ماذا سيحصل لو اختفى النيتروجين من على الارض؟
كلنا على علم بمدى أهمية “الأكسجين”، ذلك الغاز الذي جعل الحياة ممكنة على كوكبنا، ولن يكون بإمكان معظم الكائنات الحية على الأرض النجاة في حال غيابه. لكن ماذا عن الغازات الأخرى التي يتكون منها الغلاف الجوي للأرض؟ فالأكسجين ليس الغاز الوحيد الذي ساهم في ازدهار الحياة على الأرض، حيث نجد مزيجًا فريدًا من نوعه من الغازات والعناصر سمحت بوجودنا، والكائنات التي من حولنا.
يعتبر النيتروجين عنصرًا جوهريًا لكل أنظمة الحياة، مما يجعل دورة النيتروجين من بين أكثر دورات المغذيات ــ إعادة التدوير البيئي ــ على الأرض.
ثمانون بالمائة من الغلاف الجوي الأرضي مكون من النيتروجين في مرحلته الغازية.
يُصبح النيتروجين الجوي جزءًا من الحياة العضوية عبر طريقتين. الأولى هي عبر البكتيريا الموجودة في التراب، والتي تقوم بتشكيل النترات باستعمال النيتروجين في الهواء. الثانية هي عبر البرق، فخلال العواصف الكهربائية، تتأكسد كميَّات هائلة من النيتروجين و تتحد مع الماء لتكوّن حامضًا يسقط على الأرض عبر المطر، ليدعم التراب بالنترات هو بدوره.
تقوم النباتات بالتغذي على النترات وتحويلها إلى بروتينات التي تسافر بدورها عبر سلسلة الغذاء للكائنات اللاحمة والعاشبة على حدٍ سواء. عندما تطرح الكائنات فضلاتها، يتم طرح النيتروجين من جديد في المحيط. أما عندما تموت وتتحلل، يتحطم النيتروجين ويتحول إلى الأمونيا.
تقوم النباتات بامتصاص بعض من تلك الأمونيا، أما البقية فتبقى في التربة، حيث تحوله البكتيريا من جديد إلى نترات. يمكن أن تُخَزّن النترات في الدبال ــ طبقة في التربة مكونة من بقايا عضوية ــ أو أن تنتقل من التربة نحو البحيرات والجداول المائية. يمكن أن تتحول النترات كذلك إلى غاز النيتروجين عبر عملية تسمى ” نزع النتروجين” لتعود إلى الغلاف الجوي، مواصلةً الدورة.
فماذا لو اختفت هذه البكتيريا التي تساهم بشكلٍ أساسي في استمرار دورة النيتروجين على الأرض؟
تحتاج النباتات إلى نيتروجين ثابت، حيث تلعب البكتيريا دورًا بيولوجيًا جوهريًا في عملية التثبيت تلك. لذلك وفي حال اختفاء هذه الكائنات، ستتوقف عملية التمثيل الضوئي في العالم خلال سنة واحدة، إذا لم يتدخل الإنسان في العملية باستعمال التكنولوجيا.
وسيكون بإمكان البشر في تلك الحالة الرفع من إنتاج الأسمدة الطبيعية عبر عملية “هابر-بوش”، وهي عملية اصطناعية لتثبيت النيتروجين، وتعتبر اليوم كأهم عملية صناعية لإنتاج الأمونيا. تم إطلاق هذا الإسم على العملية تيمنًا بمُبتكرَيها الألمانيين، فريتس هابر (Fritz Haber) و كارل بوش (Carl Bosh)، اللذين طوَّرا الفكرة في بداية القرن العشرين. تقوم العملية على تحول النيتروجين الجوي (N2) إلى أمونيا (NH3) عبر تفاعلٍ مع الهيدروجين (H2) وذلك باستعمال حفّاز معدني تحت درجات ضغط هائلة.
قد تسهل مهمة التدخل البشري تلك إلى حدٍ ما، بسبب غياب النزع البكتيري والنترجة ــ أكسدة الأمونيا ــ التي قد تتسبب في حال وجودها في استنزاف مخزون النيتروجين الثابت. في نهاية الأمر، سيتجمع النيتروجين في المحيطات العالمية. حيث تكون إحدى الاحتمالات بانتشار الحياة على مستوى السواحل، أين يتم استغلال الأسماك الغنية بالنيتروجين، و يتم استرجاع النيتروجين الثابت من مياه البحر بعد استنزاف النيتروجين الجوي.
