اكتشف الباحثون في تجارب على الجرذان أن هناك دارة عصبية محددة في الدماغ تبدو مسؤولةً عن الاندفاع نحو الطعام. هل يساعد هذا الاكتشاف على علاج الأشخاص المصابين بتأثيرات جانبية ناجمة عن فرط تناول الطعام؟
لماذا نلتهم كميات هائلة من الآيس كريم أو الفشار رغم بذلنا جهدًا كبيرًا في تجنبها؟
تترافق الحاجة الملحة لتناول الطعام مع الأكل المفرط والبدانة – وهي حالة صحية تصفها مراكز الوقاية والتحكم بالأمراض (CDC) باعتبارها «شائعة وخطيرة ومكلفة».
بالعودة إلى عام 2008، قيّمت CDC التكلفة الطبية السنوية للبدانة في الولايات المتحدة بما يقارب 147 مليار دولار.
وفي عامي 2015 و 2016، قدمت المنظمة تقريرًا يفيد أن 39% من البالغين في الولايات المتحدة يعانون من البدانة، تزيد هذه الحالة من خطورة العديد من المشاكل الصحية، بما فيها الداء السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، والنشبات، وبعض السرطانات.
والسؤال هنا، ما هي الآلية التي تقف خلف حدوث النهام؟ وهل يساعد تحديد هذه الآلية الأشخاص المصابين بهذه الحالة؟
ظهرت دراسةٌ في أخبار مجلة Nature تُعلن عن تحديد دارة عصبية في الدماغ يُعتقد أنها تؤثر في قدرتنا على مقاومة الإغراء.
إن قيامنا بشيء ما دون أخذ العواقب الممكنة في الحسبان لا يؤثر فحسب في قدرتنا على رفض تناول الطعام عند الشعور بالتخمة، بل هو أيضًا قاسم مشترك بين قضايا عديدة كإدمان المقامرة وتعاطي المخدرات.
رغم عدم وجود خطأ في الاندفاع بحد ذاته، لاحظ مؤلفو الدراسة الجديدة أن الاندفاع قد يؤدي إلى عواقب غير مرغوبة.
يسعى العلماء لفهم ما يحصل في الدماغ لإثارة السلوك الاندفاعي، على أمل أن استنتاجاتهم ستقود إلى إيجاد علاجات مبتكرة تساعد الأشخاص الذين يكافحون أمراضًا متعلقة بهذا السلوك.
خلايا الدماغ الأساسية التي تزيد الاندفاع:
درب العلماء الجرذان على سلوك تحصل من خلاله على حبيبات لذيذة غنية بالدهون والسكر عبر الضغط على ذراع.
كان يجب على الجرذان الانتظار عشرين ثانية قبل الضغط على الذراع مرة أخرى، وإذا قامت بهذا قبل مضي الفترة الزمنية المقررة، ستضطر للانتظار عشرين ثانية أخرى.
استخدم الباحثون بعد ذلك حقنة من الهرمون المركز للميلانين MCH، يعمل هذا الهرمون مرسالًا كيميائيًا ينتجه الوطاء الموجود في قاعدة الدماغ، وأظهرت دراسات سابقة أنه يلعب دورًا في السلوك الاندفاعي.
باستخدام التقنيات الحديثة، فعّل الفريق السبيل العصبي للهرمون المركز للميلانين من الوطاء وحتى الحصين، وهو جزء من الدماغ مرتبط بالتعليم والذاكرة.
تقول إيميلي نوبل، الحاصلة على درجة الدكتوراه والأستاذة المساعدة في قسم الطعام والتغذية في جامعة جورجيا في مدينة أثينا: «هناك آلية وظيفية كامنة في دماغك تنظم قدرتك على رفض دافع الطعام. في الأنماط التجريبية، يمكن تفعيل الدارة العصبية والحصول على استجابة سلوكية نوعية».
وجد الباحثون أنه بعد تفعيل السبيل العصبي، زادت الجرذان من مرات الضغط على الذراع، رغم أن هذا سيؤدي إلى تأخير حصولها على الحبيبات حلوة الطعم لمدة 20 ثانية أخرى، وهذه طريقة غير فعالة في الحصول على مكافأتها».
رغم أن الأبحاث السابقة أظهرت أن مستويات MCH في الدماغ تؤثر على وارد الطعام، فإن هذه الدراسة هي الأولى في تحديد دور هذا الهرمون في السلوك الاندفاعي.
تقول نوبل: «وجدنا أنه عند تفعيل الخلايا الدماغية التي تنتج MCH، تصبح الحيوانات أكثر اندفاعًا في سلوكها المتعلق بالطعام».
تقترح النتائج أن الهرمون المركز للميلانين MCH لا يؤثر على استمتاع الجرذان بالطعام أو مدى الجهد اللازم للعمل من أجله، لكنه يؤثر في قدرتها على مقاومة محاولة الحصول على الحبيبات، رغم أنها تعلمت أن زيادة عدد مرات الضغط على الذراع سيؤدي للمزيد من التأخير.
تقول الدكتورة إيميلي نوبل Emily Noble :«إن تنشيط هذا السبيل المحدد للهرمون المركز للميلانين يزيد السلوك الاندفاعي دون التأثير على التناول الطبيعي للطعام الحاوي على الحريرات اللازمة أو لتحفيز استهلاك الطعام اللذيذ».
إن استيعاب وجود هذه الدارة العصبية التي تؤثر انتقائيًا على الرغبة في الطعام تفتح الآفاق أمامنا لنستطيع يومًا ما تطوير تقنيات علاجية موجهة نحو اضطرابات فرط الطعام لتساعد الناس على الالتزام بحمية دون فقدان الشهية الطبيعية أو التقليل من جاذبية الأطعمة اللذيذة.
ترجمة محمد ياسر جوهرة – تدقيق علي قاسم – مراجعة رزان حميدة
اقرأ ايضًا: أظهرت دراسة جديدة فائدة حصر أوقات تناول الطعام خلال 10 ساعات يوميًا