من الجدير بالملاحظة أن الإنسان لا يملك ذيلًا بخلاف غالبية الرئيسيات، إن ذلك أمر جيد للغاية حقًا ويجب أن نكون ممتنين جدًا للتغيير، ولكن ماذا لو أخذت الأمور مسارًا مختلفًا؟ إلى جانب حاجتك إلى ثقب في مؤخرة بنطالك، إليك مقال يوضح كيف كان سيبدو العالم في حال احتفظ أسلافنا بذيولهم.
مهلًا، ألا يملك بعض الأشخاص ذيولًا فعلًا؟
في الواقع، جميعنا امتلكنا ذيولًا فترة وجيزة قبل ولادتنا بوقت طويل.
تُعَد الذيول القصيرة خاصية في نمو الإنسان، إذ تبرز مؤقتًا في الأسبوع السادس بعد الحمل تقريبًا، وهي امتداد ضئيل في العمود الفقري يتضمن ما يصل إلى اثنتي عشرة فقرة. في غضون أسبوعين، يعاد امتصاص نصف تلك الفقرات، ويلتحم النصف الآخر ليصبح عظمة تُعرف بعظمة الذيل أو العصعص.
ولأن الطبيعة تفضّل التنوع، يولد بعض الأشخاص -في معظم الأحيان الذكور- لسبب ما مع الذيل الجنيني. ويكون هذا الطرف مكتملًا، إذ يتضمن عددًا كافيًا من الأوعية الدموية للحفاظ على تكامله أو سلامته، إضافةً إلى بعض العضلات، التي في بعض الحالات تمكّنه من التحرك، ولكن ما لن تجده فيه هو أي من الفقرات الأصلية.
بخلاف النتوءات التي تسببها بعض الاختلالات أو السرطانات، تُعد هذه الذيول الحقيقية الضامرة نادرة جدًا في حالات الولادة البشرية، إلى درجة أنك ستواجه صعوبة شديدة في العثور على أكثر من عشرات الحالات منها في السجلات الطبية.
مع ذلك، توجد حالات موثقة لأطفال مولودين بذيول، لكن تُزال معظمها جراحيًا بعد الولادة بفترة وجيزة، لكونها أصغر من أن تكون ذات فائدة، إضافةً إلى أنها قد تجذب اهتمامًا غير مرغوب.
لكن إذا امتلكنا جميعًا ذيلًا طويلًا، فتلك قصة أخرى.
لماذا لا يمتلك الإنسان ذيلًا؟
في غضون عشرة ملايين سنة، بعد أن ضرب نيزك كوكب الأرض وقضى على الديناصورات، ظهرت الثدييات الصغيرة التي تتمتع بفسيولوجيا الرئيسيات.
على غرار السعادين الحديثة وسعادين العالم القديم والليمورات والترسيرات والغالاغو، كانت تلك الحيوانات تمتلك ذيولًا كثيفة، على الأرجح لتساعدها على الحفاظ على توازنها في أثناء تحركها على قمم الأشجار.
بمرور الوقت، تطورت بعض تلك الذيول لتعمل مثل إبهام إضافي، وتمتعت بمستوى عالٍ من المهارة. في الحقيقة، كان الذيل مفيدًا لدرجة أنه تطور لدى مجموعتين من الرئيسيات في مناسبتين مختلفتين.
لحسن حظ البشر، ظهرت مجموعة من الرئيسيات دون ذيل قبل نحو عشرين مليون سنة، وتتضمن الحيوانات التي انحدرت منها: الغوريلا والشمبانزي والبونوبو وإنسان الغاب، إضافةً إلى البشر.
اهتمت دراسة حديثة بمعرفة سبب فقدان الذيل. ووجدت أن السبب قطعة جينية صغيرة قافزة تسمى التسلسل Alu أُدمجَت بالجين الضروري في تكوين الذيل، ما تداخل مع قدرته على أداء وظيفته.
اكتشف ذلك بو شيا، طالب في جامعة نيويورك وباحث في بيولوجيا الخلايا الجذعية. كان شيا يقارن بين جينوم ستة أنواع من القردة وجينوم تسعة أنواع من السعادين التي تمتلك ذيولًا، باحثًا عن طفرات قد تفسر لماذا لا تمتلك القردة ذيلًا، فعثر على قطعة من الحمض النووي تسمى عامل النسخ TBXT.
قبل قرابة قرن، بينت سلسلة تجارب بدأها عالم الوراثة الروسي نادزدا دوبروفولسكايا زافادسكايا طفرات في هذا الجين، نتجت عنها فئران بذيول قصيرة.
