يُعد الضوء أسرع ما يتحرك في الكون، لكن ماذا سيحدث إذا كانت سرعته أبطأ بكثير؟ تبلغ سرعة الضوء في الفراغ نحو 300 ألف كيلومتر في الثانية، وإذا كانت أبطأ قليلًا، فسيلاحظ البشر فورًا.
تمكن تجربة هذا السيناريو الافتراضي في لعبة كمبيوتر أنشأها جيرد كورتيماير، مدير التطوير التعليمي والتكنولوجيا في جامعة ETH Zurich للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في سويسرا.
في هذه اللعبة، يمكنك رؤية التأثيرات الغريبة لتغير الألوان والسطوع، وحتى التغيرات في الأطوال الموجية المدركة للأشياء، التي قد تنتج عن سرعة أبطأ بكثير للضوء.
السرعات البشرية البطيئة
حتى في سرعات البشر القصوى، يكون الإنسان بطيئًا مقارنةً بالضوء.
قال فيليب تان، عالم الأبحاث من مختبر الألعاب في معهد ماستشوستس: «أسرع ما وصل إليه الإنسان لا يتجاوز 0.0037% من سرعة الضوء، ويجب أن تكون في مركبة فضائية من نوع ما لبلوغ هذه السرعة».
استنادًا إلى النظريات التجريبية، ستحدث أشياء غير عادية إذا تمكن البشر من السفر بسرعة تقترب من سرعة الضوء، كما قال كورتيماير، أستاذ الفيزياء المشارك في جامعة ولاية ميتشيغان.
وفقًا لنظرية النسبية الخاصة، التي تشرح كيف تؤثر السرعة في الكتلة والزمان والمكان، فإن الوقت سيتباطأ، وسنشعر أن الأجسام أقصر عندما نتجاوزها، وسيصبح تأثير دوبلر مرئيًا للضوء، من بين تغييرات أخرى.
ستحدث هذه التغييرات نفسها إذا تباطأت سرعة الضوء بدلًا من زيادة سرعات البشر. أو إذا كنا نتحرك بسرعة تقترب من سرعة الضوء.
أبطأ سرعة للضوء
ابتكر كورتماير وفريقه من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لعبة كمبيوتر لتوضيح كيف سيكون شكل العالم إذا كانت سرعة الضوء بطيئة بدرجة كافية، بحيث تمكن ملاحظة تأثيرات النسبية الخاصة في الحياة اليومية.
في اللعبة، التي صدرت عام 2012 وتسمى «أبطأ سرعة للضوء»، يتحكم اللاعب في شخصية تجمع أجرامًا سماوية شبيهة بكرة الشاطئ، في كل مرة تجمع فيها الشخصية أحد الأجرام السماوية المئة، تتباطأ سرعة الضوء.
يقول كورتماير: «في الواقع، لن تتباطأ سرعة الضوء فعليًا في اللعبة، إذ لا تتغير سرعة الضوء في الفراغ أبدًا وهي ثابتة لكل مراقب. قد تتغير سرعة الضوء اعتمادًا على المواد التي يمر بها، لكن هذا لا يغير تأثيرات النسبية الخاصة، أو كيف نلاحظها».
مع ذلك، إذا تمكنا من ملاحظة تأثيرات النسبية الخاصة، فسنلاحظ تغيرات في الألوان والوقت والمسافة والسطوع، وقد دمج الفريق هذه التأثيرات في اللعبة.
تغييرات اللون
عندما تقترب سرعة الحركة البشرية من سرعة الضوء، يصبح ما يسمى تأثير دوبلر النسبي محسوسًا. لفهم هذا، تذكر أن الضوء يعمل بمثابة جسيم وموجة.
للموجة طول موجي، أو المسافة من القمة إلى القمة، يحدد الطول الموجي لون الموجة وترددها، أو عدد المنحنيات التي تمر في وقت معين.
وفقًا لتأثير دوبلر، فإن الاقتراب من مصدر الصوت يجعل تردده، أو درجة صوته، يبدو أنه يزداد مع وصول قمم الموجة إلى أذنك بصورة أسرع، والتحرك نحو مصدر الضوء يجعل طول الموجة يبدو أقصر، ما يؤدي إلى إزاحة أطوال الموجات.
يقول كورتماير: «إن اللون الظاهر للضوء يكون بين طيف الألوان الزرقاء والبنفسجية. الابتعاد عن كائن ما، يغير لونه الظاهري نحو النهاية الحمراء للطيف اللوني. الشيء القادم إليك يبدو أكثر زرقةً، والشيء الذي يبتعد عنك يبدو أكثر احمرارًا».
