إن انتشار المعلومات الخاطئة أو المضللة المتعلقة بالعلوم عمومًا وبالصحة خصوصًا، ليس بالأمر الهين. عندما يتعلق الأمر بالصحة، قد تضع المعلومات الخاطئة حياة الناس على المحك.
تنتشر الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة عن الصحة انتشارًا كبيرًا، والكارثة أنها تغطي عددًا لا يُحصى من المواضيع العلمية. بوسع بحث بسيط على جوجل أن يكشف التعارض بين الإجماع العلمي وآراء أطراف معينة من الرأي العام، حول مواضيع تتراوح بين أمان اللقاحات وعلاج الاضطرابات العقلية، ومن نظرية التطور إلى تغير المناخ.
قد يتساءل المرء، ما الذي يدفع الناس إلى الوقوع ضحية الادعاءات العلمية الكاذبة؟ الإجابة عن مثل هذا السؤال المعقد -بطبيعة الحال- معقدة، يوجد العديد من الأسباب على مستويات مختلفة، من الفردية إلى الجماعية والمجتمعية. لحسن الحظ، ساعدت دراسة حديثة في دورية (PNAS) على إلقاء بعض الضوء حول هذه المسألة، من طريق الاطلاع على أبحاث العلوم الاجتماعية المبنية على الدليل.
العوامل الفردية:
يوجد عاملان رئيسيان لاستمرار المعلومات المضللة على المستوى الفردي، وهما عدم القدرة على التقييم، والافتقار إلى الحافز للتعرف على المعلومات المضللة.
فيما يتعلق بالعامل الأول، فإن القدرة المحدودة على تقييم التحيزات في وسائط الإعلام، والفهم العلمي المحدود، قد يكونان جزءًا من المشكلة، فمثلًا كشفت دراسة استقصائية كبيرة أُجريت حديثًا أن 64% فقط من الجمهور يدركون مفهوم (الاحتمالات)، وفقط 51% استطاعوا تعريف (التجربة) تعريفًا صحيحًا، و23% فقط تمكنوا من وصف مكونات الدراسة العلمية.
تشير الدراسة إلى قدرة الجمهور على التمييز بين العلم والعلم الزائف، من طريق وجهات النظر حول كون التنجيم يُعَد علمًا. ففي حين ينظر الكثير من الناس اليوم إلى التنجيم بوصفه علمًا زائفًا، أيد 60% فقط القول بأن التنجيم «ليس علمًا على الإطلاق».
فيما يتعلق بالتحفيز، كُرست عقود من الأبحاث لمسألة (الانحياز التأكيدي)، التي تصف كيف قد يفسر أشخاص مختلفون الحقائق بطرق مختلفة. ويحدث الانزعاج النفسي المعروف باسم (التنافر المعرفي) عندما يقرأ المرء حقائق لا تتفق مع وجهة نظره للعالم، ما قد يساهم في الاعتناق الأعمى لأيديولوجية معينة، رغم ما في ذلك من تجاهل للإجماع العلمي.
الأساس الفلسفي لهذه المسألة مهم أيضًا، فالمعتقدات حول كيفية وصول المرء إلى المعتقدات المعرفية قد تؤثر في إدراك الشخص للمعلومات، فمثلًا من المرجح أن يميل الأشخاص الذين يثقون بحدسهم أكثر من مهاراتهم المنطقية لتقييم الادعاءات إلى تصديق نظريات المؤامرة.
العوامل الجماعية والمجتمعية:
تساعد العوامل الفردية على تفسير سبب وقوع الناس ضحية الأخبار العلمية المزيفة، لكن من المستحيل فهم تعقيد هذه المشكلة دون وضعها في سياقها الاجتماعي.
لا توجد المعلومات العلمية في الفراغ، بل تتدفق عبر شبكات اجتماعية تؤثر في إدراك الشخص لتلك المعلومات. تتعرض الشبكات الاجتماعية الأكثر تجانسًا -فكريًا وأيديولوجيًا- للمعلومات المضللة أكثر من غيرها، إذ يرتفع خطر قبول الادعاءات الكاذبة عندما تكون أكثر وضوحًا وأكثر مكافأةً اجتماعيًا عند مشاركتها، ويُشار إلى هذه الظاهرة باسم (غرفة الصدى).
قد تساعد بنية الشبكات الاجتماعية على انتشار المعلومات المضللة، إذ يرى الناس أن بعض المعتقدات الخاطئة أكثر انتشارًا في تلك الشبكة مما هي عليه في الواقع. ويزيد من تفاقم هذه المشكلة أن بعض الأطراف -البشرية والآلية- تؤثر في هذه الرؤية للادعاءات الكاذبة وتستغلها. وعلى مستوى أعلى من التحليل، قد تحفز تكتلات وسائط الإعلام السياسية والتجارية تشكُل المعلومات التي تُنشَر للجمهور.
ماذا نفعل حيال الأخبار الزائفة؟
إن أسباب انتشار المعلومات المضللة معقدة، وكذلك فالحلول معقدة أيضًا، وتحتاج إلى معالجة على مستويات متعددة من التحليل. قام البروفيسور تيموثي كولفيلد، الباحث القانوني بجامعة ألبرتا- كندا بجهد ممتاز في هذا المجال، إذ دعا إلى نشر الحقائق (في صورة قصص، لجعلها أكثر جذبًا للمستمع) وتعزيز ثقافة تُقدِّر التفكير النقدي.
ليست أخبار العلوم المزيفة بالأمر الجيد، خاصةً عندما يتعلق الأمر بعلاج الأمراض. والواقع أن رسم الحدود بين العلم والعلم الزائف مسألة معقدة. ولكن ليس من الصعب التحذير من بعض الإجراءات التي تفتقر إلى أي نظرية أو بحث يدعم استخدامها. والمشكلة في تعزيز المعلومات المضللة -المتعلقة بالصحة- هي إمكانية إضفاء الشرعية على التفكير غير العلمي بشأن الصحة، فضلًا عن العلاجات العلمية الزائفة، وما لذلك من عواقب وخيمة.
يستحق أحباؤك الرعاية المستندة إلى الدليل، وذلك بمقاومة تأثير الأخبار العلمية المزيفة، ومنع انتشار الجهات الناشرة لها قدر الإمكان.
اقرأ أيضًا:
إليك بعض النصائح البسيطة لتجنب الأخبار الزائفة حول فيروس كورونا
الدوريات الطبية تصاب بحمى التزييف و المعلومات المغلوطة
ترجمة: محند سعيد حمادوش
تدقيق: سلمى توفيق
مراجعة: أكرم محيي الدين