ملو كانت الثقوب الدودية موجودة، لابتلعت الثقوب السوداء. تفترض دراسة جديدة أنه لو كانت الثقوب الدودية موجودة لاكتشف العلماء يومًا ما سقوط الثقوب السوداء فيها. تشير دراسة جديدة إلى إمكانية ملاحظة الثقوب السوداء تسقط في الثقوب الدودية باستخدام تموجات نسيج الزمكان المعروفة بموجات الجاذبية، لكن قد يحدث هذا فقط حال وجود الثقوب الدودية فعلًا.
وفقًا للعالم أينشتاين -أول من توقع وجود موجات الجاذبية عام 1916- فإن الجاذبية هي نتيجة للتشوه الذي تُحدثه الكتلة في نسيج الزمكان. عندما يتحرك جسمان أو أكثر ضمن مجال الجاذبية الخاص بهم، تنتج عن ذلك موجات جاذبية تسافر بسرعة الضوء، تؤدي إلى تمدد الزمكان وانضغاطه على طول الطريق.
من الصعب اكتشاف موجات الجاذبية لأنها ضعيفة جدًا، وحتى أينشتاين كان غير متيقن من وجودها وإمكانية اكتشافها. وبعد عقود من العمل، سجل العلماء أول دليل مباشر على موجات الجاذبية عام 2016، إذ اكتُشفت باستخدام المرصد الليزري لمقياس تداخل موجات الجاذبية (LIGO).
الثقوب السوداء والثقوب الدودية
اكتشفت مراصد موجات الجاذبية أكثر من 20 تصادمًا ضخمًا بين أجسام عملاقة وبالغة الكثافة مثل الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية، ومع أن الكثير من الأجسام الشاذة قد تكون موجودة نظريًا، مثل الثقوب الدودية، فإن اصطدامها يجب أن يُنتج إشارات جاذبية قد يتمكن العلماء من اكتشافها.
الثقوب الدودية هي أنفاق في نسيج الزمكان يمكن من خلالها -نظريًا- السفر إلى أي مكان في الكون، أو حتى إلى كون آخر. تسمح نظرية النسبية العامة لأينشتاين بإمكانية وجود الثقوب الدودية، لكن وجودها فعليًا أمر آخر.
مبدئيًا، كل الثقوب الدودية غير مستقرة إذ تُغلق في اللحظة التي تُفتح فيها. والطريقة الوحيدة لإبقائها مفتوحةً لتسمح بالسفر عبرها هي حالة شاذة من المادة تُسمى «الكتلة السالبة». تتمتع مثل هذه المادة الشاذة بخصائص غريبة، تتضمن التحرك مبتعدةً عن حقل الجاذبية المعياري بدلًا من السقوط فيه كالمادة العادية. ولا أحد يعلم يقينًا بوجود مثل هذه المادة الشاذة.
بطريقة أو بأخرى، يتشابه الثقب الأسود مع الثقب الدودي. فكلاهما جرم له كثافة عالية جدًا وله جاذبية قوية تؤثر في الأجسام الأخرى. الفرق الرئيسي بينهما -نظريًا- أن أي جسم لا يمكن أن يعود إذا دخل أفق الحدث لثقب أسود -العتبة التي تكون عندها السرعة اللازمة للهرب من جاذبية الثقب الأسود تفوق سرعة الضوء- في حين أن أي جسم يدخل في ثقب دودي يمكنه أن يعكس مساره.
بافتراض وجود الثقوب الدودية، تحقق العلماء -في بحث جديد لم يُراجَع حتى الآن- من إشارات الجاذبية المتولدة عن دوران ثقب أسود حول ثقب دودي. واستكشف العلماء أيضًا ما الذي سيحدث عندما يدخل ثقب أسود في بوابة ثقب دودي، خارجًا من البوابة الأخرى للثقب الدودي إلى نقطة أخرى في نسيج الزمكان -بفرض ارتباطهما جاذبيًا- ليسقط الثقب الأسود في الثقب الدودي ويخرج من الجانب الآخر.
لا مفر
حلل العلماء باستخدام النماذج الحاسوبية السيناريو الذي سيحدث بين ثقب أسود كتلته 5 أضعاف كتلة الشمس وثقب دودي مستقر كتلته 200 ضعف كتلة الشمس، وقطر بوابته 60 ضعف قطر الثقب الأسود. أعطت النتائج إشارات جاذبية تختلف عما قد شوهد حتى الآن، تحدث عندما ينتقل ثقب أسود داخل الثقب الدودي وخارجه.
