أكبر سنًا ولكن أكثر حكمة: لماذا يتراجع السلوك المتهور مع التقدم بالعمر؟

يميل كبار السن إلى عدم الانخراط في السلوكيات المتهورة التي ينخرط فيها المراهقون والشباب، قد يُسمَّى ذلك حكمة أو خبرة مكتسبة، ولكن قد يكون هذا أيضًا نتيجة لانخفاض كميات المادة الرمادية في الدماغ، وفقًا لدراسة حديثة.

وجد الباحثون في جامعة ييل ونيويورك أن البالغين الذين كانوا أقل ميلًا إلى المخاطرة وفقًا للدراسة، كانت لديهم مادة رمادية أقل في قشرة الدماغ في المنطقة الجدارية الخلفية اليمنى، التي تشارك في اتخاذ القرارات المنطوية على مخاطر.

طلب الباحثون من متطوعين بالغين تتراوح أعمارهم بين 18 و88 عامًا أن يلعبوا لعبةً تنطوي على مخاطر، إذ سُمحَ للمتطوعين بالاختيار بين مكسب مضمون مثل الحصول على 5 دولارات، أو مكسب غير مؤكد مثل اليانصيب لكسب ما بين 5 دولارات و120 دولارًا مع فرص غير مؤكدة للفوز أو الخسارة.

مثلما توقع الباحثون، فإن المشاركين الذين اختاروا المكسب المضمون، أي غير المنطوي على خطر، يميلون إلى أن يكونوا أكبر سنًا من أولئك الذين اختاروا اليانصيب. لم تكن تلك العلاقة مؤكدة ومثالية، لكنها كانت قريبة من ذلك إلى حد بعيد، ويمكن للمرء أن يطلق على هذه حكمة التقدم في السن.

مع ذلك، عندما حلل الباحثون فحوصات الدماغ لهؤلاء المتطوعين، التي حُصِلَ عليها بواسطة تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي التي تسمى القياس المورفولوجي المعتمد على فوكسل VBM، وجدوا أن المستويات المنخفضة من المادة الرمادية كانت السبب الأساسي لنفورهم من المخاطرة أكثر من التقدم بالعمر.

تشير هذه النتائج إلى أن التغيرات الدماغية التي تحدث لدى الأشخاص الأصحاء في مرحلة الشيخوخة قد تكون وراء المزيد من أنماط صنع القرار والتفضيلات لدى الإنسان، وذلك أكثر مما كان يُعتَقد سابقًا، إذ أشار الباحثون إلى ذلك في النتائج التي توصلوا إليها، التي نُشرت في 13 ديسمبر 2016 في مجلة Nature Communications.

قالت إيفات ليفي، الأستاذة المشاركة في الطب المقارن وعلم الأعصاب في جامعة ييل، والكاتبة الرئيسية للدراسة: «إن العلاقة بين انخفاض المخاطرة وانخفاض كمية المادة الرمادية والتقدم بالعمر، منطقية من وجهة نظر تطورية».

صرحت ليفي لـ لايف ساينس قائلة: «من المنطقي أن يتحمل كبار السن مخاطر أقل من الأصغر سنًا من نواحٍ عديدة؛ لأنهم ربما أقل قدرة على تحمل العواقب، ولأن لديهم وقتًا أقصر للعيش وإصلاح الضرر، إضافةً إلى وجود طريقة أخرى للتفكير في الأمر، وهي أنه قد يكون من الكافي بالنسبة لكبار السن الحصول على القليل فقط من الطعام والمال، وما إلى ذلك لإبقائهم على قيد الحياة، لذلك لا يحتاجون إلى اغتنام الفرص. أمّا البالغون الأصغر سنًا فإنهم يحتاجون إلى رعاية ذريتهم وما إلى ذلك، فالخيار الآمن قد لا يكون ببساطة كافيًا لتحقيق كل ما يحتاجون إليه».

أشارت ليفي إلى رغبتها في توسيع نطاق أبحاث الدماغ لتشمل المراهقين، وأثبتت ليفي وزملاؤها في دراسة سابقة أنّ المراهقين لديهم قدرة على تحمل الغموض، الأمر الذي ربما يزيد من مشاركتهم في السلوك المحفوف بالمخاطر، وذلك عندما يكون الخطر غير معروف ومجهول.

قال مايكل جروب، المؤلف الأول للدراسة الحالية، الذي كان في وقت إجرائها باحثًا في مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة نيويورك ويعمل الآن أستاذًا مساعدًا في كلية ترينيتي في هارتفورد، كونيتيكت: «بدأ فريق البحث للتو في فحص أدمغة المراهقين، وليس من الواضح بعد كيف تؤثر مستويات المادة الرمادية على مدى ميلهم للمخاطر».

قالت ليفي: «إن الصورة معقدة، إذ تعمل عدة عوامل مثل ضغط الأقران وعدم نمو الدماغ بشكل كامل بمنزلة عوامل مساهمة، وما تزال الإجابة غير واضحة بالنسبة للمراهقين».

اقرأ أيضًا:

لماذا نتصرف بعدوانية؟ ولماذا يصعب الكشف عن السلوك العدواني والتعامل معه؟

ما هو السلوك التنظيمي؟

ترجمة : رشا الخضر

تدقيق: نور حمود

المصدر