يستهلك الدماغ طاقةً أكثر من الأعضاء الأخرى، وما يدعو للحيرة استمراره في استهلاك الطاقة حتى مع توقف مرور الإشارات العصبية -التي تعرف بالنواقل العصبية- بين خلاياه.
وجد باحثون من كلية طب ويل كورنيل مؤخرًا أن عملية تعبئة النواقل العصبية يمكن أن تكون مسؤولة عن استنزاف الطاقة في الدماغ، وفي دراستهم التي نشرت في بداية ديسمبر في مجلة ساينس أدفانسيس، تعرف الباحثون على كبسولات صغيرة تُدعى بحويصلات التشابك، التي تعد المصدر الرئيسي للطاقة المستهلكة من قبل الخلايا العصبية غير النشطة، إذ تستخدمها كحاويات لجزيئات النواقل العصبية التي تنقلها من أماكن الاتصالات (محطات التشابك للإشارة) إلى الخلايا العصبية الأخرى، وتستهلك عملية تعبئة النواقل العصبية في حويصلات طاقةً كيميائية، وجد الباحثون أن تلك العملية المرتبطة بالطاقة المستهلكة لها بطبيعتها تستمر بذلك حتى عند امتلاء الحويصلات وتوقف فاعلية محطات التشابك.
قال أستاذ الكيمياء الحيوية والكيمياء الحيوية في التخدير في كلية طب ويل كورنيل الدكتور تيموثي ريان: «تساعدنا تلك النتائج على فهمٍ أفضل لسبب كون الدماغ عرضة لتوقف إمدادات الطاقة إليه أو ضعفها».
تعود مراقبة استهلاك الدماغ لكميات كبيرة من الطاقة حتى عند الراحة إلى عقود عديدة من الدراسات حول إمدادات الدماغ من الطاقة المستخدمة في أثناء الغيبوبة والحالات الإنباتيَّة، وجدت تلك الدراسات أنه حتى هذه الحالات التي يكون فيها الدماغ غير نشيط، ينخفض استهلاكه من الغلوكوز نموذجيًا إلى النصف فقط، ملا يوضح أن الدماغ يستهلك طاقة كبيرة نسبيًا أكثر من باقي الأعضاء، لكن مصادر تلك الطاقة المستهلكة أثناء الراحة غير مفهومة جيدًا.
أوضح الدكتور ريان وزملاؤه في السنوات الأخيرة أن المحطات المشبكية في الخلايا العصبية التي تطلق النواقل العصبية تعد أكبر مستهلك للطاقة عند النشاط، وحساسة لأي اضطراب في مخازن طاقتها، وفي دراستهم الجديدة وجدوا أنه حتى في حالة الراحة وعدم النشاط يبقى معدل استهلاك الطاقة في المحطات المشبكية عاليًا، وذلك بسبب العدد الكبير من الحويصلات فيها، وخلال عدم الفاعلية المشبكية تكون الحويصلات مملوءة كاملًا بآلاف النواقل العصبية وجاهزة لإطلاق هذه الحمولات الناقلة للإشارة عبر المشابك إلى الخلايا العصبية المجاورة.
تمكن الباحثون من اكتشاف سبب استهلاك الحويصلات المشبكية الطاقة حتى عندما تكون ممتلئة بالكامل، إذ يعود ذلك أساسيًا إلى تدفق البروتونات عبر غشائها من خلال مضخات البروتون التي يجب أن تعمل وتستهلك الطاقة كذلك حتى عندما يكون الحويصل مليئًا بجزيئات الناقل العصبي.
أشارت التجارب إلى وجود بروتينات تعرف بالنواقل كمصدر محتمل لهذا التسرب البروتوني، فهي تغير شكلها لتصبح قادرة على الارتباط بالنواقل العصبية وإحضارها إلى داخل الحويصلات، لكن تسمح في الوقت نفسه للبروتون بالهروب كما يفعل ذلك.
خمن الدكتور ريان أن عتبة الطاقة لذلك الناقل المعدل كانت منخفضة لتمكن من إعادة تحميل سريعة للناقل العصبي في أثناء النشاط المشبكي، وبالتالي تفكير وعمل أسرع، ويضيف: «إن الجانب السلبي في القدرة على إعادة التحميل السريعة أنه حتى التقلبات الحرارية العشوائية يمكن أن تطلق الناقل المعدل، مُحدثةً استنزافًا مستمرًا للطاقة حتى مع عدم وجود ناقل عصبي محمل عليه، وعلى الرغم من كون معدل ضياع الطاقة من كل حويصل مشبكي صغير، إلا أنه يوجد على الأقل مئات تريليونات الحويصلات في الدماغ البشري، لذا فمعدل ضياعها سيزداد حقًا».
تعد النتائج تقدمًا مهمًا في فهم البيولوجيا الأساسية للدماغ، إضافةً إلى ذلك يعد الضعف الدماغي المحدث لاضطراب في مخازن الطاقة مشكلة كبيرة في طب الأعصاب، كما لوحظ قصور استقلابي في أمراض الدماغ الشائعة مثل الزهايمر وداء باركنسون. يمكن أن يساعد البحث في ذلك في نهاية المطاف على حل ألغاز طبية مهمة واقتراح علاجات جديدة.
اقرأ أيضًا:
مكابح الخلايا العصبية: كيف تنتقل الإشارة الكهربائية على طول العصب؟
ترجمة: هادي سلمان قاجو
تدقيق: طارق طويل