لويس باستور: العالم والكيميائي والمخترع (1822-1895)
حياته المبكرة:
ولد الكيميائي وعالم الأحياء الدقيقة الفرنسي لويس باستور «Louis Pasteur» في السابع والعشرين من شهر كانون الأول/ ديسيمبر لعام 1822 في مدينة تدعى دول «Dole» في فرنسا، عمل والده جين جوزيف باستور دبّاغًا إضافة إلى عمله كرقيب أولٍ تم تقليده بوسام الشرف خلال الحروب النابليونية.
كان لويس ماهرًا في الرسم والطلاء، إذ حصل على درجة البكالوريس في الفنون عام 1840 ودرجة البكالوريس في العلوم عام 1842 من كلية بيسنكون الملكية «Royal college of Besancon»، لينال بعدها درجة الدكتوراه عام 1847 من مدرسة الأساتذة العليا «ecole normale» في باريس. قضى باستور سنوات عديدة في مجالي التعليم والأبحاث، وفي عام 1848 أصبح بروفيسور مادة الكيمياء في جامعة ستراسبورغ «Strasbourg University»، إنَ عمل باستور في تلك الجامعة أتاح له فرصة دخول شخص جديد إلى حياته حين قابل ابنة رئيس الجامعة ماري لورينت، ليتزوج الاثنان بعد ذلك بعام واحد بتاريخ 29/5/1849، فيما ولد لباستور خمسة أبناء، بقي اثنان منهم على قيد الحياة خلال فترة الطفولة.
إسهامه الرئيسي الأول في مجال الكيمياء:
في عام 1849، تعددت محاولات باستور لحل مشكلة متعلقة بطبيعة حمض الطرطريك «Tartaric Acid»، وهو حمض كيميائي يتواجد في رواسب النبيذ المتخمر، استخدم العلماء دوران الضوء المستقطب كطريقة لدراسة البلورات، فعند مرور الضوء المستقطب خلال محلولٍ مكونٍ من حمض الطرطريك الذائب، تدور زاوية مستوى الضوء المستقطب. لاحظ باستور بأنَ هناك مركبًا آخر يدعى حمض «Paratartaric Acid»، وهو أيضًا موجود في رواسب النبيذ، يمتلك تركيبًا مشابهًا لذلك الموجود في حمض الطرطريك، ولكن ما لفت انتباه باستور أكثر هو عدم دوران مستوى الضوء المستقطب عند عبوره عبر محلول من حمض «Paratartaric Acid»، ليستنتج بأنه وبالرغم من تشابه التركيب الكيميائي لكلا المركبين فحتمًا يجب أن يكون هناك اختلاف في هيكلهما.
لاحظ باستور عند النظر إلى حمض «Paratartaric Acid» تحت المجهر وجود نوعين مختلفين من بلورات صغيرة، ورغم ظهورهما بصورة متماثلة تقريبًا إلا أنَ كلَ واحد منهما هو صورة منعكسةٌ عن الآخر، حاول باستور فصل كِلا النوعين من البلورات وتجميعهما ثم صنعَ محلولًا مكونًا من كل نوع، بعد ذلك مرر الضَوء المستقطب خلال كل منهما وكانت النتيجة بأنَ دوران الضَوء المستقطب حدث في كلاهما ولكن في اتجاهين متعاكسين. أما عند تمرير الضوء المستقطب خلال محلول مكون من كِلا النوعين للبلورات لم يحدث دورانٌ للضوء.
إنَ التجربة التي قام بها باستور أثبتت بأن دراسة المكونات وحدها غير كافية لفهم سلوك المواد الكيميائية وأن دراسة الشكل والتركيب هو مهم جدًا لفهمها، مما أدى إلى ولادة فرع جديد من فروع الكيمياء سمي بالكيمياء الفراغية (Stereochemistry).
النجاح التجاري:
اجتهد باستور في العمل على إيجاد حلولٍ للمشاكل المعنية في تصنيع المشروبات الكحولية، وكان ذلك في الفترة التي تم تعيينه فيها عميد كلية العلوم وبروفيسور مادة الكيمياء في جامعة ليل «Lille University» عام 1854. إذ ظلت تجارب باستور معتمدةً على نظرية الجرثومة «Germ theory»، وهذه النظرية ليست من النظريات التي خرج بها؛ بل من النظريات التي عمل على تطويرها من خلال التجربة والملاحظة مما مكَنه من إقناع معظم أوروبا بصحتها، فقد كانت إحدى توضيحات باستور تنص على أنَ الكائنات الحية -كالبكتيريا مثلًا- هي المسوؤلة عن حموضة النبيذ والخمر وحتى الحليب،
ليخترع لاحقًا طريقة تمكن من القضاء على البكتيريا عن طريق غلي السائل ثم تبريده، وليكون تاريخ 20/4/1862 هو تاريخ إتمام أول اختبار حولها، في عملية معروفة في وقتنا الحالي بعملية البسترة.
وفي العام التالي، ساهم باستور في المساعدة على حفظ صناعة الحرير عندما أثبت بأن الجراثيم كانت تهاجم بيوض دودة القز السليمة مسببةً مرضًا مجهولًا، وأنَ المرض لا يُزال إلا بإزالة الجراثيم، ثم طوّر طريقةً لمنع تلويثهم استُخدِمت من قِبَل صُنَاع الحرير حول العالم.
وتوالت الإنجازات عندما اكتشف باستور أول لقاح له ضد مرض يُعرف بكوليرا الدجاج عام 1879، عندما تم تعريض الدجاج مصادفةً لشكل مخفف من استنبات معين، لاحظ باستور بأنَ الدجاج أصبح مقاومًا للفيروس الحقيقي. وبعد ذلك اتجهت مساعي باستور إلى توسيع نظرية الجرثومة لتطوير أسباب ولقاحات أمراض أخرى كمرض السل والكوليرا والحصبة والجمرة الخبيثة.
في عام 1882، وهو نفس العام الذي تم فيه قبوله في الأكاديمية الفرنسية، قرر باستور أن يركّز جهوده في حل مشكلة داء الكلب، الأمر الذي استطاع حله خلال ثلاث سنين بعد ذلك، عندما لقَح طفلًا يدعى جوزيف ميسترو يبلغ من العمر 9 سنوات كان قد عضه كلبٌ مصابٌ بالفيروس، وقد أدّى نجاح ذلك اللقاح إلى جلب الشهرة لباستور مباشرةً.
حياته الشخصية:
أصيب لويس باستور بشلل جزئي منذ عام 1868 نتيجة تعرضه لسكتةٍ دماغيةٍ خطرةٍ، ولكِن ذلك لم يشكل رادعًا بالنسبة إلى باستور الذي بقي قادرًا على مواصلة القيام بأبحاثه. احتفل باستور بيوم ميلاده السبعين في جامعة السوربون الفرنسية، التي كانت مكانًا حضره العديدُ من العلماء البارزين كان من بينهم الجراح البريطاني جوزيف ليسترJoseph Lister» ».
بعدها ازدادت حالة باستور الصحية سوءًا لتوافيه المنية في الثامن والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر لعام 1895. فيما تمَ نقل رفات باستور إلى السرداب البيزنطي الجديد في مؤسسة باستور عام 1896.
وختامًا ننهي سيرة حياة هذا العالم الكبير بإحدى مقولاته الرائعة:
«دعني أخبرك بالسر الذي قادني إلى هدفي، إن قوتي تتركز في عنادي».
ترجمة: سيرين خضر
تدقيق: دانه أبو فرحة
المصدر