حتى و إن لم تتعرفوا عليه من اسمه إلا أنكم بالتأكيد قد صادفتموه كثيرا في حياتكم اليومية.
القانون الثالث لنيوتن الذي ينص على أن لكل فعل ردة فعل مساوية له في الشدة و معاكسة له في الاتجاه و الذي أخذها معظمنا في صف الإكمالي أو الثانوي على أنه مبدأ عام و أساسي في الفيزياء، بالإمكان أن يُتعدى عليه في بعض الحالات.
هذا ما أشار إليه “أليكسي إيفليف” و فريقه في ورقة علمية نُشرت يوم الجمعة الماضي على موقع Physical Review X.
عندما يتعدى جسم أو جسيم ما على القانون الثالث لنيوتن، نقول أننا في حالة تفاعل غير متبادل.
تحدث هذه التعديات حين يتدخل الوسط في العملية بطريقة ما، مثل حالة تحرك الوسط بالنسبة لإحدى الجسيمين، (بالطبع هنا يبقى قانون نيوتن محقّقا بالنسبة للنظام الفيزيائي كاملا أي الجسم و الوسط معا).
مع أن العديد من التجارب قد أُنجزت في هذا الصدد إلّا أنّنا لم نعرف الكثير عما يحدث على المستوى المجهري أو الميكانيكا الإحصائية للنظام.
درس الفريق “الميكانيكا الإحصائية” لمختلف أنواع التفاعلات غير المتبادلة ليكتشف نتائج مدهشة، مثل التي تشير إلى أن تدرجات حرارية كبيرة يمكن أن تتولد على مستوى الجسيمات.
يقول “إيفليف”، من معهد ماكس بلانك لفيزياء الفضاء بجارشينج بألمانيا، لموقع Phys.org: “أظن أنّ الأهمية الكبرى لعملنا تكمن في أننا أثبتنا أن بعض فئات الأنظمة غير المتزنة يمكن التعبير عنها بدقة بميكانيكا إحصاء الأنظمة المتزنة (بمعنى أنّ باستطاعتنا استنتاج شبيه هاميلتوني (pseud Hamiltonian) يمكنه أن يُعرِّف مثل تلك الأنظمة الفيزيائية)”.
و يضيف: “واحدة من الملاحظات الأكثر غرابة هي أنّ بإمكاننا مثلا رصد خليط من سائلين في نظام متزن، لكن كل منهما له درجة حرارة مختلفة”.
أحد الأمثلة لنظام غير تبادلي أظهره الباحثون تجريبيا في إحدى الدراسات كان يتضمن جسيمات مجهرية تطفو فوق قطب كهربائي في غرفة من البلازما المشحونة، يقع التّعدي على قانون نيوتن هنا عندما يطفو نوعان من الجسيمات على ارتفاعات مختلفة طبقا لاختلاف الحجم و الكثافة، فيوّلد الحقل الكهربائي في الغرفة تدفقا عموديا للبلازما، على غرار تيّار في نهر، حيث يركز كل جسيم مشحون أيونات البلازما خلفه مشكلا آثارا عمودية للبلازما وراءه.
على الرغم من أن قوى التنافر التي تحدث بسبب التفاعل المباشر بين طبقتين من الجسيمات تعد متبادلة، إلا أن قوى التجاذب بين الطبقتين الناشئة عن الأثر الذي تتركه الجسيمات ليست كذلك.
هذا بسبب أن القوى الناشئة عن أثر الجسيمات تنقص بزيادة المسافة من القطب الكهربائي والطبقات تطفو على ارتفاعات مختلفة.
كنتيجة لهذا، تمارس الطبقة السفلى من الجسيمات على الطبقة العليا ضغطا أكبر في المجمل من الذي تمارسه الطبقة العليا على السفلى.
و بالتالي يكون للطبقة العليا متوسط طاقة حركية أكبر، وبالتالي درجة حرارة أعلى.
بضبط الحقل الكهربائي، استطاع الباحثون زيادة المسافة بين الطبقتين المتفاعلتين ما سمح بزيادة فارق درجة الحرارة.
يقول “إيفليف”: “عادة ما أكون متحفظا تجاه التخمين حول ماهية نوع التطبيق المحتمل و ‘المباشر’ لاكتشاف معين، على الأقل حين يتعلّق الأمر بالفيزياء، لكنّ المؤكد و الذي أثق فيه جيدا هو أن نتائجنا تعتبر خطوة مهمة لفهم أفضل لبعض أنواع الأنظمة غير المتزنة، فهنالك العديد من الأنظمة غير المتزنة و المختلفة جدا حيث يكون التناظر “فعل-ردة فعل” غير موجود لصالح التفاعلات بين الجسيمات، لكننا رغم هذا يمكننا إيجاد تناظر مشابه يسمح بالتعبير عن أنظمة كهذه بعبارات ميكانيكية إحصائية سهلة”.
بينما يمكن اعتبار تجربة البلازما مثالا على كسر التناظر “الفعلي-رد فعلي” على مستوى الأنظمة ثنائية البعد، يمكن أيضا تحقيق كسر التناظر في أنظمة ثلاثية الأبعاد.
يتوقع العلماء أن ينتج كلا النظامين نتائج مميزة وغير اعتيادية كما يطمحون في التحقيق في أنظمة أكثر مستقبلا.
يصرّح إيفليف قائلا : “بحثنا الحالي يتمحور حول العديد من المواضيع في هذا الصدد…منها تأثير كسر التناظر في التعليق الغرواني المثبط (overdamped colloidal suspensions)، حيث تؤدي التفاعلات غير المتبادلة الى تنوع هائل في ظواهر الترتيب الذاتي (تكون الأشكال، فصل المراحل، التجمعات الديناميكية إلخ…).
يمكن أن تقود مثل هذه النتائج إلى العديد من التطبيقات المهمة.
هناك موضوع آخر مهم جدا، كيف يمكن لنا أن نصف نطاقا أوسع من الأنظمة غير التبادلية قريبات الهاميلتونيان (nearly Hamiltonian) التي تتطابق تفاعلاتها تقريبا مع تلك التي يمكن وصفها بشبيهات الهاميلتونيان؟ نأمل أن نصل لنتائج عن هذا قريبا جدا”.
- اعداد: نرجس دواق
- تدقيق: مينا شكري
- تحرير : رغدة عاصي
- المصدر