لكن للأسف، الإرتفاع المحتّم لتركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو بسبب تنفس الحيوانات واستعمال الإنسان للوقود الأحفوري، سيقود إلى ارتفاع عالمي سريع في درجات الحرارة عبر عملية الاحتباس الحراري. ويُعتقد أن يتطلب اختفاء الحياة من الأرض بعد حصول ذلك بضعَ قرون.
إن انخفاض مستوى النيتروجين في الجو قد يعني كذلك ارتفاعًا في نسبة الأكسجين في هذه الحالة، فما هي آثار الارتفاع الحاد والمفاجئ في مستوى الأكسجين الجوي على الإنسان والكائنات الحية؟
إن أجهزة الثديات التنفسية والقلب والنظام العصبي تعتمد بشكلٍ محكم ودقيق على مستويات الأكسجين. رغم ضرورة وجود الأكسجين للحياة الهوائية، فإن المستويات المنخفضة له قد تسبب سهولة التعرض للأمراض بالنسبة للكائنات، أما ارتفاع مستوياته فقد يقود إلى الموت المحتم. لهذا السبب، غالبًا ما يعتبر الأكسجين بمثابة إكسير وسُمّ في آنٍ واحد.
ما عدى الجلد ربما، سيتسبب ارتفاع مستوى الأكسجين في أكسدة كل الأجهزة الأخرى تقريبًا، بشكلٍ خاص الرئة و شبكية العين و القلب وحتَّى الدماغ. التعرض الطويل للمستويات العالية من الأكسجين يولد أنواعًا مفرطة التفاعل مع الأكسجين، مما يقود إلى موت الخلايا واستجابات الضغط التأكسدي، وسيؤثر ذلك على استجابات الجهاز المناعي وسلامة الحمض النووي كما يعبث بنمو الخلايا.
كل ذلك سيقودنا في النهاية إلى اختلالات صحيَّة كبيرة، مثل الأمراض العصبية والإلتهابات المزمنة، وكذلك نقص التروية “الإكسيمية” وما يترتب عنه من اختلال في الضخ نحو القلب والرئة وشبكية العين والدماغ، وأجهزة أخرى كذلك.
الأكسجين هو سلاحٌ ذو حدين: على الرغم من كل إيجابياته، يبقى كذلك عنصرًا سامًا؛ وكل الخلايا لديها أنظمة دفاعية ضده، لكن تبقى النسبة المحددة للتسمم الأكسجيني بارتفاع مستوى الأكسجين في الجو محل نقاشٍ اليوم، رغم عدم توقع الباحثين لتأقلم الكائنات مع ارتفاع نسب الأكسجين، يمكن لبعض أنواع الطيور (أو الكائنات التي تملك أجنحة) أن تعيش في محيطٍ يهيمن عليه الأكسجين بنسبة 90%.
ولارتفاع نسب الأكسجين في الغلاف الجوي للأرض أعراض سلبية عديدة أخرى، لكن الشيء الأكيد أن انخفاض نسب النيتروجين سيكون له أضرارٌ كبيرة إذا ما افترضنا ارتفاعًا مقابلًا في الأكسجين وثاني أكسيد الكربون، حتى لو تمكن البشر من تثبيت النيتروجين اصطناعيًا، ستكون السيطرة على الأمر صعبة للغاية.
إن اختفاء النيتروجين من على الأرض سيكون له آثار كارثية، فقد رأينا أهمية دورة النيتروجين التي تشارك فيها النباتات والكائنات التي تتغذى عليها، وكذلك البكتيريا، ومدى جوهرية هذا العنصر في الحصول على البروتين والأمونيا. دون الحديث عن الأعراض الكارثية لارتفاع نسب ثاني أكسيد الكربون والأكسجين. إن تنوع الأحياء على الكوكب يعتمد بشكلٍ كبير على توازن نسب العناصر الأساسية في الغلاف الجوي، وغياب النيتروجين فجأةً، لن يكون بالخبر السعيد أبدًا.
إعداد: وليد سايس
تدقيق: جعفر الجزيري
Appl, Max (2005), “Ammonia”, Ullmann’s Encyclopedia of Industrial Chemistry, Weinheim: Wiley-VCH
مصدر(1) , مصدر(2) , مصدر(3)