التغيير في الوقت والمسافة
أحد أشهر تأثيرات النسبية الخاصة أنه بالنسبة إلى الإنسان الذي يتحرك بسرعات تقارب سرعة الضوء، فإن الوقت يتباطأ.
في هذا السيناريو، فإن الشخص الذي يتحرك بسرعة تقترب من سرعة الضوء يتقدم في العمر بصورة أبطأ، فيما يُعرف بـ «تأثير التمدد الزمني».
يقول تان عن اللعبة: «تقنيًا، تعاني التمدد الزمني، لكن دون وجود شيء لمقارنته به، فهذا لا يعني أي شيء حقًا».
قد لا يكون التمدد الزمني ملحوظًا خلال اللعبة، لكن في النهاية، يرى اللاعبون شاشة تخبرهم أن الوقت الذي مر عليهم أقل من الوقت الذي مر بالنسبة إلى ساعة ثابتة.
يحدث تمدد الوقت مثل التأثيرات الأخرى للنسبية الخاصة، خلال اللعبة، لأن شخصية اللعبة تتحرك مقتربةً من سرعة الضوء.
تأثير آخر للنسبية الخاصة هو أن أطوال الأجسام التي تتحرك بالقرب من سرعة الضوء، أو الأجسام الثابتة عندما تتقدم نحوها بسرعة تقترب من سرعة الضوء، تبدو أقصر، ما يسمى انقباض الطول.
قال كورتماير إن التأثير معقد. الأجسام التي تقترب من سرعة الضوء قد تتعرض لتقلص في الطول وقد تكون أقصر بكثير، بالنسبة إلى مراقب ثابت، لكنها ستظهر في الواقع فترةً أطول من وجهة نظر ذلك الشخص، بسبب تأثير آخر للنسبية الخاصة يسمى تأثير الزمن الفعلي.
مثلًا، لنفترض أن دراجة تتجه نحوك، والضوء من مقدمة الدراجة سيستغرق مسافة أقصر للوصول إلى عينيك من الضوء عند الجزء الخلفي من الدراجة.
نتيجة لذلك، ترى الجزء الأمامي من الدراجة في الزمن الفعلي، والجزء الخلفي من الدراجة كما كان في الماضي، عندما كانت الدراجة بعيدة. قال كورتماير: «هذا عمومًا يجعل الدراجة تبدو أطول»، أحيانًا، يجعل هذا التأثير الأشياء تبدو مشوهة.
بمعنى آخر، إذا كانت سرعة الضوء أبطأ بكثير، فقد تبدو الأجسام التي تتحرك بالقرب من هذه السرعة أطول، أو ملتوية للمراقبين الثابتين.
التغير في السطوع
عندما تمشي تحت المطر، قد تلاحظ أنك تصبح مبللًا من الأمام أكثر من الخلف، أي أنك عندما تمشي في المطر، تواجه المزيد من قطرات المطر أكثر مما ستقف ساكنًا، لكن الجزء الأمامي منك يحمي ظهرك من قطرات المطر الإضافية.
قال كورتيماير: «يحدث تأثير مشابه إذا كنت تتحرك بسرعة تقترب من سرعة الضوء».
ذلك لأن الضوء يتصرف أحيانًا مثل مجموعة من الجسيمات، تسمى الفوتونات، التي تشبه قطرات صغيرة من الضوء.
خلال تحركك نحو كائن في لعبة الكمبيوتر، يبدو أكثر سطوعًا مما يبدو عليه عندما تكون ثابتًا، لأنك تمشي عبر فوتوناته. ما يسمى تأثير السطوع.
لم يكن كورتيماير وتان أول من تخيل عالمًا بسرعات بطيئة للضوء. سنة 1939، نشر الفيزيائي جورج جامو كتابًا مصورًا بعنوان «السيد تومبكينز في بلاد العجائب»، حيث يركب تومبكينز دراجة عبر مدينة ذات سرعة بطيئة للضوء، ويختبر تأثيرات النسبية الخاصة. قال كورتماير إن أينشتاين: «أحب حقًا ذلك الكتاب الصغير».
ما الذي قد يشعر به الفيزيائي العظيم عن سرعة أبطأ للضوء؟ ربما شدة الفضول، لأنه إذا كان من الممكن تصديق المؤرخين، فقد سُئل بالفعل في سن السادسة عشرة عما سيراه إذا كان يركب شعاعًا من الضوء، وهو بالطبع لا يمكنه ذلك.
اقرأ أيضًا:
الانتقال بسرعة أكبر من سرعة الضوء ممكن بحسب نظرية آينشتاين
الفيزيائيون كسروا حاجز سرعة الضوء داخل حقل من البلازما
ترجمة: أنور عبد العزيز الأديب
تدقيق: تسبيح علي