حرفيًّا، لا يمكنك التبرُّع بجسدك مباشرةً إلى العلم، ولكن يمكنك التبرّع به لعددٍ من المؤسّسات المعتمَدة التي قد تجد له عددًا من الاستخدامات، على الرغم من أنّ هذه العمليّةَ – وما يحدث بالفعل بعد موتك – قد تكون مربكةً بعضَ الشيء.
إنّ العمليّةَ غيرُ منظّمةٍ بشكلٍ صارمٍ ومثيرةٌ للجدل إلى حدٍّ ما في الولايات المتّحدة. تقدّم الجمعيّة الأمريكيّة لبنك الأنسجة The American Association of Tissue Banks (AATB) اعتمادًا للمنظّمات التي ترغب في قبول تبرّعات الأجساد، وكذلك المعهد الدوليّ لتطوير الطبّ International Institute for the Advancement of Medicine، ولكن لا يوجد إلزامٌ قانونيٌّ للقيام بذلك، ممّا يؤدّي إلى بعض الإجراءات المشكوك بأمرها من قبل ما يسمى «سماسرة الأجساد-Body Brokers».
وجد تحقيقٌ أجرَته رويترز في العام الماضي أنّ عشرَ ولاياتٍ فقط في الولايات المتّحدة تنظّم عملَ سماسرة الأجساد، ولا يُفتَّش سوى عددٌ قليلٌ منهم. تتوقّف حقوق الملكيّة الخاصّة بك على جسدك عند الموت، وهذا يعني أنّه يمكن استخدامه لعددٍ من الأشياء التي لم تكنْ تتصوّرها.
أمّا في المملكة المتّحدة، فالعمليّة أكثرُ صرامةً، وتنظّمها هيئة الأنسجة البشريّة Human Tissue Authority، التي تملك قائمةً من 19 مؤسّسةً طبيّةً مرخّصةً يمكنك الاتّصال بها لاتّخاذ الترتيبات اللازمة للتبرّع بجسدك.
وبموجب قانون الأنسجة البشريّة لعام 2004، فإنّه من غير القانونيّ بيعُ أجزاءٍ من الجسد في المملكة المتّحدة، وهذا ليس الحالُ بالضرورة في الولايات المتّحدة. ستحتاج إلى ملْء الأوراق المناسبة لإجراء الترتيبات اللازمة بعد وفاتك.
قال «كريس بيركيت Chris Birkett» مدير التنظيم في هيئة الأنسجة البشريّة: «إنّ الأجسامَ والأدمغةَ والأنسجةَ المتبرّعُ بها هي مواردُ لا تُقدَّر بثمنٍ للتدريب أو البحث»، وأضاف: «ستُستخدَم الأجسام لتعليم المتخصّصين في الرعاية الصحية والطلاب حول جسم الإنسان».
هناك عددٌ من الشروط التي يجب الوفاء بها من أجل قبول التبرّع بجسدك. يجب ألّا يكون لديك أيُّ تاريخٍ من الأمراض المُعدية، ويجب أن تكونَ بصحّةٍ جيّدةٍ بشكلٍ عامٍّ قبلَ وفاتك. إذا كان تشريح الجثّة مطلوبًا، فعادةً ما ترفض المؤسسات الطبيّة أن تأخذَ جسدَك بعد ذلك.
إنّ ما يحدث بعد ذلك يكون أكثرَ تعقيدًا بعضَ الشيء. هناك مبادئُ توجيهيّةٌ صارمةٌ من هيئة الأنسجة البشريّة يجب الالتزام بها بعدَ وفاتك؛ بما في ذلك العلاج الأخلاقيّ المناسب لجثّتك. وحتّى قد تُجري بعض المؤسّسات حفلَ تأبينٍ لك.
في حال قُبِلَ جسدُك، فستحفظه المؤسّسة الطبيّة بعد الوفاة، إذ تُحقَن سوائل لتطهير الجسد وتهيئته للتشريح. بعد ذلك، يُخزّن جسدُك في الثلّاجة لاستخدامه في وقتٍ لاحقٍ، والذي يمكن أن يكونَ بعد أشهر. قد يبقى الجسم محفوظًا لمدّةٍ تصل إلى 10 سنواتٍ.
