أسس فيكتور فرانكل العلاج النفسي المعنوي بوصفه أحد أنواع العلاج النفسي، وطوره بعد النجاة من معسكرات الاعتقال النازية في الأربعينيات، وبعد تجربته طور نظرية حول إمكانية تحمل الأفراد المعاناة والشدائد بواسطة البحث عن معنى وهدف للحياة.
العلاج النفسي المعنوي
اعتقد فرانكل أن البشر مدفوعون بما يسمى (إرادة المعنى) التي تعني الرغبة في إيجاد المعنى في الحياة. وناقش بأن الحياة تتحلى بالمعنى حتى في أكثر الظروف مأسوية، وأن محرك الحياة يأتي من إيجاد هذا المعنى. وكتب:
«بإمكاننا سلب الإنسان كل شيء إلا حريته الأخيرة، وهي في اختيار موقفه من ظروف حياته».
واستند فرانكل في رأيه إلى تجاربه في المعاناة وموقفه حيال إيجاد المعنى وسط المعاناة، وبهذا، آمن أننا عندما لا نقدر على تغيير موقف ما، فعلينا تغيير ذواتنا.
الأساسيات
تأتي كلمة (Logos) من الإغريقية وهي المعنى، ويتضمن العلاج المعنوي مساعدة المريض على إيجاد معناه الذاتي في الحياة. وأورد فرانكل لمحة مختصرة عن النظرية في كتابه (الإنسان في بحثه عن المعنى).
خصائص جوهرية
اعتقد فرانكل وجود ثلاث خاصيات جوهرية استند إليها في نظريته وعلاجه:
- كل إنسان يمتلك جوهرًا صالحًا.
- هدف الإنسان الأساسي هو تنوير الآخرين لمعرفة مواردهم الداخلية وتزويدهم بالأدوات لاستخدام جوهرهم.
- تقدم الحياة المعنى والغاية، لكنها لا تعدنا بالإشباع أو السعادة.
إيجاد المعنى
بالتقدم خطوة للأمام، يقترح العلاج النفسي المعنوي أن معنى الحياة يُكتشف بثلاث طرق مختلفة:
- البدء بعمل أو تنفيذه.
- اختبار شيء أو اللقاء بشخص.
- موقفنا الذي نتخذه حيال المعاناة الحتمية.
وفي مثال يُعطى لتفسير عقائد العلاج المعنوي ترد قصة لقاء فرانكل لطبيب مسن يعاني صعوبة في تخطي اكتئابه بعد فقدان زوجته، ساعد فرانكل الرجل على رؤية أن الهدف وراء مأساته هو أن يجنب زوجته عناء فقدانه أولًا.
افتراضات أساسية
يتألف العلاج المعنوي من ستة افتراضات تتقاطع مع البنى الأساسية وطرق البحث عن المعنى:
1) الجسد والعقل والروح
الإنسان كيان يشمل الجسد والعقل والروح. ناقش فرانكل أننا نمتلك جسدًا وعقلًا، أما الروح فهي ما نحن عليه أو جوهرنا. ومع أن نظرية فرانكل لم تستند إلى أسس دينية أو لاهوتية، فإن فيها ما يتشابه معهما.
2) للحياة معنى في كل الظروف
اعتقد فرانكل أن للحياة معنًى في كل الظروف، حتى في أحلكها، ويعني ذلك أنه حتى عندما تبدو الظروف مرعبة بالمعايير الموضوعية، فإنها تحمل مستوًى أعلى يشتمل على المعنى.
3) يمتلك البشر إرادة البحث عن المعنى
يقترح العلاج النفسي المعنوي أن للبشر إرادة المعنى. ويعني ذلك أن المعنى هو محفزنا الأولي للحياة والفعل، ويسمح لنا باعتناق الألم والمعاناة. ونظر إلى ذلك باختلاف عن إرادة القوة وتحقيق المتعة.
4) الحرية في إيجاد المعنى
يناقش فرانكل أنه تحت كل الظروف، للأفراد الحرية في التواصل مع هذه الإرادة لإيجاد المعنى. ويستند في ذلك إلى تجاربه في الألم والمعاناة وانتقاء انطباعه عن موقف لا يستطيع تغييره.
5) المغزى من الحاضر
وفيه يناقش فرانكل بأنه لكي تكتسب قرارات الأفراد المعنى، عليهم الاستجابة لمتطلبات الحياة اليومية بطرق تتوافق مع قيم المجتمع أو وعيهم الخاص.
6) كل الأفراد متفردون
اعتقد فرانكل أن كل إنسان فريد ولا بديل له.
العلاج المعنوي في الممارسة
اعتقد فرانكل أنه بالوسع تحويل المعاناة إلى إنجاز، ونظر إلى الشعور بالذنب بوصفه فرصة لتحسين الذات، وإلى التغييرات الحياتية بوصفها فرصة لتحمل المسؤولية.
بهذه الطريقة، هدف هذا العلاج النفسي إلى مساعدة الناس في استغلال مواردهم الروحية في مواجهة الشدائد. واستخدم في كتابه تجاربه الشخصية لشرح المفاهيم للقارئ. واستخدم العلاج المعنوي ثلاث تقنيات:
1) عكس التأمل الذاتي: يهدف إلى مساعدة الشخص في إشاحة النظر عن ذاته والتركيز على الآخرين وقضاء وقت أقل في الغرق في مشكلة معينة أو كيفية تحقيق هدف ما.
