إذا صادف وضعت يومًا ما في غابة أو في البرية فلديك خياران: تستطيع البحث عن أماكن مأهولة مثل القرى، أو عمل أشياء تسهل على فرق البحث اكتشافك مثل إشعال النار أو كتابة ملاحظات بأحرف كبيرة. ولكن بالنسبة للعلماء المهتمين بمسألة وجود الكائنات الفضائية الذكية، فإن الخيارات متشابهة إلى حد كبير.
لأكثر من 70 عامًا ما يزال علماء الفلك يبحثون عن إشارات راديوية أو ضوئية من حضارات أخرى في الفضاء وذلك بهدف البحث عن حضارات ذكية خارج كوكب الأرض ضمن المشروع المعروف بـ SETI.
معظم العلماء واثقون من أن الحياة موجودة في الكون، إذ يوجد نحو 300 مليون كوكب يحتمل أن تكون صالحةً للسكن في مجرة درب التبانة وحدها.
يعتقد علماء الفلك أنه ربما توجد فرصة لبعض أشكال الحياة الفضائية لتكون ذكيةً بما يكفي لتطوير التكنولوجيا. لكن لم تُكتشف حتى الآن أي إشارات من أي حضارة أخرى، وهو لغز يسمى “الصمت العظيم”.
بينما ما يزال مشروع SETI محط اهتمام العلماء وهو جزء من الأبحاث والعلوم الشائعة اليوم، فإن مشروع METI الذي يهدف لإرسال إشارات ترحيبية بوجودنا في الكون أقل شيوعًا.
يقول المؤلف أو كاتب المقال الأصلي: «أنا أستاذ في علم الفلك وقد كتبت كثيرًا بشأن البحث عن الحياة في الكون، وأعمل أيضًا ضمن المجلس الاستشاري لمنظمة بحثية غير ربحية تقوم بصياغة رسائل بهدف إرسالها إلى الحضارات التي ربما تكون موجودة خارج كوكب الأرض».
في الأشهر المقبلة من هذا العام 2022، سيرسل فريقان من علماء الفلك رسائل إلى الفضاء كمحاولة للتواصل مع الكائنات الفضائية الذكية التي ربما تكون مُنصتة وتبحث عن إشارات حياة.
هذه الجهود تشبه إشعال نار كبيرة في الغابة وتأمل أن يجدك شخص ما. لكن بعض الناس يتساءلون هل من الحكمة القيام بذلك؟
تحمل المركبة الفضائية بايونير 10 هذه اللوحة التي تصف بعض المعلومات الأساسية عن البشر والأرض. الصورة مصادقة من : (كارل ساجان، فرانك دريك، ليندا سالزمان ساجان، مركز أبحاث ناسا أميس عبر ويكيميديا كومونز)
تاريخ مشروع METI
كانت المحاولات القديمة والمبكرة للاتصال بالحياة خارج الأرض لا تزيد عن رسائل خيالية توضع في زجاجة.
في عام 1972، أطلقت وكالة ناسا المركبة الفضائية بايونير 10 باتجاه المشتري، وحملت على متنها لوحة رُسم عليها رجل وامرأة ورموز تظهر المكان الذي نشأت فيه المركبة.
وفي العام 1977، تابعت وكالة ناسا الأمر وأطلقت المركبة الفضائية فوياجر1 وأضافت إليها القرص الذهبي الشهير.
القرص الذهبي الشهير
في عام 1974 أطلق علماء الفلك أول رسالة راديوية مصممة لكي تلتقطها أي تكنولوجيا لكائنات فضائية عبر مرصد أريسيبو في بورتوريكو.
صُممت الرسالة من سلسلة من الآحاد والأصفار لنقل معلومات بسيطة حول البشرية والبيولوجيا، وأُرسلت نحو العنقود النجمي المعروف باسم M13، ونظرًا لأن M13 يبعد عنا نحو 25000 سنة ضوئية فلا يجب أن نتحمس للحصول على أي رد!
إضافةً إلى كل هذه المحاولات في إرسال الرسائل إلى الكائنات الفضائية، فإن الإشارات الضالة من البث التلفزيوني والإذاعي تتسرب إلى الفضاء منذ ما يقارب الـ 100 عام. لقد وصلت هذه الفقاعة من الإشارات الأرضية التي تتزايد كل يوم إلى ملايين النجوم.
لكن يوجد فرق كبير بين الإشارات المُركزة لموجات الراديو من تلسكوب عملاق والتسرب المنتشر من البث الإذاعي والتلفزيوني، إذ تتلاشى الإشارة الضعيفة من البث التلفزيوني بتأثير الإشعاعات الناتجة عن الانفجار العظيم بعد وقت قصير من مغادرتها نظامنا الشمسي.