بعد التعمق في دراسة التسلسل Alu في العامل TBXT، تبين أنه ليس السبب الوحيد في ذلك، إذ لاحظ شيا وجود جينين قافزين في موضع قريب.
تتداخل هذه العوامل مع قدرة الجين على التعبير عن نفسه بفعالية، ما يفسر عدم امتلاك القردة -ومنها البشر- ذيلًا. بمرور الوقت، ساعدت التغيرات التي طرأت على الجينات الأخرى ترسيخ هذا التغيير، فنتجت مؤخرة دون ذيل وعظمة ذيل مسطحة مناسبة للجلوس والاستلقاء والتجول على ساقين.
ومع أن ذلك قد يفسر الآلية، فإنه لا يفسر سبب انتشار طفرة العامل TBXT من أحد أسلاف القردة على نطاق واسع بين مختلف أنواع أشباه البشر قبل قرون.
ماذا لو احتفظ أسلافنا بذيولهم؟
لا يمكننا سوى طرح الفرضيات عن سبب تحسن أداء أحد أسلافنا بنحو ملحوظ عندما لم ينمُ ذيله.
تُعد حادثة فقدان الذيل أكثر مفاجأة عندما ننظر إلى حقيقة أن هذا التغيير زاد من خطر إصابتنا بتشوهات الأنبوب العصبي التي يبرز فيها الحبل الشوكي بعد الولادة، مثل تشقق العمود الفقري (Spina Bifida)، إذن لا بد أن فقدان الذيل مثّل ميزةً كبرى.
غالبًا، ليس الذيل مجرد امتداد يتأرجح من نهاية العمود الفقري، بل إنه مرتبط بتراكيب تشريحية كبيرة تحيط بمنطقة الورك. تشد كل هذه العظام والأربطة والعضلات الجسم وتساعد على اتساقه، ما يتيح الاتزان، والقدرة على الإمساك والتحكم الدقيق عند بعض السعادين.
لذلك، إذا امتلك البشر ذيلًا، فإنهم سيحتاجون إلى وركين متينين وعضلات قوية للاستفادة منه، وإلا فإن الذيل لن يكون سوى مجرد طرف مزعج طويل يتدلى على الأرض، وذلك أمر لا يرغب فيه أي أحد.
لن يكون هذا تغييرًا بسيطًا، إذ تميل الرئيسيات التي تمتلك ذيلًا إلى امتلاك عمود فقري أطول بفقرات أكثر، للحصول على مرونة أكثر للتحرك بمهارة عبر الأغصان.
أما القردة، فلديها خصائص عضلية هيكلية مع جزء قطني أقصر يزيد من صلابة عمودها الفقري. تستطيع الظهور الأكثر متانة امتصاص صدمة الوقوع أو القفز على نحو أفضل، ما قد يزيد من ضخامة الجسم أو سرعة الوثب إلى الأغصان المنخفضة والهبوط إلى الأرض.
أما عضلات الذيل، فقد أظهرت فرضية قديمة أنها لم تتلاشَ كليًا، بل تجمعت معًا وكونت تركيبًا قويًا يدعم أعضاءنا الباطنية، مثل المثانة البولية والأمعاء.
بفضل ذلك، أصبح بإمكاننا الضغط بشدة على أحشائنا مع إبقاء كل الأطراف اللحمية في مكانها، إضافة إلى قدرتنا على منع تسرب البول والبراز.
بأخذ ذلك في الحسبان، نجد أنه إذا امتلك البشر ذيلًا مثل ذيول السعادين، فإن ذلك يستلزم إجراء بعض التعديلات على بقية أجسامهم.
هذا إضافةً إلى مساحة الدماغ الإضافية التي سنحتاج إليها من أجل الإحساس بطرفنا الجديد وتحريكه، وسنحتاج كذلك إلى إعادة تشكيل كل عضلات الحوض السفلية لدعم تلك العظام والعضلات الإضافية، ما يزيد خطر الإصابة بالفتق وسلس البول، إضافةً إلى صعوبة المشي على ساقين.
إن المدى الذي ساعد فيه تقلص الذيل أسلافنا على الوقوف على أقدامهم، إضافةً إلى سبب فقدانه من الأساس، ما زال محل نقاش. لكن إذا احتفظ أسلافنا بذيولهم، فمن المحتمل أن ذلك كان سيسبب عدم نشوء البشر من الأساس.
اقرأ أيضًا:
كيف فقد أسلافنا ذيولهم قبل 25 مليون عام؟
ولادة طفل في البرازيل بذيل بشري بطول 12 سم!
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: محمد الشعراني