2) النية المتناقضة: هي تقنية تدفع الشخص إلى تمني أكثر الأشياء المخيفة له، واقتُرِحت هذه التقنية في حالة القلق أو الرهابات، إذ نلجأ إلى الفكاهة والسخرية عندما يكون الخوف كبيرًا لدرجة الشعور بالعجز أو الشلل، فمثلًا، يُنصَح الشخص الذي يخاف الظهور كالأحمق بأن يبدو أحمقًا عمدًا، المفارقة أن الخوف سيتلاشى عندما يتضمن الموقف النية للتعرض لأكثر أمر نخافه.
3) الحوار السقراطي: يُستخدم لمساعدة المريض في رحلة اكتشاف الذات، من خلال حواره مع ذاته بكلمات معينة. وبهذا يشير المعالج إلى أنماط معينة من الكلمات ويساعد المريض على رؤية المعنى وراءها. يُعتقد أن هذه الطريقة تساعد المريض في إدراك الإجابة التي تنتظره ليكتشفها.
من السهل رؤية كيف تتداخل بعض تقنيات العلاج المعنوي مع أنواع أحدث للعلاج، كالعلاج المعرفي السلوكي CBT والعلاج بالتقبل والالتزام ACT. بهذا قد يكون العلاج المعنوي مقاربة مكملة للعلاجات السلوكية والفكرية.
الانتقادات
لم تسلم نظريات فرانكل من الانتقاد، وظنت فئة أنه استغل مسألة اعتقاله في الترويج لنظريته في العلاج النفسي. بينما اعتقدت فئة أخرى أن معظم داعميه كانوا من رجال الدين في الولايات المتحدة الأمريكية. وبالفعل، وظف فرانكل قساوسة ومعالجين نفسيين روحيين للعمل معه.
عام 1961 طعن مؤسس الحركة الوجودية في أمريكا عالم النفس رولو ماي بأفكار فرانكلن، وناقش بأن العلاج المعنوي مرادف للتسلط لما فيه من إملاء المعالج للحلول على المريض. وفي ذلك تقليل لمسؤولية المريض في إيجاد حلول لمشكلاته.
من غير الواضح إن كانت هذه المشكلة جوهرية للعلاج المعنوي أم هي فشل فرانكل نفسه، إذ عُرف بعجرفته في طريقة تحدثه إلى المرضى. أو ربما في محاججة العلاج النفسي المعنوي بوجود حلول واضحة للمشكلات، تقع على المعالج مهمة إيجادها بالنيابة عن المريض. لكن فرانكل يناقش أن العلاج المعنوي يعلم المريض كيفية استلام زمام مسؤوليته.
ولكن بصرف النظر، يتضح من تطبيق نظريات فرانكل أنه من المهم توضيح أن المريض شريك في العملية لا متلقٍ فقط.
الأدلة
أجريت في 2016 مراجعة منهجية لأدلة البحث المتعلقة بالعلاج المعنوي، فوجدت ارتباطًا أو تأثيرات تعود للعلاج المعنوي في النواحي التالية:
- الارتباط بين وجود المعنى في الحياة والبحث عنه ومدى الرضا عن الحياة والسعادة.
- تلاشي معنى الحياة عند المرضى المصابين باضطرابات نفسية.
- البحث عن المعنى أو وجود هدف للحياة هو صمام أمان.
- ارتباطات بين معنى للحياة والأفكار الانتحارية عند مرضى السرطان.
- فاعلية برامج العلاج المعنوي عند الأطفال المصابين بالاكتئاب.
- فاعلية العلاج المعنوي في تقليل التوقف عن العمل ومتلازمة العش الخالي.
- الارتباط مع الرضى الزوجي.
عمومًا، يوجد دليل على ارتباط الحياة الهادفة مع صحة نفسية أفضل. ومن المقترح إمكانية تطبيق هذه المعرفة في نواحٍ عدة مثل الرهاب، والألم والذنب، والحداد، والاضطرابات مثل الفُصام والاكتئاب والإدمان والكرب بعد الصدمة والقلق.
اعتقد فرانكل أن الكثير من الأمراض أو الاضطرابات النفسية تتنكر بالقلق الوجودي. وأن الناس يعانون فقدان المعنى، وأشار إليه بالفراغ الوجودي.
كيف تطبق مبادئ العلاج الوجودي لتحسين حياتك اليومية؟
- ابتدع أمرًا ما: مثلما اقترح فرانكل، فإن الخلق يعطي لوجودك غاية، ما يضيف معنى إلى حياتك.
- طور علاقاتك: قضاء الوقت مع الآخرين يشكل دعمًا بطبيعته ويساعدك على تطوير المعنى وإضفائه على حياتك.
- جد المعنى في الألم: إن كنت ترزح تحت ثقل أمر سيئ، حاول إيجاد الغاية من ورائه. حتى وإن كان ذلك مواربة نفسية، فإنها ستساعدك على رؤية نفسك، فإن كان أحد أفراد العائلة مثلًا يمر بمرحلة علاجية لداء ما، فانظر إلى الأمر على أن غايتك هي أن تكون إلى جانبه لدعمه.
- تصالح مع فكرة أن الحياة غير عادلة: لا يوجد من يعد النقاط في لعبة الحياة، ولن تكون الحياة عادلة معك. لكن للحياة معنًى وهدف حتى في أحلك المواقف.
- الحرية في إيجاد المعنى: تذكر أنك حر دائمًا في بحثك عن المعنى في مواقف حياتك ولا يمكن لأحد سلب هذا منك.
- ركز على الآخرين: جرب التركيز خارج ذاتك لتخطي شعور مرتبط بحدث ما.
- تقبل الأسوأ: عندما تتوقع الأسوأ، تفقد المواقف السيئة من تأثيرها عليك.
اقرأ أيضًا:
ما الأزمة الوجودية؟ وكيف نتخطاها؟
ترجمة: سِوار قوجه
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: عون حدّاد