إرسال الرسائل الجديدة
بعد ما يقارب نصف قرن من الرسالة التي بعثها العلماء من مرصد أريسيبو، يخطط فريقان دوليان من علماء الفلك لمحاولات جديدة للتواصل مع الفضائيين. أحد الفريقين يستخدم تلسكوبًا راديويًا عملاقًا، والآخر لديه طرق أخرى.
ستُرسل إحدى هذه الرسائل الجديدة العام المقبل 2023 عبر أكبر تلسكوب راديوي في العالم الموجود في الصين. حيث ستبث سلسلة من النبضات الراديوية المتقطعة إلى مساحات شاسعة من الفضاء. هذه النبضات المتقطعة هي مثل 1 و 0 بت بالنسبة للمعلومات الرقمية في الحواسيب التقليدية. يبلغ قطر هذا التلسكوب نحو 500 متر.
يُطلق على هذه الرسالة إسم “The Beacon in the Galaxy” أو “منارة في المجرة”. تتضمن الرسالة الأعداد الأولية والعمليات الرياضية والكيمياء الحيوية للحياة وأشكال البشر وموقع الأرض والطابع الزمني.
سيُرسل العلماء الرسالة إلى ملايين النجوم القريبة من مركز مجرة درب التبانة وهو مكان يبعد عنا نحو 10,000 إلى 20,000 سنة ضوئية، وسيؤدي هذا إلى زيادة عدد الحضارات الفضائية المحتمل الوصول إليها بشكل كبير ولأقصى الحدود، ولكن سيعني ذلك أيضًا مرور عشرات الآلاف من السنين قبل أن تتلقى الأرض ردًا.
المحاولة الأخرى تستهدف نجمًا واحدًا فقط ولكن مع إمكانية حصولنا على رد محتمل بطريقة أسرع. في 4 أكتوبر 2022 سيرسل فريق من محطة كونهيلي الفضائية في إنجلترا رسالة نحو النجم ترابيست-1.
يحتوي هذا النجم على سبعة كواكب، ثلاثة منها كواكب شبيهة بالأرض تقع في المنطقة الصالحة للحياة ما يعني أنها قد تكون موطنًا للماء السائل وربما الحياة أيضًا. يبعد ترابيست-1 عنا نحو 39 سنة ضوئية فقط، لذلك قد يستغرق الأمر نحو 78 عامًا لتلقي الحياة الذكية المحتملة الرسالة ووصول الرد إلى كوكب الأرض.
سؤال أخلاقي
إن احتمالية الاتصال بالكائنات الفضائية مليئة بالأسئلة الأخلاقية، ومشروع METI ليس استثناءً من ذلك.
مثلًا: من سيتكلم باسم الأرض؟ لأنه في حال عدم وجود أي استفتاءات دولية من الشعوب، فإن القرارات المتعلقة بالرسالة التي يجب إرسالها وأين ستُرسل هي في أيدي مجموعة صغيرة من العلماء المهتمين.
لكن هناك أيضًا سؤال أعمق بكثير. إذا كنت تائهًا في الغابة، فمن الواضح أن العثور عليك أمر جيد. ولكن عندما يتعلق الأمر فيما إذا كان يجب على البشرية أن تبث رسالةً إلى الفضائيين فإن الإجابة تكون أقل وضوحًا.
قبل وفاته، كان عالم الفيزياء الكبير ستيفن هوكينغ صريحًا بشأن خطورة الاتصال بالكائنات الفضائية باستخدام التكنولوجيا المتقدمة، وقال إن ذلك ربما يكون أمرًا سيئًا، فلو حُدد موقع الأرض، فقد تُدمر البشرية. لا يرى آخرون أي مخاطر إضافية لأن الحضارة المتقدمة حقًا ستعرف بالفعل وجودنا، وعرض الملياردير الروسي الإسرائيلي يوري ميلنر مليون دولار لأفضل تصميم لرسالة جديدة وطريقة فعالة لإرسالها.
حتى الآن لا توجد لوائح دولية تحكم مشروع METI، لذلك ستستمر المحاولات، على الرغم من المخاوف.
حاليًا سيبقى الفضائيون الأذكياء في عالم الخيال العلمي. تُقدم كتب مثل (مشكلة الأجسام الثلاثة) من تأليف جيكسين ليو وجهات نظر حزينة ومحفزة للتفكير حول الشكل الذي قد يبدو عليه نجاح جهود مشروع METI. لا ينتهي الأمر بخير للبشرية في الكتب، لكن إذا نجح البشر في التواصل مع الكائنات الفضائية، نأمل أن يأتوا بسلام.
اقرأ أيضًا:
بعد سنوات من الخداع، كيف يقنع العلماء الناس بوجود المخلوقات الفضائية؟
20 ساعة فقط قد تكفي مرصد جيمس ويب للعثور على كائنات فضائية
ترجمة: أنور عبد العزيز الأديب
تدقيق: حسام التهامي