عندما يدور ثقبان أسودان متقاربان، تزداد سرعتهما المدارية، ويرتفع تردد موجات الجاذبية. وتنتج موجات الجاذبية صوت زقزقة، نتيجة الزيادة الحادة في التردد، لأن أي زيادة في التردد ترافقها زيادة في طبقة النغمة.
أما إذا دار ثقب أسود في فلك ثقب دودي، فسيُلاحظ تزايد في التردد يشبه كثيرًا ما يحدث عند لقاء ثقبين أسودين، لكن ستتلاشى معظم إشارات الجاذبية الناتجة عن الثقب الأسود، إذ تشع معظم موجاته الجاذبية إلى الجانب الآخر من الثقب الدودي، على عكس ما يحدث عن تصادم ثقبين أسودين، إذ ينتج انفجار هائل لموجات الجاذبية.
وإذا شوهد ثقب أسود يخرج من ثقب دودي، فسيُلاحظ تناقص في التردد مع الوقت. بمعنى آخر، سيتناقص تردد موجات الجاذبية الناتجة عن الثقب الأسود ليبدو كأنه يبتعد عن الثقب الدودي.
وإذا واصل الثقب الأسود رحلته داخلًا الثقب الدودي وخارجًا منه، فسيولد دورة من الزيادة والنقص في تردد موجات الجاذبية. والفترة الزمنية بين كل زيادة ونقصان ستتقلص بمرور الوقت حتى يعلق الثقب الأسود على بوابة الثقب الدودي. إن اكتشاف هذا النوع من الإشارات الجاذبية قد يدعم حقيقة وجود الثقوب الدودية.
قال الباحث المشارك في الدراسة ويليام غابيلا: «مع أن فكرة وجود الثقوب الدودية ما زالت غير مؤكدة، فحقيقة أننا قد نمتلك القدرة على إثبات وجودها أو إعطائه مصداقية على الأقل هو أمر رائع جدًا».
قال غابيلا: «في هذا السيناريو، سيتوقف أخيرًا الثقب الأسود عن السقوط داخلًا الثقب الدودي وخارجًا منه ليتمركز بالقرب من إحدى بوابتيه. وتعتمد عواقب مثل هذه النهاية على الخصائص المتوقعة للمادة الشاذة الموجودة في بوابة الثقب الدودي. أحد الاحتمالات أن يزيد الثقب الأسود كتلة الثقب الدودي، أو أن الثقب الدودي ربما لا يمتلك مادة شاذة كافية للحفاظ على استقراره. قد يؤدي التشوه في نسيج الزمكان إلى أن يحول الثقب الأسود كتلته إلى طاقة، في صورة قدر هائل من موجات الجاذبية».
وتابع قائلًا: «ما دامت للثقب الدودي كتلة أكبر من أي ثقب أسود يصادفه، فينبغي له أن يبقى مستقرًا. وإذا صادف ثقبًا أسود أكبر منه، فقد يؤدي الثقب الأسود إلى تشويه المادة الشاذة للثقب الدودي بما يكفي لجعل الثقب الدودي غير مستقر، ما يسبب انهياره، فيتشكل ثقب أسود جديد».
أما السيناريو الذي يحدث عندما يلامس ثقب أسود حواف ثقب دودي، مع دخول جزء من الثقب الأسود في بوابة الثقب الدودي وبقاء الجزء الآخر منه خارج البوابة، قال غابيلا: «أتوقع أن الثقب الأسود سيتصرف بجنون عند أفق الحدث ليعطي المزيد من الجاذبية ويفقد الكثير من الطاقة». وقد يشوّه مثل هذا الاصطدام المادة الشاذة في الثقب الدودي ما يعطينا ثقبًا دوديًا غير مستقر.
وقال غابيلا: «قد يتمكن البحث المستقبلي من دراسة التفاعلات بين المادة الشاذة للثقب الدودي مع أي مادة عادية تدخل فيه، وأيضًا الكثير من السيناريوهات المعقدة، مثل ما سيحدث إذا دار ثقب دودي حول نفسه. تسعى دراسة أخرى للتحقق من كيفية تفاعل المادة الشاذة والمادة العادية في مثل هذه السيناريوهات، إضافةً إلى تنوع المدارات التي قد توجد بين الثقب الدودي وأي جرم آخر».
اقرأ أيضًا:
كيف يمكننا اكتشاف الثقوب الدودية ؟
ترجمة: فارس بلول
تدقيق: عون حدّاد
مراجعة: أكرم محيي الدين