مدينة روما هي عاصمة إيطاليا، مهد الفاتيكان والبابوية، وكانت ذات يوم مركزًا لإمبراطورية قديمة واسعة. وما زالت محط تركيز ثقافي وتاريخي داخل أوروبا.
أصول أسطورة روما
تقول الأسطورة أن رومولوسين أسس روما سنة 713 قبل الميلاد، ولكن من المحتمل أن تكون الأصول سابقة لذلك، حين كانت مستوطنة من عدة مستوطنات في سهل لاتيوم. تطورت روما بواسطة تجارة الملح عبر نهر التيبر في طريقه إلى الساحل، بالقرب من التلال السبعة التي يُقال إن المدينة بنيت عليها. يُعتقد تقليديًا أن الحكام الأوائل لروما كانوا ملوكًا، ربما جاءوا من شعب يُعرف باسم الإتروسكانيين، الذين طُردوا سنة 500 قبل الميلاد.
الجمهورية والإمبراطورية الرومانية
استُبدلت بالملكية الجمهورية واستمرت خمسة قرون، وشهدت الهيمنة الرومانية التوسع عبر البحر المتوسط. وكانت روما محور هذه الإمبراطورية، وأصبح حكامها أباطرة بعد عهد أغسطس الذي توفي سنة 14 قبل الميلاد. استمر هذا التوسع حتى حكمت روما أكثر جنوب أوروبا وغربها، إضافةً إلى شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وأصبحت روما نقطة الاتصال لعدة ثقافات عريقة، وأُنفقت مبالغ طائلة على البناء. توسعت المدينة لتحوي نحو مليون شخص ممن كانوا يعتمدون على واردات الحبوب وقنوات المياه. خلدت هذه الفترة مكانة روما التاريخية.
حقق الإمبراطور قسطنطين تغييرين أثّرا في روما في القرن الرابع. أولًا، اعتنق المسيحية وبدأ ببناء المنشآت المكرسة للدين الجديد، وغير شكل المدينة ووظيفتها والتمهيد للحياة الآخرة بعد زوال الإمبراطورية. وثانيًا، إنشاء عاصمة جديدة للإمبراطورية، القسطنطينية في الشرق، حيث ركز الحكام الرومان بتزايد على إدارة النصف الشرقي من الإمبراطورية. بعد إنشاء القسطنطينية تقلصت أهمية النصف الغربي من الإمبراطورية وكذلك مدينة روما. لكن حتى عام 410 للميلاد، عندما غزا ألاريك والقوط روما، كانت ما تزال مؤثرة في جميع أنحاء العالم القديم.
سقوط روما وصعود البابوية
كان الانهيار النهائي لقوة روما الغربية حين تنازل آخر إمبراطور غربي عن العرش سنة 476 للميلاد، بعد وقت قصير من تأكيد أسقف روما، فليو الأول، لمنصبه وريثًا مباشرًا لبيتر. على مدى قرن من الزمان تراجعت روما، إذ تبادل السيطرة عليها الأطراف المتحاربة متضمنةً اللومبارديين والبيزنطيين (الرومان الشرقيين)، الذين حاولوا السيطرة على الغرب لإعادة إحياء الإمبراطورية الرومانية. كان الحنين للوطن قويًا، مع أن الإمبراطورية الشرقية كانت تتغير باستمرار لفترة طويلة. تقلص عدد السكان إلى 30 ألف واختفى مجلس الشيوخ، الذي كان أثرًا باقيًا من الجمهورية، سنة 580.
نشأت البابوية في القرون الوسطى وأعيد تشكيل المسيحية الغربية حول البابا في روما، التي بدأها غريغوري العظيم في القرن السادس.
أصبح حكام أكثر أوروبا مسيحيين، لذلك نمت قوة البابا وأهمية روما، وخاصةً للحج. ومع نمو ثروة البابوية، أصبحت روما مركزًا لتجمع الأملاك والمدن والأراضي المعروفة باسم الولايات البابوية. فموّل إعادة البناء الآباء والكرادلة وغيرهم من مسؤولي الكنيسة الأثرياء.
الانحدار والنهضة
سنة 1305، اضطرت البابوية للانتقال إلى أفينيون. أدى هذا الغياب، الذي أعقبه الانقسامات الدينية الكبرى، إلى غياب السيطرة البابوية على روما حتى سنة 1420. أدى تناحر الفصائل إلى انحدار المدينة، لكن عقب عودة البابوية في القرن الخامس عشر، وُضع برنامج كبير لإعادة البناء، كانت روما خلاله في طليعة عصر النهضة. سعى البابا لإنشاء مدينة تعكس سلطة البابوية، إضافةً إلى التعامل مع الحجاج.
لم تجلب البابوية المجد دائمًا، وعندما دعم البابا كليمنت السابع الفرنسيين ضد الإمبراطور الروماني المقدس شارل الخامس، عانت روما من انقسامات كبيرة أخرى، وأعيد بناؤها مرة أخرى بعد ذلك.
العصر الحديث المبكر
خلال أواخر القرن السابع عشر، بدأ نشاط البنائين المنتمين إلى البابوية يتراجع، في حين انتقل التركيز الثقافي لأوروبا من إيطاليا إلى فرنسا، وبدأ الحجاج يزورون روما، مهتمين برؤية آثار مدينة روما القديمة على حساب الاهتمام الديني. وفي أواخر القرن الثامن عشر، وصلت جيوش نابليون إلى روما ونُهبت العديد من الأعمال الفنية. ثم استولى على المدينة رسميًا عام 1808 وسجن البابا، إلا أن هذه الترتيبات لم تدم طويلًا، ورُحب بالبابا سنة 1814.
العاصمة
اجتاحت الثورة روما سنة 1848 إذ رضخ البابا للثورات في أماكن أخرى وأُجبر على الفرار تاركًا مواطنيه المنقسمين. وأُعلنت جمهورية رومانية جديدة، لكن سحقتها القوات الفرنسية في العام نفسه. مع ذلك، ظلت الثورة كامنة ونجحت حركة إعادة توحيد إيطاليا، وسيطرت مملكة إيطاليا الجديدة على جزء كبير من الدول البابوية وسرعان ما ضغطت على البابا للسيطرة على روما. بحلول عام 1871، بعد خروج القوات الفرنسية من المدينة، استولت القوات الإيطالية على روما، وأُعلنت عاصمةً لإيطاليا الجديدة.
كما يحدث دائمًا، تبعت ذلك عملية بناء مصممة لتحويل روما إلى عاصمة، وارتفع عدد السكان بسرعة من نحو 200 ألف سنة 1871 إلى 660 ألف سنة 1921.
لتصبح من جديد محور صراع على السلطة سنة 1922، عندما قام بينيتو موسوليني بمسيرة «القمصان السود» نحو المدينة وسيطر على البلاد، وقع ميثاق لاتيران سنة 1929، ومنح الفاتيكان مركز الدولة المستقلة داخل روما، لكن نظامه انهار في أثناء الحرب العالمية الثانية. ونجت روما من هذا الصراع العظيم دون أن يلحق بها ضرر بالغ، وظلت عاصمةً لإيطاليا طيلة القرن العشرين وحتى الآن. وسنة 1993، انتُخب عمدة للمدينة للمرة الأولى.
اقرأ أيضًا:
يوليوس قيصر: حياته وأشهر أقواله
ترجمة: مها ديماسي
تدقيق: أكرم محيي الدين