ظهر مفهوم البريد مع حاجة الناس إلى نقل الرسائل لمسافات بعيدة، إذ تضمن ذلك نقل السعاة للمراسلات، ومن المرجح أن حاجة الناس إلى البريد كانت أحد أسباب اختراع الكتابة أساسًا.
دور الكتابة في النشاط التجاري
اختُرعت بدايات الكتابة في بلاد ما بين النهرين قبل 9500 عامًا على الأقل عندما استُعملت القطع الطينية لنقش النقط والخطوط التي تمثل كميات من البضائع، وكان الساعي يجلب هذه القطع إلى البائع ليعرف كمية الحبوب أو عدد جرار زيت الزيتون المطلوبة، فيرسل البائع البضاعة إلى المشتري مرفقةً مع هذه القطع الطينية، وفي العصر البرونزي كانت هذه القطع تقوم مقام بوليصة الشحن.
تضخمت شبكة التجارة إبان حقبة أوروك في العراق القديم 3100-3500 ق.م فأخذ العراقيون القدماء يغلفون القطع الطينية بصفائح طينية رقيقة قبل شيّها لتتصلب، وكان الغرض من هذه المغلفات هو منع التلاعب والاحتيال حتى يستطيع البائع التأكد من استلام المشتري للكمية الصحيحة من البضائع، وبمرور الزمن أصبحت الرسائل ألواحًا طينية استعاضوا بها عن القطع الطينية القديمة، ومن هذه النقطة انطلق تطور الكتابة بالفعل.
النظام البريدي
ظهر أول نظامٍ بريدي موثق ترعاه الدولة وتوظف له السعاة الذين تناط بهم مهمة نقل الرسائل في مصر القديمة نحو 2400 ق.م، حين استعمل الفراعنة سعاة البريد لينقلوا مراسيمهم عبر أراضي الدولة. وأقدم رسالة بريدية وصلت إلينا ترجع إلى عام 255 ق.م، عُثر عليها في مخزن برديات مدينة أوكسيرينخوس المصرية.
استُعمل -على الأرجح- نفس نظام خدمة السعاة هذا لإدارة الضرائب ونقل الأخبار في أنحاء معظم الإمبراطوريات مثل الإمبراطورية الفارسية في الهلال الخصيب (نحو 500-220 ق.م) وأسرة هان الحاكمة في الصين في الفترة من 306 ق.م حتى 221 م. والإمبراطورية الإسلامية (622-1923 م) في الجزيرة العربية وإمبراطورية الإنكا في البيرو (1250-1550 م) وإمبراطورية المغول في الهند (1650-1857 م). إضافة إلى ذلك، لا شك أن التجار من مختلف الإمبراطوريات نقلوا الرسائل تحت رعاية الحكومات على طول طريق الحرير، وربما قاموا بذلك منذ تاريخ نشوء ذلك الطريق التجاري في القرن الثالث قبل الميلاد.
كانت أول الظروف التي تحمي هذه الرسائل من أعين الفضوليين مصنوعةً من القماش أو جلود الحيوانات أو أجزاء نباتية، أما الظروف الورقية (تشي بو) فقد ظهرت في الصين إذ اختُرع الورق إبان القرن الثاني قبل الميلاد، وقد استعملت لحفظ الهبات المالية.
ولادة أنظمة البريد الحديثة
أسس الفرنسي جان-جاك رينوار دي فيلاير (1607-1691 م) نظامًا بريديًا في باريس عام 1653 إذ أعدّ صناديق للبريد وأوصل أي رسالة توضع فيها إن كانت في داخل أحد الظروف مسبقة الدفع التي باعها، لكن عمله لم يستمر طويلًا عندما قرر شخص مخادع وضع فئران حية في صناديق البريد لينفر بها الزبائن.
اخترع معلم إنكليزي يُدعى رولاند هيل (1795-1879) الطابع البريدي اللاصق عام 1837 م، فنال عليه رتبة فارس. وبجهوده انطلق في إنكلترا عام 1840 أول نظام طوابع بريد في العالم، وقد وضع هيل أيضًا أول نظام تسعير موحد للبريد يعتمد على الوزن بدلًا من الحجم، وبذلك جعلت طوابع هيل طريقةَ الدفع المسبق لإرسال البريد ممكنةً وعمليةً. ثم تأسس الاتحاد البريدي العالمي (اتحاد البريد العالمي) عام 1874 م الذي يضم اليوم 192 دولة، وهو الذي يضع قواعد التبادل البريدي الدولي.
تاريخ مكتب بريد الولايات المتحدة
خدمة بريد الولايات المتحدة هي منظمة مستقلة تتبع الحكومة الفدرالية، ومسؤولة عن توفير الخدمات البريدية في أمريكا منذ تأسيسها سنة 1775 م، وهي واحدة من منظمات حكومية قليلة أقرها الدستور الأمريكي صراحةً، وشغر المؤسس بنجامين فرانكلين منصب أول مدير عام لها.
أول دليل للطلب عبر البريد
وزع آرون مونتغمري وارد (1843-1913 م) أول دليل للطلب عبر البريد سنة 1872 موجهًا لبيع البضائع للمزارعين الريفيين الذين واجهوا صعوبة في الوصول إلى المدن الكبرى للتجارة وكان وارد قد بدأ عمله التجاري في شيكاغو برأس مال قدره 2400 دولارًا فقط، وقد تكوّن دليله الأول من ورقة واحدة بقياس 20×30 سنتيمترًا تحتوي على قائمة بأسعار السلع وكيفية طلبها، ثم توسع الدليل إلى كتب كاملة تتضمن التفاصيل والصور.
في 1926، افتتح أول متجر للبيع بالتجزئة تابع لمونتغمري وارد في بليماوث (إنديانا)، أما في 2004 فقد أعيد إطلاق الشركة بصفتها شركة تجارة إلكترونية.
أول فارز بريد آلي
اخترع عالم الإلكترونيات الكندي «موريس ليفي»، عام 1957 م، جهازًا لفرز البريد وهو جهاز آلي قادر على التعامل مع 200 ألف رسالة في الساعة، وكان مكتب البريد الكندي قد كلّفه بتصميم نظام فرز إلكتروني آلي جديد يتحكم فيه الحاسوب والإشراف على بناءه.
اختُبر نموذج فارز بريد مصنوع باليد في مركز البريد بأوتاوا عام 1953 وبعد نجاحه في الاختبار، تبعه صنع نموذج لآلة فرز وترميز تستطيع التعامل مع كل بريد مدينة أوتاوا، وقد أنشأها الصناع الكنديون سنة 1956 وكانت قادرة على التعامل مع 30 ألف رسالة في الساعة مع خطأ في الفرز لا يتجاوز الرسالة الواحدة بين كل 10 آلاف رسالة.
اقرأ أيضًا:
لماذا لا تصل رسائل البريد الإلكتروني مباشرةً كالرسائل الفورية؟
ترجمة: الحسين الطاهر
تدقيق: أسعد الأسعد
مراجعة: نغم رابي