يمكن استخدام الأجساد المحنّطة من قبل الطلّاب للتشريح. قد يستغرق الأمر شهورًا لإزالة بشرتك والتحقّق من العضلات والأعصاب والأعضاء. وعند اكتمال الأبحاث، يُجمَع الرفات ويُحرَق.
هناك الكثير من الأشياء الأخرى التي يمكن استخدام جسدك بها؛ إذ تُستخدَم بعض الجثث كدمىً لاختبار الاصطدام، مع فحصها بالأشعّة السينيّة والتشريح لاكتشاف أيّ ضررٍ يلحق بها. في الولايات المتّحدة، تُستخدَم بعض الجثث لأبحاث الطبّ الشرعيّ في مزرعة الأجساد التي تديرها جامعة تينيسي University of Tennessee، وقد يُعرض البعض الآخر في المعارض، إمّا كليًّا أو جزئيًّا.
في المملكة المتّحدة، يمكنك تحديد المؤسّسة التي تودّ أن تأخذَ جسدَك بعد الوفاة. يمكن بعد ذلك استخدام الجثث لتعليم التشريح لطلاب الطب أو لأبحاثٍ أخرى، مثل الأبحاث حول أمراضٍ معيّنةٍ. وبغضّ النظر عن التسجيل مع هيئة الأنسجة البشريّة، يمكنك وضع ذلك في وصيّتك الأخيرة وشهادتك للتبرّع بجسدك.
يقول الدكتور «بيتر بازير Peter Bazir» من كليّة هيل يورك للطبّHull York Medical School (HYMS)، وهو أحد المعاهد التسعة عشر المرخّص لها من قبل هيئة الأنسجة البشريّة في المملكة المتّحدة: «نحن نأخذ الجثثَ لتعليم التشريح، وهو جزءٌ من التعليم الطبيّ، لذا فإنّنا نحصل على الجثث المتبرَّع بها ونحفظها استعدادًا ليستخدمَها الأطبّاء أو الطلبة».
وأضاف الدكتور «بازير» أنّه يمكن استخدام الجثث التي حُفظَت عادةً لمدّةٍ تصل إلى ثلاث سنواتٍ إلّا إذا وضعتِ الجهة المانحة قيودًا زمنيّةً صارمةً، وبعد هذا تُحرَق الجثّة عادةً.
للأسف، فإنّ العمليّةَ أقلُّ تنظيمًا بكثيرٍ في الولايات المتّحدة. تُؤجَّر بعض الأجسام عدّةَ مرّاتٍ إلى مؤسّساتٍ مختلفةٍ. يمكنك تحديد مرضٍ معيّنٍ تريد أن يُستخدَمَ جسدك للأبحاث حوله، ولكن لا يوجد ضمانٌ بأنّ ذلك سيحدث بسبب صعوبات المطالب المختلفة على الجثث.
وأشار موقع كوارتز Quartz إلى أنّ طبيبَ أسنانٍ سابق في أوريجون Oregon كان قادرًا على شراء ثلّاجةٍ مليئةٍ بالرؤوس البشريّة لإجراء تجاربه الخاصّة. في هونولولو Honolulu في عامي 2011 و 2012 ، عُثِر على رجلٍ كانت بحوزته بقايا بشريّةٌ، ولكن لم يكن بالإمكان مقاضاته لأنّه لا يوجد قانونٌ في الولاية.
لسوء الحظ، إذا كانت لديك رؤيةٌ محدّدةٌ في ذهنك بعد موتك، فقد لا يتحقّق ذلك في الولايات المتّحدة على الأقلّ. قد يصبح التبرع بالأعضاء أكثرَ إغراءً، ومن ثمّ قد يُستخدَم جسدُك لإنقاذ حياة شخصٍ آخرَ.
لا تزال هناك طرقٌ رسميّةٌ لفعل ذلك، والتبرّعَ بالجسد مفيدٌ للغاية في البحوث الطبيّة، ولكن عليك أن تكونَ حذرًا حتّى لا ينتهي بك الأمر في أيدٍ غيرِ مرغوبةٍ، وتأكّدْ من أنّك تسير في الطرق الرسميّة المُعتمَدة إذا قرّرت التبرّعَ بجسدك بعد وفاتك.
- ترجمة: محمد الموشي
- تدقيق: اسماعيل اليازجي
- تحرير: أحمد عزب
- المصدر