يُعَد الزجاج عازلًا حراريًّا، لذلك عندما يتعرض الزجاج لتغير سريع في درجة الحرارة، يتقلص أحد جانبيه أسرع من الجانب الآخر، ما يؤدي إلى كسره.
قبل بضعة أيام، وضعت قارورة ماء زجاجية في الثلاجة حتى يبرد الماء بسرعة، وكالعادة نسيت أني فعلت ذلك، وعندما فتحت الثلاجة في اليوم التالي، اكتشفت أن الماء قد تجمد (وهذا متوقع)، لكن الزجاجة كانت مكسورة (وهذا غريب!)، لذا تساءلت: لماذا انكسرت الزجاجة؟
لإجابة هذا السؤال، نحتاج إلى فهم التوازن الحراري، والزجاج بوصفه موصلًا للحرارة.
التوازن الحراري
الطاقة الحرارية هي الطاقة المرتبطة بدرجة حرارة جسم أو نظام ما، عندما نتحدث عن التسخين، فإننا نشير إلى انتقال الطاقة الحرارية من جسم إلى آخر، تنتقل الحرارة إما عن طريق التوصيل أو الحَمل أو الإشعاع. عمومًا تُسمى القوانين المتعلقة بتبادل الطاقة الحرارية (والتحول من حالة إلى أخرى) باسم قوانين الديناميكا الحرارية، وتحكم هذه القوانين فهمنا لتغير درجة الحرارة في أي نظام.
يُعَد القانون الصفري للديناميكا الحرارية Zeroth Law of Thermodynamics هو الأكثر صلةً بسؤالنا، وينص هذا القانون أساسًا على أنه: «عندما يوجد جسمان متساويان في درجة الحرارة مع جسم ثالث، فعندها تكون درجات حرارة كل منهم متساوية»، ما يعني أنه عندما تتصل أنظمة مختلفة درجة الحرارة، تصل بمرور الوقت إلى نقطة التوازن الحراري. يشكل هذا القانون أساسًا لمقاييس الحرارة، ولفهم هذا بشكل أفضل نحتاج إلى تعريف التوازن الحراري thermal equilibrium.
في أبسط الحالات، عندما يكون الجسمان في حالة توازن حراري، يكونان متصلين ببعضهما ولهما نفس درجة الحرارة. لذلك عندما يكون أحد الجسمين أسخن من الآخر، فسينقل الحرارة للجسم الأقل حرارة حتى يصبح لكليهما نفس درجة الحرارة.
ماذا يحدث للزجاج عند درجات الحرارة المتغيرة؟
للمواد الصلبة ثلاثة بنى هيكلية: بلوري crystalline، ومتعدد البلورات polycrystalline، وغير متبلور amorphous. تفتقر المادة الصلبة غير المتبلورة إلى ترتيب موحد في بنيتها، أما المواد الصلبة المتبلورة فتكون مُرتبة تمامًا.
تحتوى المادة الصلبة متعددة البلورات على العديد من المواد البلورية المختلفة توجد في أوضاع مختلفة، ويُعَد الزجاج مادةً خزفية ceramic مصنوعة من السليكا، التي بدورها توجد في إحدى حالتين، متبلورة أو غير متبلورة.
السليكا الداخلة في صناعة الزجاج تكون غير بلورية أساسًا، وأكثر أنواع الزجاج شيوعًا هو الخزف الشفاف، المصنوع من السليكا غير المتبلورة أو ثاني أكسيد السيليكون (SiO2) مضافًا إليه نحو 30% أكسيد الصوديوم (Na2O) وأكسيد الكالسيوم (CaO) وأكسيد المغنيسيوم (MgO)، وكما في الأجسام التي تتمدد بالحرارة وتنكمش بالبرودة، يتفاعل الزجاج أيضًا بهذه الطريقة عندما يتعرض لتغير في درجة الحرارة.
للحرارة -كما للكهرباء- موصلات جيدة وأخرى سيئة، ويُعَد الزجاج موصلًا سيئًا جدًّا للحرارة بسبب هيكله غير المتبلور، فلا تستطيع الذرات الخزفية المبعثرة نقل الطاقة الحرارية جيدًا، وبسبب خصائصها العازلة فإن قطعة أسمك من الزجاج -مثل تلك الموجودة في القارورة الزجاجية- تكفي لإحداث تباين في الحجم عند اختلاف درجات الحرارة بين الجانبين، إذ يستغرق جانبا الزجاجة وقتًا أطول للوصول إلى حالة التوازن الحراري.
إذن لماذا ينكسر الزجاج ؟
بسبب هذه الخصائص، تكون الأجسام الزجاجية أكثر عرضةً للكسر عندما تتعرض لدرجات حرارة متغيرة بسرعة، إذ يحدث التبادل الحراري من خلال وسيط.
الوسيط في هذه الحالة هو الهواء، إذ يعمل الهواء البارد وسيطًا تفقد من خلاله الزجاجة الحرارة، فيلامس الهواء البارد جانبًا واحدًا من الزجاجة، ومن ثم يفقد هذا الجانب حرارته بسرعة فيتقلص حجمه، ويظهر التباين في درجة الحرارة لأن جانبي الزجاجة غير قادرين على الوصول إلى حالة التوازن الحراري مع الهواء المتجمد.
لذلك عندما تُفقَد الحرارة من أحد جانبي الزجاجة، يكون الجانب الآخر أدفأ نسبيًا، ما يجعله أكثر تمددًا، وهذا التباين في الحجم هو ما يؤدي إلى انكسار الزجاج.
اقرأ أيضًا:
لماذا الزجاج شفاف ؟ ما العلم وراء مرور الضوء من خلال الأجسام الصلبة ؟
الزجاج الفائق قد يكون أحد أحدث حالات المادة المكتشفة
ترجمة: محمد رشود
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: أكرم محيي الدين