يمكن اعتبار كل فكرة لدينا، وكل ما نراه، وعدد النجوم في السماء، والأحجام المختلفة للنمل على الأرض، كلها معلومات. يعتقد بعض العلماء أن المعلومات مهمة جدًا لتكوين واقعنا المادي ويجب النظر إليها بوصفها حالة أساسية للمادة، إضافةً إلى الغاز والسائل والبلازما والمواد الصلبة.
إن رؤية الكون بوصفه مليئًا بالمعلومات له نتيجة أخرى محتملة، فإذا كان كل شيء يُعَدُّ من البيانات، فهل الكون أساسًا كمبيوتر عملاق يدير برنامجًا يشملك ويشملني؟ من يفكر بهذا الآن؟
قد يمكن تقدير الكمية الإجمالية للمعلومات في الكون من هذا المنطلق، وقد حاول بعض العلماء التوصل إلى هذا التقدير.
في بحث تُشر حديثًا، حسب ميلفن فوبسون، الباحث في جامعة بورتسموث، كمية المعلومات الموجودة في الكون.
جاء في البحث: «قررنا أن كل جسيم في الكون يحتوي على 1.509 بت من المعلومات، وأنه يوجد 6X10 مرفوعة للأس 80 من المعلومات مخزنة في جميع جسيمات المادة في الكون».
كيف حُسِبت الأرقام؟
لكي تكون الرياضيات منطقية، يجب تقبل المبدأ الذي صاغه الباحث: «إن المعلومات مادية، والمعلومات مسجلة بوساطة أنظمة مادية، ويمكن جميع الأنظمة المادية تسجيل المعلومات».
في حين أن القدرة المعلوماتية للكون كانت موضع نقاش حاد لعقود من الزمن، يختلف نهج فوبسون في الاعتماد على نظرية المعلومات لشانون للتوصل إلى التقدير.
ابتكر فوبسون صيغة تحسب العدد الإجمالي للبروتونات في الكون، ما سُمّي عدد إدنغتون. قدّر الباحث عدد جميع الجسيمات الأولية في الكون، وكمية المعلومات الموجودة في كل جسيم.
اقترح عالم الرياضيات كلود شانون، المعروف بأبي العصر الرقمي، نظرية المعلومات التي استخدمها فوبسون. يعود تاريخ عمل شانون في نظرية المعلومات إلى عام 1948 ويحدد طريقة لقياس المعلومات. تتعلق النظرية بالإنتروبيا، مقدار عدم اليقين داخل النظام. وفقًا لمنطق النظرية، فإن المحتوى المعلوماتي للرسالة يشكّل مقياسًا لمقدار الإنتروبيا الذي تقلله الرسالة، مع وجود رسائل مختلفة لها قيم متفاوتة.
طبّق فوبسون حسابات الإنتروبيا لمعرفة مقدار المعلومات المتعلقة بالكتلة، والدوران، والشحنة التي تحتفظ بها البروتونات والنيوترونات والإلكترونات، قبل استقراء النتائج على الكون بأسره.
أوضح فوبسون: «للمرة الأولى نتبع هذا النهج لقياس محتوى المعلومات في الكون، وهو يوفر تقديرًا رقميًا واضحًا. حتى إن لم يكن دقيقًا تمامًا، فإن التقدير العددي يوفر وسيلة محتملة نحو الاختبار التجريبي».
لا تأخذ دراسة فوبسون الحالية في الحسبان الجسيمات المضادة والنيوترونات. وهي تضع بعض الافتراضات حول نقل المعلومات في الكون وتخزينها. مع ذلك، قد تكون أداة تقدير لمزيد من البحث والتجارب العملية التي تتوافق مع عمل الباحثين الآخرين في المجال.
