرف عديدًا من الأزواج ليس فقط بينهم فارق عمري كبير، بل يعارض ما هو متوقع من علم النفس التطوري أيضًا، وبعبارة أخرى هناك علاقات تكون النساء فيها أكبر سنًا بكثير من أزواجهن، مثل: نيك جوناس وبريانكا تشوبرا التي تكبره بعشرة أعوام، وديبورا لي فورنس زوجة هيو جاكمان التي تكبره بثلاثة عشر عامًا، أو صديق مادونا الحالي الذي يصغرها بخمسة وثلاثين عامًا.
ومن الغريب أن تميل المرأة إلى أن تكون أكبر سنًا من شريكها بين الأزواج الأصغر سنًا، وهو عكس الاتجاه التقليدي للفجوة العمرية.
بالاطلاع على بيانات الولادة في الولايات المتحدة، يميل الآباء -بين الأزواج الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا- إلى أن يكونوا أصغر قليلًا من الأمهات، وتنعكس هذه الفجوة العمرية في الفئات العمرية الأكبر سنًا، إذ يكون الرجال في أوائل ومنتصف الأربعينيات من عمرهم، وفي أوائل ومنتصف الخمسينيات من عمرهم، وزوجاتهم في منتصف الثلاثينيات من عمرهن، أي أصغر منهم بعشرين عامًا في الفئة العمرية الأكبر سنًا. وبالتالي فإن النمط العام -وهو أن الرجال أكبر سنًا إلى حد عمري معين- يبدو سائدًا، ما يجعل العلاقات ذات الفجوة العمرية غير عادية.
وقد تعكس الفجوة العمرية “المثالية” التي تتراوح بين ثلاثة أعوام والرجال الأكبر سنًا من النساء، والتي لوحظت عبر الثقافات، حالة انتقائية مثلى. وتشير البيانات إلى أنه بغض النظر عن عمر الأم، فإن صحة الرضيع تكون في أعلى مستوياتها (مثل معدل البقاء على قيد الحياة) عندما يكون الذكور أكبر سنًا فقط بفارق عمري طفيف.
وفي العلاقات التي تكون فيها النساء أكبر سنًا بكثير من شركائهن، لا تكون الحالة الصحية للرضيع جيدة بالمقارنة مع النساء في العمر نفسه. وتشير هذه البيانات الجديدة إلى الأسباب التي تجعل من الفجوة العمرية تحديًا قويًا عبر الثقافات.
تقييم جدوى علاقة الفجوة العمرية:
بالتأكيد قد تتطلب علاقات الفجوة العمرية التلاؤم أو تجاهل تعليقات الآخرين المزعجة، ولكن يمكن لعلاقات الفجوة العمرية أن تزدهر.
إليك أربعة أسئلة لتطرحها على نفسك:
1- هل هذه علاقة قصيرة الأمد أم طويلة الأمد؟
قد تفوق المتعة في العلاقة القصيرة الأمد التحديات التي قد تصف رحلة العلاقة طويلة الأمد. يتمتع الشركاء الأكبر سنًا بحيوية الشريك الأصغر سنًا وجاذبيته، وكذلك يستفيد الشركاء الأصغر سنًا من مكانة الشركاء الأكبر ومالهم ومعارفهم.
2- هل تتشاركان الأهداف طويلة الأجل نفسها؟
العلاقات طويلة الأمد من أي نوع تكون أكثر نجاحًا عندما يملك الزوجان الأهداف نفسها. ونظرًا لأن العديد من أهداف الحياة مرتبطة بالعمر، فإن مسألة الأهداف المشتركة يمكن أن تكون أكثر إلحاحًا للأزواج الذين يعانون من فجوة العمر. هل يعمل أحدهم بينما يريد الآخر أن يتقاعد؟ هل تريد قضاء عطلة نهاية الأسبوع بالطريقة نفسها؟
3- أيريد أحدكما أطفالًا؟
في علاقة طويلة الأمد مع وجود شريك أكبر سنًا يمكن أن تكون المناقشة المفتوحة حول الرغبة في إنجاب الأولاد (أولاد بيولوجيين أو تبني) مهمة جدًا، هذا يعني مناقشة جميع الشركاء أصحاب العلاقات طويلة الأمد، ولكن العلاقات ذات الفجوة العمرية قد تواجه تحديات خاصة.
تكون النساء الأكبر سنًا من أزواجهن أقل احتمالًا في أن يكون لديهن طفل بيولوجي أو قد لا يهمهن تربية أطفال صغار في الأربعينيات أو الخمسينيات من عمرهن، كما أن الرجال الأكبر سنًا قد يحذرون من إنجاب طفل؛ لعلمهم بأنهم سيكبرون عندما يكون أولادهم في سن المراهقة.
هذه هي الأفكار المهمة التي تجب مناقشتها في حال كان من المتوقع أن تكون العلاقة طويلة الأمد.
4- هل تحظى بدعم أصدقائك؟
للأصدقاء والأسرة دور في نجاح علاقاتنا، سواء رغبنا في ذلك أم لا. بشكل عام عندما يوافق الأصدقاء على العلاقات فإنهم يساعدون في دعمها، في حين أن عدم موافقتهم يمكن أن يكون مصحوبًا بالسلوكيات التي تجعل من الصعب علينا الاستمرار في علاقاتنا.
غالبًا ما يتم وصم العلاقات ذات الفجوة العمرية ، ولكن إذا نالت هذه العلاقة موافقة الأصدقاء والأسرة يصبح من السهل الحفاظ عليها.
يسير منحى العمر الزمني بشكل تصاعدي، ولكن يبقى العمر المحسوس للأشخاص والعمر الذي يشعرون به أكثر أهمية لنجاح العلاقة، وقد يكون التوافق بين الشركاء ذوي الفوارق العمرية الكبيرة أفضل بكثير من الأزواج في العمر نفسه من حيث مصالحهم المشتركة وحيويتهم وطاقتهم وصحتهم.
لا تُعرف المشاعر والأفكار والسلوكيات اليومية التي تحدد العلاقة إلا من قبل الشريكين في العلاقة، وليس من قبل الغرباء الفضوليين. وعندما يكون الشريكان متفقين بشكل جيد -بغض النظر عن الفجوة العمرية- فيمكنهم إقامة علاقة متينة ومُرضية.
اقرأ أيضًا:
لماذا يزدري الناس العلاقات التي تتسم بالفروق العمرية أو الدينية؟
لماذا ينجذب الرجال لنساء أكبر سنًا حيث يكون الفارق العمري كبيرًا؟
ترجمة: هبة علي
تدقيق: إيناس خير الدين
