تحمي اللقاحات حياة الناس، وهي تقوم بذلك منذ تطوير لقاح الجدري قبل أكثر من 200 سنة. لتحافظ اللقاحات على سلامة المجتمعات بالكامل، يجب أن تتلقاها نسبة كبيرة من السكان. عندها فقط ستقدم اللقاحات الحماية حتى للأشخاص غير الملقحين، ما يُعرف بمناعة القطيع. لسوء الحظ، فإن ذلك لا يحدث معظم الأحيان. مثلًا، أضاف التردد في أخذ لقاح الحصبة زيادة 30% في عدد الحالات عالميًا عام 2019.
إذن، لماذا يحدث هذا التردد في أخذ اللقاح؟ قد تختلف الأسباب بين شخص وآخر.
وفقًا لعلماء النفس السريريين الذين يدرسون القلق والتهرب، يُعتقد أن أحد الأسباب الكبرى هو الخوف، خصوصًا الخوف من الموت، وكيف نسيطر على هذا الخوف.
تزداد معدلات التلقيح، لكن الخوف ما زال موجودًا:
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن التردد في أخذ اللقاح هو واحد من 10 تهديدات رئيسية للصحة العالمية.
في حالة كوفيد، يشكل رفض اللقاح أو تأخيره مشكلة مهمة، مع وجود تظاهرات ضد اللقاح على نشرات الأخبار على مدار الشهور الأخيرة.
في أستراليا، ما زال التردد في تلقي اللقاح يمثل مشكلة، مع أن بعض التقارير تناقض ذلك.
تبلغ معدلات التلقيح 85%، وتفوق 90% في بعض أنحاء البلاد. أجرت صحيفة سيدني مورنينغ هيرالد تحقيقًا أظهر أن 9% فقط من البالغين لم يتلقوا اللقاح.
جاء في التقرير أن «مخاوف اللقاح قد انخفضت للغاية».
تلك البيانات حقيقية، لكن تأويلها لم يكن دقيقًا.
الخوف لم يقل جوهريًا، وإنما التلقيح الإلزامي لبعض المجموعات في المجتمع، والأضرار التي ستلحق بمن يرفضون اللقاح، هو ما قاد إلى ارتفاع معدلات تلقي اللقاح.
في العديد من الولايات الاسترالية، طُبِّق التلقيح الإلزامي للعديد من المهن، متضمنة العاملين في الحجر الصحي وفي مجال الصحة والمدرسين وعمال البناء والعاملين في رعاية المسنين ومجموعات أخرى. من ثم فإن احتفاظك بمصدر رزقك يجعل رفض تلقي اللقاح مستحيلًا.
إضافةً إلى ذلك، فقد سمحت الحكومات بحريات متنوعة للملقحين. مثلًا، سُمح لسكان سيدني الملقحين بالكامل بالزيارات المنزلية والذهاب إلى صالات الرياضة والمسابح والمتاجر وصالونات تصفيف الشعر والحانات والحدائق ودور السينما والمسارح والمتاحف والمعارض.
إذا كان التردد بشأن تلقي اللقاح قد انخفض، فإن التلقيح الإجباري والحوافز لن تكون ضرورية. يرفض قطاع كبير من المجتمع تلقي اللقاح، ويختار عدم التلقيح إن لم تفرضه الحكومة.
لماذا يؤخر الناس تلقي اللقاح أو يرفضونه؟
ضمّنت منظمة الصحة العالمية الرضا ضمن الأسباب الرئيسية للتردد في تلقي اللقاح.
لكن كيف ذلك؟ لقد فتك كوفيد بالفعل بنحو 5 ملايين شخص عالميًا وأصاب أكثر من 240 مليونًا.
مع هذه الأرقام، كيف لشخص أن يبقى راضيًا؟ لماذا نرى محتجين لا يرتدون الكمامة، غافلين كليًا عن الخطر؟
النظرية الأقرب لتفسير هذه السلوكيات هي نظرية السيطرة على الخوف. وفقًا لهذه النظرية، لا يستطيع البشر مواجهة حقيقة الموت القاسية، فيستخدمون طرقًا متنوعة للإنكار.
وفقًا لعلماء النفس، يفترض البشر أنهم أهم من الحيوانات والنباتات، وأقدر على البقاء.
أظهرت دراسات علم النفس أن التذكير بالموت يدفع المشاركين إلى الدفاع عن دياناتهم ومعتقداتهم الثقافية وحرياتهم.
عند تذكيرهم بالموت، يُظهِر المشاركون عدوانيةً تجاه أصحاب المذاهب الدينية والسياسية المختلفة. نتشبث بصوابنا وخصوصيتنا لنتجاهل خوفنا من الموت.
في السياق ذاته، نرفض تحذيرات الطب الحديث، مقتنعين بأفكارنا الخاصة.
وجدت دراسة أن نصف المشاركين بها، من ذوي الانتماءات الدينية، اتفقوا على تعبير: «الرب سيحميني من العدوى».
للتغلب على هلعنا من الموت، نخدع أنفسنا بالتفكير في أننا لا نُهزم، مثل: يحدث الموت للآخرين، لكن ليس لي.
يتعاظم هذا التأثير إن أيدت المجموعات الاجتماعية التي ننتمي إليها وجهات نظر مماثلة. يقود التذكير بالموت الناس للدفاع بشراسة عن معتقدات فئتهم.
في حالة كوفيد، إن كانت هذه السلوكيات محل تقدير ومشاركة ضمن ثقافتنا أو فئاتنا، نصبح أكثر إيمانًا بالفردية، أو أكثر شكًا في العلم أو الحكومة، أو أكثر ثقة بقدرة الرب على حمايتنا.
العيش في زمن كوفيد جعلنا جميعًا مشاركين في تجربة نفسية اجتماعية. تذكرنا الوفيات اليومية وأعداد الحالات بالموت، ما أنتج سلوكيات مشابهة لنتائج التجارب، متضمنةً إنكار الخطر والعدوانية تجاه المختلفين. مثلًا، العنصرية تجاه الأشخاص الآسيويين مع بداية الجائحة.
الوفيات الباكرة المرتبطة باللقاحات نفسها أصبحت مذكرة موت أخرى تؤدي إلى تجنب وحذر إضافيين.
سيبقى التردد في تلقي اللقاح مشكلة عالمية ملحة ما دمنا نرفض أن نرى حقيقة أنفسنا.
ومع استمرار تحور المرض، تظل سرعة تلقي اللقاح قضية مُلحة على مدى السنوات القادمة.
وسيستمر التردد في تلقي اللقاح بقتل عشرات الآلاف عالميًا حتى نفهم جوهره بالكامل ونواجهه.
اقرأ أيضًا:
شركة ميرك تطلب من إدارة الغذاء والدواء الموافقة على أول حبوب مضادة لفيروس كوفيد-19
ما احتمالية أن يكون لقاح كوفيد-19 علاجًا جينيًا؟
ترجمة: سلام يونس الونوس
تدقيق: محمد الأسطى
مراجعة: أكرم محيي الدين