ما المعلومات؟
رغم تركيز الباحثين بتزايد على معرفة الطبيعة الدقيقة للمعلومات، فقد ظلّت لغزًا نسبيًا حتى الآن. مع أنه يمكننا وصف المعلومات بعدة طرق بأنها تتكون من حقائق أو أوصاف حالات مادية أو صيغ رياضية، يبقى السؤال: هل لها وجود مادي يمكن قياسه على النحو الذي يقترحه البعض؟
اقترح فوبسون سابقًا أن المعلومات هي الحالة الخامسة للمادة، ويمكن حتى أن تكون المادة المظلمة الغامضة، التي يُقدر أنها تشكل نحو 27% من الكون المعروف. ومع ذلك، لم يؤكَّد ذلك تجريبيًا. وبالمقارنة، فإن المادة العادية التي تشملني أنا وأنت وكل ما يمكننا ملاحظته في الكون، هي فقط 5% من كل المادة.
الكون المحوسب
لم يكن فوبسون أول من يقترح أن المعلومات قد تكون لبنة أساسية في بناء الواقع. وصف الفيزيائي جون أرشيبالد ويلر هذه الفكرة بأنها «الشيء من البِت» (it from bit)، إذ يشير «الشيء» إلى كل ما في الكون، وتشير «البت» إلى المعلومات.
يركز سيث لويد على المعلومات الكمومية، ويرى الكون جهاز كمبيوتر عملاق، ويطلق عليه: «نظام فيزيائي يقسم المعلومات إلى بتات، ويقلب تلك البتات بطريقة منهجية».
يشير ذلك إلى مثال الإلكترون، الذي يدور وفقًا لميكانيكا الكم، ويأخذ إحدى قيمتين: أعلى أو أسفل. يقارن لويد هذا ببتات الكمبيوتر، وهي أصغر وحدات المعلومات الرقمية، التي تأخذ أيضًا إحدى قيمتين من المعلومات، 0 أو 1.
نظرًا إلى أن كل جسيم أولي يحتوي على معلومات، فإن الكون الذي يقترحه لويد يعالج هذه المعلومات أيضًا بطريقة تجعله مشابهًا تمامًا للكمبيوتر. يؤكد لويد في الواقع أن الكون هو كمبيوتر، إذ يمكن القول إن جميع التغيرات في الكون هي حسابات.
توصّل لويد إلى إجمالي هذه الحسابات في ورقته البحثية عن «الكون المحوسب»، مقدّرًا عدد «العمليات المنطقية الأولية» التي أدّاها الكون منذ بدايته، وهو رقم قريب من 10 مرفوعة للأس 120. لقد توصل أيضًا إلى تقديره الخاص لعدد البتات التي قد تحتويها كمية المادة الموجودة حاليًا في الكون: 10 مرفوعة للأس 90 بت.
إثبات أن الكون هو جهاز كمبيوتر سيكون له آثار فلسفية وعملية كبيرة بالتأكيد. السؤال هنا: من يبرمج كمبيوتر الكون؟ في نظر لويد، قد يكمن التفسير في «تقلبات كمية عشوائية صغيرة».
يقترح أن التقلبات الكمية قد تكون مسؤولة عن جميع أنواع الظواهر الفيزيائية، وبرمجة الكون، وحتى حمضنا النووي، وإن كان ذلك بقدر معين من العشوائية. يوضح لويد: «إذا تتبعت تلك العشوائية، ستجد أنها تنشأ في الواقع من تقلبات كمية صغيرة، تتخفى في شكل تقلبات حرارية وكيميائية. لقد بُرمِجت جيناتك بواسطة التقلب الكمومي».
قد يكون لمزيد من البحث في هذا المجال نتائج كبرى تؤثر في كل ما نعرفه عن أنفسنا وكوننا.
اقرأ أيضًا:
نظام كمبيوتر يستطيع معرفة شعورك
ستبقى أجهزة الكمبيوتر الكمومية العملية على بُعد عقدٍ على الأقل
ترجمة: عمرو أحمد حمدان
تدقيق: عبد الرحمن داده