هذا ما سيحدث فيما لو ضربت كوكبنا عاصفة شمسية وأنهت عصر التكنولوجيا كما نعرفه اليوم:
بدايةً دعونا نبتهج، لأن أعظم عاصفة شمسية ضربت الأرض في التاريخ المسجل كانت في الوقت الذي لم تكن فيه حضارتنا الإنسانية معرضةً لغضب الإشعاع الشمسي بشكل كبير.
ففي حادثة كارينغتون، المعروفة باسم (العاصفة الشمسية لسنة 1859)، شوهدت كتلة ملتهبة انطلقت من الشمس باتجاه غلاف الأرض المغناطيسي، منتجةً بذلك عاصفةً مغناطيسيةً بدرجة هائلة لم تشهدها الحضارة الحديثة من قبل.
اصطدم بالغلاف المغناطيسي الأرضي وابل من الجسيمات المشحونة التي أضاءت سماء العالم في ظاهرة تعرف باسم (الشفق المضيء أو Aurora)، ولكن مع التيارات الكهربائية القوية التي اجتاحت العالم فقد انقطعت أنظمة التلغراف المغطية لأوروبا وشمال أمريكا وأدت لتطاير الشرر من أجهزة التلغراف، مما تسبب في أذية بعض الأشخاص ونشوب الحرائق، حتى أن بعض الأجهزة التي فصلت عن الكهرباء بقيت تعمل وترسل رسائل متقطعة على نحو غريب!
وبكلمات أخرى، فقد كانت فوضى تكنولوجية عارمة، ومن نظرة مستقبلية تبعد عن الحادثة ما يقرب قرنًا ونصف القرن، تعتقد أن ما جرى آنذاك يمكن احتواؤه الآن وبكل سهولة.
ما لذي سيحدث لو أن عاصفةً شمسيةً بقوة تلك تضرب الأرض اليوم؟
لا أحد بالتأكيد يعلم كيف ستسوء الأمور، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار المدى المخيف الذي وصلنا إليه في اعتمادنا على البنية التكنولوجية وبالمقارنة مع تطورنا التكنولوجي آنذاك، فلن يكون الأمر سهلًا بكل تأكيد.
لربما يكمن الدليل الأهم في بعض الحوادث الغريبة التي حصلت في ربيع عام 1989، فقد ضربت حينها العديد من العواصف الشمسية كوكب الأرض ما أدى لظهور الشفق المضيء في السماء مرةً أخرى، الأمر الذي دعا البعض للاعتقاد بأن ما يرونه ما هو إلا آثار ضبابية للحرب العالمية الثالثة.
ومع ذلك، فلم تكن ضربةً نوويةً حتى تعطل الإشارات السلكية وأنظمة الاتصالات الفضائية، حيث أن الغلاف المغناطيسي الأرضي امتص معظم الجسيمات المشحونة.
إن أعظم النتائج كانت تلك التي حدثت في مدينة كيوبك بكندا، فقد انقطع التيار الكهربائي عن ستة مليون نسمة، واستمر الانقطاع لبضع ساعات لأغلب الناس، وانتظر البقية أيامًا حتى عادت الكهرباء إليهم بشكل طبيعي.
هذا النوع من العواصف الشمسية هو ما يرعب العلماء في البيت الأبيض، عاصفة شمسية مهيبة تعيد البشر للعصور الوسطى.
تضرب الأرض عواصف شمسية من هذا النوع الضخم كل 500 عام تقريبًا، وحين تضرب، تكون كافيةً لخروج أنظمة الاتصالات والطاقة عن العمل حول العالم لأيام، لشهور أو حتى لسنين، ولا تنسَ أنظمة تحديد المواقع، الأقمار الصناعية، خدمات البث، الإنترنت، الهاتف، أنظمة النقل، والمصارف…الخ، ولن يكون بمقدورنا معرفة متى ستضرب الأرض إلا قبل ساعات حدوثها.
يبدو هذا الحديث وكأنه أحداث فيلم عن الكوارث، ولكن تبقى هذه حقيقة وليست خيالًا علميًا، إذ تشير التقديرات المتحفظة إلى أن حجم الضرر الناجم سيبلغ 2 تريليون دولار للسنة الأولى فقط، ومع الجهود العالمية المتضافرة سنحتاج لما يقرب العقد من الزمن للتعافي من آثار هذه المحنة.
وعلى الجانب الآخر الأكثر تطرفًا فيقدر آخرون حجم الخسائر بنحو 20 تريليون دولار، الأمر الذي سيجعلنا نعيد تقييم مخاطر التدمير الناجم عن كوارث الفضاء.
أوضح الفيزيائي الفلكي أبراهام لوب من جامعة هارفارد إلى يونيفرس توداي العام الماضي ما مفاده بأن: «في الماضي، انصب معظم الاهتمام حول مخاطر الفضاء على الكويكبات التي قد تصدم الأرض، لم يكن لدينا في العقد الماضي نفس البنى التحتية التكنولوجية التي نمتلكها اليوم، والتكنولوجيا اليوم تنمو بشكل متسارع، ولذلك سيكون الضرر غير متماثل بين الماضي والحاضر”.
وفي أحسن السيناريوهات، ستنتج عن الضربة تشوهات في أنظمة الاتصالات فقط، ولكن يظهر التاريخ بأن التداخل المحتمل في نوع خاطئ من الأنظمة التكنولوجية قد تكون له عواقب مدمرة، كأن ينقل العالم إلى حافة حرب نووية.
وبحسب إفادة فرانسيس أوسوليفان (مدير أبحاث الطاقة في معهد MIT) لقناة CNN: «إن حدثًا مشابهًا لما حصل في كارينغتون قد يكون كارثيًا إن حدث غدًا، فالمصابيح ليست الوحيدة التي ستنطفئ، ستختفي حسابات بنكية، إن أمكنكم تخيل ماذا سيحدث لو توقف سوق تداول الأسهم لأسبوع أو لشهر، أو أن الاتصالات توقفت لأسبوع أو لشهر؟ ستعلمون بأن هذه ستكون أعظم كارثة يواجها العالم بأسره».
- ترجمة: عصام خلف
- تدقيق: أحلام مرشد
- تحرير: أحمد عزب
- المصدر