العاصفة الكونية: عندما تصطدم العناقيد المجريَّة
وجد العلماء ما يمكن أن نطلق عليه العاصفة الكونية المثالية، عنقود مجري يتجمَّع، والطاقة الناتجة عن ذلك لا تفوقها سوى طاقة الإنفجار العظيم.
كان هذا الإصطدام العنقودي المسجل هو الأكثر قوة، وهو يعطي لمحة جديدة عن عملية إندماج العنقود، حيث تحتشد العديد من المجرات وتصطدم ببعضها البعض لتكوين هيكل مجريّ واحد.
يقول الفلكي باتريك هنري (Patrick Henry) من جامعة هاواي: “يمكننا الآن أن ننظر إلى أشياء في الطبيعة لم يكن باستطاعتنا رؤيتها سوى في المحاكاة الحاسوبية.”
قاد هنري فريقًا دوليًا من علماء الفلك استخدموا مرصدًا فضائيًّا للأشعة السينية من أجل النظر في هيكل يسمى Abell 754 ــ نتاج إصطدام عنقودين مجريَّين أصغر قبل حوالي 300 مليون سنة. ولوحظ دليل لهذه التصادمات يدعم النظريات التي تقول أن الكون قد تشكل في هيكلٍ هرميٍ “من الأسفل نحو الأعلى”، حيث تجمعت النجوم والمجرات واندمجت فيما بينها لتشكل مجرَّات وعناقيد مجريَّة أكبر.
يقول الباحثون: العناقيد المجرية هي أكبر الهياكل في الكون التي ترتبط فيما بينها عن طريق الجاذبية، تحتوي بعضها على كتلة تصل إلى 10.000 مرَّة كتلة مجرتنا درب التبانة. كما يضيف الباحثون: درب التبانة هي جزء من نادٍ مجرّيٍ يطلق عليه اسم “المجموعة المحلية”، الذي كان بإمكانه الانضمام إلى عنقود العذراء قبل بضع مليارات سنة، لكن توسُع الكون منعه من ذلك.
قصة عنقودين:
قام هنري وزملائه، وبالاعتماد على ملاحظاتهم، بتقصي أثر اندماج Abell 754 بهدف الوصول إلى المجرَّتين المكونتين للعنقود، حيث كانت مجرة واحدة أصغر من الأخرى.
يقول الباحثون: ضمَّ العنقود الأصغر حوالي 300 مجرَّة، بينما ضمَّ جاره الأكبر حوالي 1000 مجرة. لكن عند اصطدام العنقودين، شكَّلا عنقودًا خارقًا يمتد لحوالي المليون سنة ضوئية ويحتاج إلى مليار سنة أخرى ليستقر بشكلٍ كاملٍ، حسب الباحثين – سنة ضوئية واحدة هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة، حوالي 6 تريليون ميل (10 تريليون كليومتر).
في هذا الصدد يقول أوغست إفرارد (August Evrard) بروفيسور الفلك والفيزياء من جامعة ميشيجان: “هذا العنقود أقرب إلينا مقارنةً بالعناقيد الأخرى.. وهذا ما يجعله أكثر ضياءًا وأسهل للدراسة.”
في دراسة جديدة، قام الباحثون باستخدام مرصد وكالة الفضاء الأوروبية للأشعة السينية XMM-Newton لدراسة العنقود. بالإضافة إلى وضع تخطيط للإصطدام، أخذ الباحثون معلومات دقيقة حول ضغط، ودرجة حرارة، وكثافة العنقود لخلق “خارطة طقس” للعنقودين المشكلين لهذا الهيكل وتوقُع حالته خلال فترة الاستقرار.
يقول إفرارد “الطقس في هذا العنقود هو نسخة كونية لإعصار إيفان” ويضيف “هذه العواصف الضخمة هي بحد ذاتها أحداث نادرة.”
يبعد Abell 754 عنا بحوالي 800 مليون سنة ضوئية في كوكبة هيدرا بالسماء الجنوبية. سيتم نشر البحث في العدد القادم من مجلة Astrophysical Journal.
على الطريق الصحيح:
يقول الباحثون أن ملاحظات Abell 754 تتطابق بشكل كبير مع تلك التي تم توقعها باستخدام النماذج الحاسوبية، وهذه إشارة إلى أنّ علماء الفلك في الطريق الصحيح بخصوص نظريات تطور المجرات وهيكل الكون.
من جهةٍ أخرى، قال باحث ناسا ريتشارد موشوتسكي (Richard Mushotzky)، عضو مشروع العلماء الأمريكي لمرصاد XMM-Newton، أن الاكتشاف يضيف شيئًا إلى فهمنا للطاقة المظلمة والمادة المظلمة، تلك الظاهرتان غير المرئيتين الّتان بإمكانهما تحديد معدل اندماج العناقيد المجرية.
يقول موشوتسكي: “بشكلٍ ما، تُمثل العناقيد المجرية الكون بشكلٍ مصغرٍ، إذا ما تمكنّا من فهمها بتفاصيل معينة، يمكننا تطبيق هذه الاكتشافات على الكون بأسره.”
- إعداد : وليد سايس.
- تدقيق: حسام التهامي.
- تحرير: زيد أبو الرب.